أفكار وآراء

صنـاعـة الإعــلام والقـوة الناعمة

23 يوليو 2017
23 يوليو 2017

أ.د. حسني نصر -

تكشف الأزمات التي تشهدها المنطقة عن الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام بوسائله المختلفة كسلاح ناعم في هذه الصراعات، ويمكن القول إن قوة الدول لم تعد تقاس فقط بقوتها البشرية وإمكاناتها المالية والعسكرية فقط، وإنما بقوتها الناعمة أيضا التي يأتي الإعلام الجيد على رأسها. وأصبح ما تملكه الدولة أيا كان موقعها أو حجمها الجغرافي أو السكاني من وسائل إعلام قادرة على تلبية حاجات مواطنيها وتحقيق السيادة الإعلامية على أراضيها، وقادرة على تجاوز الحدود الجغرافية والوصول إلى العالمية، أحد معايير الحكم على هذه القوة.

والواقع أن متابعة المشهد الإعلامي العالمي والعربي الراهن، هي ما تدفعنا، ونحن نحتفل بالعيد السابع والأربعين للنهضة في سلطنة عمان، التي كان الإعلام أحد أهم روافعها وأحد منجزاتها في الوقت نفسه، إلى طرح تساؤل يبدو مشروعا ومهما في هذه المرحلة يتعلق بالقوة الإعلامية التي تملكها السلطنة في الداخل والخارج بعد كل هذه السنوات، وهل يمكن القول بإن لدينا صناعة إعلامية تشبع حاجات الشعب العماني وتلبي تطلعاته وتصل بإنجازاته ومواقفه إلى خارج الحدود، وتدافع عن مصالحه في المنطقة والعالم؟

لا تبدو الإجابة عن هذا السؤال سهلة في ظل تشابك المشهد الإعلامي وتنوع مصادر تكوينه وغياب الدراسات التي تقيس أثره وتحلل أدواره التاريخية والمعاصرة في النهضة الشاملة التي تعيشها السلطنة، ومع ذلك يمكن في البداية التأكيد على حقيقتين لا يختلف عليهما أحد.

الحقيقة الأولى أن التجربة الإعلامية العمانية التي انطلقت مع النهضة في العام 1970 وبلغت عامها السابع والأربعين تُعد قصيرة بعمر الزمن، ولكنها ثرية وراسخة وفعالة بحكم ما تحقق فيها من إنجازات. فقد نجحت السلطنة على مدى سني النهضة في وضع أساس بناء صناعة إعلامية وطنية قوية تضم حاليا كل وسائل الإعلام التقليدية والجديدة من وكالة أنباء وطنية، وأربع صحف يومية باللغة العربية ومثلها باللغة الإنجليزية وعدد كبير من الصحف المجانية والمجلات الأسبوعية، وعدد من الصحف الإلكترونية، بالإضافة إلى عدد جيد من القنوات الإذاعية والتلفزيونية الحكومية والخاصة، وعشرات الشركات والمؤسسات التي تعمل في مجالات الإعلام الالكتروني والعلاقات العامة والإعلان، إلى جانب عشرات من إدارات الإعلام التي تعمل في الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة وتسهم في إنتاج المضامين الإعلامية. لذلك من الممكن أن نقول إن لدينا نواة متميزة لصناعة إعلامية نامية تحتاج إلى رعاية أكبر.

