أفكار وآراء

السياحة والاستثمار والتأشيرة الإلكترونية

22 يوليو 2017
22 يوليو 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

يعد التنويع الاقتصادي اليوم توجها استراتيجيا للدفع بالنمو في ظلّ الظروف المحيطة بأسواق النفط العالمية، والتي تفرض ضرورة التحوّل من اقتصاد يعتمد على سلعة واحدة وهي «النفط» إلى تنمية قطاعات أخرى لتحفيز عجلة التنمية الشامل. وقد تمت مناقشة هذا الموضوع من جميع الجوانب في حلقة عمل «التنفيذ» التي عقدت خلال الآونة الأخيرة، الأمر الذي يتطلب ضرورة إحداث تغييرات إيجابية في الاقتصاد الوطني من خلال تنمية الأنشطة غير النفطية، والتركيز على قطاعات واعدة تتمتّع بها السلطنة بميزة نسبية واضحة كقطاع السياحة وغيرها من القطاعات الواعدة، والعمل على التخلص من المعوقات التي تحدّ من استغلال تلك الطاقات.وهذه السياسة تتطلب ضرورة الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة والموقع الاستراتيجي المتميز للسلطنة، مع العمل على إعادة تدوير الفوائض المالية من القطاع النفطي لتمويل مشاريع البنية الأساسية من موانئ ومطارات وطرق رئيسية تعزز المكانة اللوجستية للسلطنة. كما تتطلب اتخاذ المزيد من القرارات لتسهيل الأعمال المرتبطة بقطاع السياحة في السلطنة، واستغلال جميع مقوماته التي يتميز بها. فموقع السلطنة الاستراتيجي مهيأ لهذه التغييرات باعتبارها تتوسط قارات العالم الكبرى الثلاثة (آسيا وأفريقيا وأوروبا) من جهة، فيما يمكن تعزيز قدرة القطاع على استضافة وتنظيم المزيد من الفعاليات الدولية والإقليمية الكبرى لجذب المزيد من المستثمرين والسياح للسلطنة من جهة أخرى.

ولقد كشفت حلقة العمل أن قطاع السياحة يعاني من تداخل للإجراءات التي تتبعها الجهات الحكومية المختلفة، فيما يتعلق بإصدار التراخيص والموافقات الأساسية، كبقية القطاعات الأخرى في الصناعة والأعمال اللوجستية والخدمات والعمل المصرفي والمالي وغيرها. وهناك ثمة صعوبات في تحقيق معدلات النمو المستهدفة من هذا القطاع. ومن هذا المنطلق جاء قرار شرطة عمان السلطانية مؤخرا بإصدار التأشيرة الإلكترونية، حيث يهدف هذا المشروع إلى تسهيل الحصول على التأشيرات التي تصدرها شرطة عمان السلطانية، ويتم دفع الرسوم من خلال بوابة الدفع الإلكتروني. كما أن هذا المشروع مرتبط أيضا مع بعض الجهات المعنية كوزارة القوى العاملة فيما يتعلق بالمأذونيات، ومع وزارة التجارة والصناعة التي ترتبط بمعرفة صلاحية السجل التجاري، وربطها مع وزارة الخدمة المدنية فيما يتعلق بالتأشيرات الحكومية الخاصة بموظفي الخدمة المدنية الأجانب. وجميع هذه الأعمال ستكون من خلال منظومة متكاملة مما سيقلل من تردد المراجعين على مناضد الخدمة سواء في الإدارة العامة للإقامة والجوازات بشرطة عمان السلطانية، أو إداراتها الجغرافية. كما أن ذلك سوف يعزز من انسيابية حركة السياحة التي تشهد تطورا كبيرا. وتتماشى هذه المنظومة الجديدة مع متطلبات منظمة الطيران المدني (الايكاو) وتوجهات منظمة السياحة العالمية لتسهيل دخول السياح، والتعامل معهم وفق التقاليد والأعراف العمانية الأصيلة التي ترحب بالضيف دون الإخلال بالجوانب الأمنية حفاظا على سلامة السياح، ورصداً للإحصائيات الدقيقة التي يمكن أن تسهم في نمو الاقتصاد العماني، وتأهيل الكوادر العمانية للعمل في مشروع ذي طابع عالمي من حيث المهارات الفنية والمعارف التقنية. كل ذلك يتم اليوم بالتعاون مع كافة الجهات ذات العلاقة سواء كانت جهات حكومية أو قطاع خاص. إن تدشين التأشيرة الإلكترونية العمانية سيفتح آفاقا للتحول الإلكتروني والأنظمة الرقمية، ويساهم في تسهيل وتطوير التأشيرات، ويسهّل من مهمة القادمين والمغادرين من وإلى السلطنة سواء من أجل السياحة أو العمل أو الدراسة أو الاستثمار أو الحصول على الخدمات الأخرى، ويحمل مزيدا من المرونة.

