1064854
1064854
إشراقات

خطبة الجمعة تدعو إلى التثبت من الأخبار.. وتحذر من دعايات المغرضين وشعارات المفسدين

27 يوليو 2017
27 يوليو 2017

حذرت من الاستهانة بخطر الكلمة ودعت الآباء إلى تنبيه الأبناء من الحيل الإلكترونية -

تحدثت خطبة الجمعة الأسبوع الماضي عن «أثــر الكـلمة في التواصل الاجتماعي»، حيث أشارت تحت هذا العنوان إلى أن الإنسان خلق اجتماعيا بطبعه، مدنيا بفطرته، وشرع له من القيم والمبادئ ما يكـفل له حسن التعايش وجميل التواصل، مشيرة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم صاغ الشخصية الإسلامية الحقة، والأخلاق الاجتماعية الراقية.

وأكد الخطباء أن تقوى الله صمام الأمان من كل فتنة، والحرز المنيع من كل هلكة.. فالحق سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).. مؤكدين على أن ما هيأه الله سبحانه وتعالى من سبل العيش، وما يسّره من وسائل التعايش والتقارب من تقنيات تتجدد في كل آن، وآليات تتطور عبر الأزمان، يواكب بها الإنسان الحياة في كل عصر، ويقضي بها متطلباتها بكل يسر.. وهي نعم عظيمة لا تعد ولا تحصى.. (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).

وتحدث الخطباء أن نعمة التقنيات الحديثة في زماننا، دخلت كل قرية ودار، وصارت في متناول الجميع، بل أصبحت جزءا من حياة الإنسان المعاصر، تحـتل مساحة من تفكيره واهتماماته، وتشغل الكثير من ساعاته وأوقاته، بل تسهم كثيرا في بناء شخصيته، وتتدخل بعمق في صياغة أفكاره وتوجهاته، فلم يعد بالإمـكان منع طوفانها، وليس من الحكمة تجاهل تأثيرها، وقد صارت موطنا خصبا لبث الأفكار، وميدانا رحبا للنقاش والحوار، يغتنمه كل توجه بما يخدم اتجاهه، ويسـتغله كل داعية بما يحقق أهدافه، من هنا كان حريا بالعاقل المتبصر أن يقف وقفة حازمة، وينظر للأمر بنظرة جادة، فيوقن أنه مسؤول عن كل حواسه، قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).

وبيّنت الخطبة أن الإنسان عليه إدراك أن وسائل التواصل الاجتماعي مرتع للسمع والإبصار، ومصدر للقول بلغة الأقلام، وأن كل تحركاته فيها مسؤولة، وكل مشاركاته بها لا بد أن تكون مؤطرة ومحكومة، فليس المؤمن بحاطب ليل، يهيم بكل واد، ويغشى كل ناد، أو إمـعة يجري خلف كل ناعق، ويغره كل شعار، إنما يوطن نفسه، وينظر في موضع قدمه، ويتحكم في كل ما يأتيه ويذره، لديه من الهوية والاستقلالية ما يجعله يقصد منابع الخير، وينأى عن مواقع الفتنة والضر، إذا فتح حسابا جعله منبرا للدعوة إلى الخير، ومصدرا للحث على المعروف والبر، لا يزاحم أهـل الاختصاص في اختصاصهم، ولا يخوض في فن لا يحسنه، ولا يتحدث إلا بعلم وبصيرة، بل يرجع إلى أهـل المعرفة قبـل أن تخط يمينه، ويشاور أهـل الحكمة قبـل أن يكتب بنانه، ناظرا في العواقب والمآلات، موازنا بين الإيجابيات والسـلبيات، وإذا حاور غيره حاور باحترام وأدب، فلم ينس أخلاقه، ولم يلبس غير أثوابه، بل إن مبادئه معه أيـنما حل، وهويـته وقيمه حيثما نزل، مترفعا عن الجهلة وذوي التفاهات، ونائيا بنفسه عن أهـل الفتنة والشبهات، وإذا أنشأ مجموعة حوارية أقام على الألفة بنيانها، وسار بالحكمة في إدارتها، وجعلها وسيلة للتقارب لا التباعد والتنافر، واغتنمها في بث روح التسامح والتعارف، فكانت مظلتها قول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

