أفكار وآراء

صورة مضيئة في الداخـل والخـارج

22 يوليو 2017
22 يوليو 2017

د.عبد العاطي محمد -

تنهض الأمم عندما تسخر كل طاقاتها الداخلية والخارجية على أحسن وجه، وهو ما تحقق لسلطنة عمان على مدى السنوات السبع والأربعين الماضية ، اي منذ فجر النهضة المباركة ، التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – بحكمة واقتدار. ولاشك أن هناك عوامل عديدة على الصعيد الداخلي وراء هذا النجاح، ولكن هناك أيضا وبنفس الأهمية عوامل تتعلق بالسياسة الخارجية ركزت على أن يكون ديدن هذه السياسة هو العمل على توفير البيئة الخارجية الضرورية لإنجاح كل ما يتعلق بالنهضة العمانية الحديثة على الصعيد الداخلي.

فالمعروف لدى المعنيين بفهم ومتابعة أداء السياسات الخارجية للدول أن السياسة الخارجية للدولة، اية دولة ، هي في الواقع امتداد للسياسة الداخلية لها، حيث تتوحد الأهداف والغايات ويجري التنسيق المتين بين الجانبين ، ضمن منظومة ورؤية شاملة. وقد تبدو هذه المقولة سهلة المنال ، من حيث التطبيق على مستوى الواقع، ولكنها جد مهمة صعبة، لا ينجح فيها إلا الحكماء، خصوصا إذا كانت التحديات الداخلية والخارجية متنوعة وقوية التأثير.

وتأتي سلطنة عمان في مقدمة الدول الناهضة التي نجحت بالفعل في استثمار الإمكانيات الوطنية الداخلية المتاحة ، لتحقيق نجاح مشهود على صعيد سياستها الخارجية، وهو ما يقر به الجميع ، ويحترمه ويقدره ، ليس في المنطقة وحدها ، بل وعلى الصعيدين الاقليمي والعالمي، كما نجحت سلطنة عمان أيضا ، في استثمار الإمكانيات التي تتيحها سياستها الخارجية ، في تحقيق اهداف النهضة المباركة، وما كان ذلك ليتحقق إلا بفضل الرؤية الثاقبة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – أعزه الله - عندما تولى مقاليد الحكم، في مثل هذا اليوم عام 1970، لما يجب أن تكون عليه عمان، الوطن والشعب. وهي رؤية سبقت في الواقع زمانها وظروفها ، خاصة في ظل ما كان عليه الحال قبل سبعة وأربعين عاما.

لقد تجلى دور السياسة الخارجية العمانية ، من حيث المساهمة في تحقيق النهضة التي حملت من اللحظة الأولى عنوان التنمية الشاملة والمستدامة، في توفير البيئة الخارجية، الخليجية والاقليمية والدولية، المناسبة والضرورية، للمضي قدما في خطط تنموية خمسية متتابعة وصلت إلى الخطة الخمسية التاسعة (2016- 2020) التي تعد الحلقة الأخيرة من الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020.

والمؤكد ان ذلك لم يكن سهلا على الإطلاق ، وسط بيئة إقليمية مضطربة وتحولات دراماتيكية في النظام العالمي. ولكن لأن هذه الرؤية استندت الى مبادئ محددة، وضعها جلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله ورعاه - منذ قيادته مسيرة النهضة المباركة، فانها تمكنت من الانتقال من نجاح إلى نجاح آخر ، وسط إعجاب وتقدير من الجميع. ومن أهم هذه المبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير ، والاحترام المتبادل في العلاقات الدولية. ولأن التجربة هي خير برهان، فقد كان هذا المبدأ موضع اختبار في أكثر من مناسبة فارقة في مسيرة المنطقة، خليجيا وعربيا واقليميا ، وتمكنت السلطنة من اجتياز الاختبار بنجاح مشهود، مما جعلها موضع ثقة العالم كله من حولها، كما أكسب مواقفها المصداقية حتى أصبحت بحق بوابة للسلام ، يطرق بابها الجميع من الشرق والغرب والشمال والجنوب. وقد وفر هذا الدور مناخا آمنا لانطلاق عمليات التنمية والبناء ، في الداخل ، والحفاظ على مكتسبات ما يتحقق من تقدم داخلي ، والبناء عليه مستقبلا، فأتت خطط التنمية أكلها، وهو ما عاشه ويعيشه المواطن العمانى على أرض الواقع على مدى العقود والسنوات الماضية ، منذ عام 1970. ومن ناحية أخرى وفرت المصداقية التي تمتعت بها السياسة الخارجية العمانية ، مكانة خارجية مرموقة للسلطنة ، وتوفير مناخ آمن ومستقر ، بغض النظر عما يجري في المنطقة من تطورات ، وهو ما صاحبه أيضا مزيدا من الإقبال الخارجي على الاستثمار والمشاركة في المشروعات المختلفة للتنمية في مختلف المجالات.

كما ركزت السلطنة في سياستها الخارجية على ترسيخ مبادئ السلم والأمن الدوليين، والتزمت بهذا فعلا وليس قولا فقط، فكانت عمان بذلك عاملا من عوامل الاستقرار في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما. ومرة أخرى فإن هناك مناسبات عديدة جرى فيها اختبار هذا المبدأ وكانت كلمة عمان هى الصائبة، وتم بفضلها تهدئة الأوضاع.

وفي هذا الإطار لا جدوى من أية جهود لتحقيق نهضة داخلية إذا كان العنوان الأبرز هو التوتر المستمر وعدم الاستقرار لأوضاع البيئة الخارجية، حيث يصعب بناء علاقات اقتصادية مفيدة لكل الأطراف، ويتراجع الطموح في تحقيق المزيد من التقدم الاقتصادي، فضلا عن القلق على مصير الانجازات القائمة.

ولاشك أن حرص السلطنة على هويتها العربية والإسلامية وحرصها الدائم على التضامن العربي والإسلامي أيضا، كان من العوامل المهمة لبناء علاقات قوية للسلطنة بكل من محيطيها العربي والإسلامي، وقد كان لذلك مردوده الإيجابي في إنجاح مسيرتها التنموية من حيث توفير فرص أكبر للتعاون الاقتصادي على كل المستويات العمرانية والخدمية.

في ضوء هذا وغيره كثير من عوامل الترابط بين السياستين الداخلية والخارجية لنجاح النهضة العمانية، فقد أصبح لعمان صورة مضيئة ومشرفة في عيون العالم الخارجي، مثلما أصبح لها صورة مضيئة وموضع افتخار في عيون كل عماني على الصعيد الداخلي.. هكذا تكون نهضة الأمم.