الحقيقة الثانية أن وزارة الإعلام والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون اللتان تديران المشهد الإعلامي في السلطنة تقومان بدورهما في هذا المجال على أكمل وجه، وفق المهام والمسؤوليات والصلاحيات الممنوحة لكل منهما. ومع ذلك فإن التعامل مع الإعلام كصناعة ثقيلة تمثل آلية من آليات القوة الناعمة للدولة يتطلب إشراك المجتمع كله بجميع مؤسساته وهيئاته في دعم وتعزيز هذه الصناعة وإكمال النقص فيها، وعدم إلقاء كل هذا العبء على الوزارة والهيئة وحدهما. والواقع أن صناعة الإعلام لا تقل أهمية عن غيرها من الصناعات التي يجب رعايتها والعمل على تقدمها وازدهارها في السلطنة، بل لا نبالغ إذا قلنا إن هذه الصناعة تمثل حجر الزاوية في تطور غيرها من الصناعات. إذ إنه بدون وسائل إعلام قوية لا يمكن للصناعات الأخرى أن تصل إلى الجماهير سواء عبر النشر الإخباري عن التقدم الذي تحققه او المشكلات التي تواجهها هذه الصناعات، او النشر الإعلاني عن السلع والمنتجات والخدمات التي تقدمها هذه الصناعات للمجتمع. وتنظر دول كثيرة في العالم إلى صناعة الإعلام باعتبارها صناعة من الصناعات الثقافية الثقيلة التي تستحق الدعم المستمر، خاصة وان مدخلاتها المادية من ورق وأحبار وطباعة وتكنولوجيا ومعدات، ومدخلاتها البشرية المؤهلة أصبحت باهظة التكلفة، فيما تواجه مخرجاتها من الصحف والمجلات والمضامين الإذاعية والتلفزيونية والإلكترونية أزمة على صعيد تراجع التعرض لها لحساب وسائل الإعلام الجديدة.

وفي تقديري فإن النظر إلى الصحافة والإعلام كصناعة واعدة ضمن منظومة الصناعة في عُمان، تحتاج إلى إشراك مؤسسات وهيئات أخرى كثيرة مثل المؤسسة العامة للمناطق الصناعية وغرفة تجارة وصناعة عُمان، ووزارة التجارة والصناعة، وغيرها في دعم هذه الصناعة وربما الاسهام في رسم السياسات الخاصة بها بشكل او بآخر .

ولعل أول خطوة في هذا الاتجاه قد تكون في إشراك كل المؤسسات ذات العلاقة بهذه الصناعة في دراسة الأوضاع الإعلامية الراهنة في السلطنة دراسة علمية تشمل كل أبعادها من كوادر بشرية وإدارية وفنية، ووسائل وصناعات مغذية، ورسائل، وأدوار ووظائف، وتأثيرات مستهدفة وغير مستهدفة ، ثم الخروج باستراتيجية لتطوير الصناعات الإعلامية. هذه الاستراتيجية قد تشمل إنشاء مدن إعلامية تحتضن هذه الصناعات كما فعلت بعض الدول العربية، وكذلك مد التواجد الإعلامي ، بشكل اكبر ، إلى مختلف محافظات السلطنة ، عبر تأسيس مشروعات إعلامية فيها، وهو ما يعني الحد من ظاهرة المركزية ، التي تميز صناعة الإعلام في السلطنة ، بسبب تركز كل وسائل الإعلام تقريبا في العاصمة مسقط ، وهو ما يحد ، ولو نسبيا ، من قدرة وسائل الإعلام على الوصول إلى جميع الولايات، بالإضافة إلى فتح المجال لتوطين مجموعة من الصناعات الإعلامية المغذية مثل مصانع ورق الصحف ، ومصانع الأحبار، والمطابع الكبيرة، وشركات الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني ، ومصانع أجهزة البث والاستقبال، بالإضافة إلى الشركات الإعلامية التي تنتج وتوزع المضمون الإعلامي الصحفي والإذاعي والإلكتروني.

لقد آن للإعلام العُماني بعد كل هذا التاريخ ، أن ينتقل إلى مرحلة جديدة من النهضة، ونقطة البدء في تقديري أن نبدأ في التعامل معه باعتباره صناعة ضخمة ومؤثرة تستحق الرعاية وتحتاج إلى تكاتف الجهود الوطنية لتوفير كل الإمكانات المادية والبشرية ، حتى يصبح إحدى أدوات القوة الناعمة للدولة ، والتعامل مع مخرجات هذه الصناعة باعتبارها منتج عُماني وطني ، ينبغي الترويج له وتسويقه داخليا وخارجيا.