وأكدوا أن وسائل التواصل بجميع أنواعها إنما تقوم على الكلمة طيبها وخبيثها، فالقلم أحد اللسانين، فانتقاء الكلمات وصون العبارات أساس رصين في فقه التواصل الاجتماعي، فليس بخافٍ أن للكلمة الطيبة تأثيرها الجميل في النفوس، وبصمتها الظاهرة على الأعمال والسلوك، جذورها في الأعماق ضاربة، وثمارها في علاقات الناس جنية ويانعة، وقد ضرب الله مثلا بالنخـلة الثابتة: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)؛ وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة - من رضوان الله - لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها في الجنة»، فكم رجع إلى الله راجع بسبب موعظة حسنة، وكم اهتدى إنسان بحكمة واعية، فعلينا أن نجعل مواقع التواصل ومجموعات الحوار منبرا لقوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).. فيجب توظيف مواقع التواصل في الخير، واغتنامها في طرق البر، حتى تكون أداة تعمير وبناء، وإلا صارت معول هدم ورجعت بالمجتمعات إلى الوراء.. فالحق سبحانه جعل العقل قائد الأقوال والأعمال، والكلمة ترجمان الفكر وما يخـتلج في الوجدان، وحذر من الاستهانة بخطر الكلمة ونشرها.

وأشاروا إلى أن للكلمة الحسنة جمالها وطيب أثرها، وللكلمة الخبيثة وقعها وعظيم ضررها؛ وقد مثل لها القرآن بالشجرة الخبيثة في عدم قرارها وسوء ثمارها: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)، كما حذرت السنة المطهرة من خطرها وعظيم جرمها، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سخط الله - لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم»، فهي وبال على قائلها، وخطر داهم على المجـتمع متى ما استهين بها واستهـتر ببثها ونشرها؛ ومن هنا نجد ذوي النفوس الضعيفة، يسـتغلون وسائل التواصل الاجتماعي لبث سمومهم، ونشر أراجيفهم وشبهاتهم، مركزين على الإشاعات المغرضة؛ لعلمهم بتأثيرها، وعظيم أثرها فيما يحقق مصالحهم ومآربهم، ويعمدون إلى تشويه سمعة المصـلحين والمجدين؛ لفشلهم في الوصول إلى أمجاد أولئك، والمؤمن العاقل كيس فطن، يقظ لأمثال هؤلاء، فلا يسمح لهم بتلبيس دينه، إذ هو حارس لعقيدته وقيمه، أمين على مكتسبات بلده، يغار على حرمات وطنه، وهو ينظر إلى العالم من حوله يموج بالحروب والتطاحن، ويعج بالطائفية والتلاسن، فينأى بنفسه عن الانجراف خلف دعايات المغرضين مهما زينوها، ولا ينخدع بشعارات المفسدين مهما لمعوها، ويصون أولاده وذويه عن كل من يحاول استغلالهم بالحيل الإلكترونية، أو يجرهم إلى ما يعود عليهم وعلى وطنهم بما لا يحمد عقباه. وإن من أعظم المبادئ التي ربانا عليها ديننا الحنيف ضرورة التثبت من الأخبار، والرجوع إلى المصادر الموثوقة؛ حتى لا يجد أي مغرض آذانا تصغي لأراجيفه، أو قلوبا تتعاطف مع شبهاته، فلا نظلم في أحـكامنا أبرياء، ولا نعرض أوطاننا وقيمنا لكيد السفهاء، فنندم على التسرع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).. فاتقوا الله -عباد الله-، وتثبـتوا وتبينوا فإنكم على ثغرة للدين والأوطان، وقدوة للأجيال، وامزجوا دعوة الخير بالحكمة، والإقدام بالحذر، تنالوا مرضاة رب البشر.