إشراقات

بر الوالدين

10 أغسطس 2017
10 أغسطس 2017

القاهرة: أماني أحمد -

إن الناشئ المسلم عضو في بيت مسلم، وجزء أصيل من كيانه، بل إن البيت بدون أبناء تخيم عليه سحابة من القلق والإحساس بالعجز عن الامتداد في أبعاد الحياة ومستقبل أيامها، والاستمرار في الزمان والمكان بما يلائم الفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها.

والبيت آباء وأمهات وأبناء، إنه بيت موظف من وجهة النظر الإسلامية، ولكل عضو في هذا البيت حقوق على الآخرين، كما أن عليه واجبات نحو الآخرين، وما بين استخدام الحقوق وأداء الواجبات والالتزام بها تكون الحياة الأسرية الإسلامية التي تشق طريقها في الحياة لتحقق سعادة الدنيا والآخرة.

وإذا كان على الآباء واجبات أوجبها عليهم الإسلام وسوف يحاسبهم على التقصير فيها فإنه من المنطقي أن تقابلها واجبات على الأبناء نحو آبائهم ونحو البيت الذي يعيشون فيه، وهذه الواجبات حددتها الشريعة الإسلامية. وبر الوالدين أي التوسع في الإحسان إليهما فهو أو واجبات الأبناء نحو الآباء والأمهات، وفي هذا البر وردت آيات قرآنية عديدة وأحاديث نبوية كثيرة. فقد قال سبحانه وتعالى: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا». وقال عز وجل: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا».

يقول الدكتور علي عبد الحليم محمود فى كتابه « تربية الناشئ المسلم «: الله سبحانه قد ألزم وأوجب عبادته وحده وقرن بذلك الإحسان إلى الوالدين كما ذكر فى الآيتين السابقتين وقد قال العلماء من البر بهما والإحسان إليهما ألا يتعرض لسبهما ولا يعقهما ، فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف، وبذلك وردت السنة الثابتة الصحيحة ففى صحيح مسلم ما رواه بسنده عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« إن من الكبائر شتم الرجل والديه» ، قالوا : يا رسول الله، هل يشتم الرجل والديه ؟ قال :« نعم، يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه «.

ومن عقوق الوالدين مخالفتهما فى أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما. وقال العلماء: إن بر الوالدين لا يختص بأن يكونا مسلمين، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما، إذا كان لهما عهد، ففي صحيح البخاري عن أسماء قالت: قدمت أمي وهي مشركة فى عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت:» إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: «نعم صلي أمك».

وقد ألزم الإسلام الأبناء بصفة خاصة إذا بلغ الأبوان الكبر من العمر لأنهما سيكونان حينئذ بحاجة أشد إليهم ألزمهم الأبناء في هذه الحالة أن يقابلوهم بالقول الموصوف بالكرامة في القرآن الكريم: «وقل لهما قولا كريما» وهو القول السالم من كل عيب، روى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة».

ولا يجوز له أن يقول لهما أو لأحدهما ما فيه أدنى تبرم وهو كلمة «أف». ولا يجوز له نهرهما أو زجرهما وإنما يناديهما بكلام لين لطيف مثل: يا أبتاه، ويا أماه، من غير أن يسميهما أو يكنيهما، قاله عطاء. وعلى الأبناء أن يتذللوا للآباء تذليل الرعية للأمير، والعبيد للسادة، وعلى الأبناء ان يجعلوا التذلل للآباء نابعا من الرحمة لهما. وكذلك أن يدعو الله للآباء والامهات طالبين منه سبحانه الرحمة لهما بشرط أن يكونا مسلمين فإن كان مشركين فهناك نهي عن طلب الاستغفار لهما. ولا بأس أن يطلبوا لهما الهداية في دعائهم لهما.

ومن جهة أخرى يقول الدكتور رمضان المحلاوي في كتابه «من أخلاق الإسلام»: لقد بينت الشريعة الغراء أن الإحسان إلى الوالدين وحسن معاشرتهما يعدل الجهاد في سبيل الله، فعن عبد الله بن عمر بن العاص أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبايعه على الهجرة والجهاد، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن لهذا الرجل والدين على قيد الحياة، ما كان منه إلا أن أمره بالرجوع إلى والديه، وحسن معاشرتهما، حيث قال له: «فيهما فجاهد».

ولما كانت الأم قد تحملت من المشاق الشيء الكثير من نحو آلام الحمل، والولادة وما يتلو ذلك من الرضاع وحسن التربية، والقيام بالواجب حال الصغر، والاهتمام بأمر وليدها فى كل طور من أطوار حياته، فقد سعدت به رضيعا، وأنست به شابا، ولم تتحمل أي أذى يلحقه، فإذا ألم به مكروه لم يهدأ لها جفن ولم ينقطع لها دمع، وباتت ليلها في هلع وولع، تضرع إلى الله، وتتوسل إليه أن يستجيب دعاءها، وينجي برحمته وليدها.

من أجل هذا وغيره فقد اختصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمزيد الاهتمام، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك».

فعلى الشاب أن يلتزم بمنهج القرآن فى حسن صحبة الوالدين وليعلم أنه كما يدين يدان، والجزاء عند الله من جنس العمل، وأن الله يقول: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان»، وأن الإسلام بإرساء هذه المبادئ، وبيان هذه المعالم، إنما يرسم حدود الحياة، الحرة الكريمة، التى يتضح فيها تواصل عطاء الخير بين الأجيال، فأبناء اليوم هم آباء المستقبل، فليختر كل امرئ المكيال الذي يجب أن يكال له به، وصدق الله إذ يقول: «من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد». وأخيرا بر الآباء والأمهات من أهم عوامل استقرار الحياة الأسرية فى الإسلام.