كما أن تسهيل إجراءات التأشيرات وتحويلها إلكترونيا يعد من العوامل والمقومات السياحية المطلوبة، خاصة وأن عدد السياح في تزايد مستمر كل عام، حيث وصل في العام الماضي 2016 إلى 3 ملايين سائح، ومن المتوقع أن يصل عددهم في عام 2020 إلى 4 ملايين و700 ألف سائح، مع نمو حركة البناء في مجال الفنادق في السلطنة. ومن هذا المنطلق ستعمل التأشيرة الإلكترونية على تعزيز هذا الجانب، وتعطي دفعة كبيرة لفتح أسواق جديدة بالسلطنة، من بعض الدول التي تتميز بتصدير السياحة إلى العالم كروسيا والصين وأمريكا، وهي أسوق مهمة ومصدرة للسياحة إلى العالم. ومع الحملة الترويجية لهذه الخدمة الجديدة من خلال الشركات السياحية والمكاتب الرسيمة للوزارة والسفارات العمانية في الخارج سوف تستقبل السلطنة المزيد من السياح خلال السنوات المقبلة بإذن الله.ووفقا لتوضيحات شرطة عمان السلطانية، فإن العمل في هذا المشروع يشمل إصدار تأشيرتين هي التأشيرة السياحية غير المكفولة لـ67 دولة، وتأشيرة المقيمين بدول مجلس التعاون الخليجي، وأن عدد المهن المستفيدة من التأشيرة تصل إلى 116 مهنة، وهذا الإنجاز يتطلب من وسائل الإعلام المحلية التركيز عليه وتوعية الأفراد والمؤسسات بالإجراءات المتبعة من خلال التقنيات الحديثة التي تتعامل معها الجهات الرسيمة؛ لتسهيل مهام السياح والراغبين في الوصول إلى السلطنة. فهذه الوسائل والتقنيات الحديثة بدلا من الخدمات التقليدية لها دور كبير في القضاء على تكدس المعاملات وتأخر إنجازها، الأمر الذي يقضي على الازدحام على المنافذ، فيما يستفيد الجميع من هذه الخدمات المتطورة، خاصة وأن المنظومة الإلكترونية لدى شرطة عمان السلطانية تعتبر من أجود الأنظمة في تقديم وإنهاء المعاملات إلكترونيا. وأن المشروع الأخير للتأشيرة السياحية الإلكترونية عبارة عن منظومة عمل متكاملة توفر قاعدة بيانات لكل من يدخل السلطنة إلى حين مغادرته، حيث تم التوقيع على اتفاقية بين شرطة عمان السلطانية والجهات المشرفة والمنفذة لهذا المشروع، فيما سبق لفريق العمل الذي يضم عدة جهات حكومية التجهيز والإعداد لتنفيذ هذا المشروع مع الشركات التي أوكل إليها تصميم الموقع وتشغيله وتدريب العاملين على أنظمته وبرامجه، وبدأ العاملون على هذا البرنامج في تدارس الأنشطة والبرامج، لتنفيذها على أقسام المنظومة التي تضم قسم الشبكات لمراقبة البيانات والعمليات، وقسم المبرمجين والمطورين الذي يهتم بتطوير وتصميم البرامج، والأقسام الأخرى لتأمين جميع البيانات والمعلومات والأنظمة الإلكترونية المطلوبة. فالتأشيرة الإلكترونية تسمح للزوار بالدفع المسبق للحصول عليها قبل السفر الى السلطنة وفقاً للقوانين والأنظمة المعمول بها، بالإضافة الى أنها تعتبر مواكبة للعصر بتقنياته الحديثة والمتطورة. إن إلقاء نظرة سريعة للقطاع السياحي ومساهمته في الاقتصاد العماني نجد أن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة منخفضة، حيث بلغت في المتوسط 2.2% خلال الفترة من 2010 – 2015. وتحتل السلطنة المركز الخامس بين دول مجلس التعاون في عدد السياح الواصلين والمقيمين لليلة واحدة على الأقل، أي ما يعادل 4% فقط من 49 مليون زائر لدول المجلس خلال عام 2014 م. وتشير التصنيفات العالمية إلى أن السلطنة لم تحقق الإيرادات المرجوة مقارنة بإمكانيات القطاع وامتلاكها للعديد من المقوّمات الثقافية والتراثية المتجلية في الفنون والموروث الشعبي والقلاع وغيرها. وهناك الكثير من الفرص والإمكانيات في هذا القطاع، كما هناك فرص لتحسين واقع العمانيين العاملين في هذا القطاع نتيجة للفرص التي يمكن توفيرها في حالة نمو واتساع هذا القطاع وإمكاناته في مجال السفر والترفيه والمنتزهات والرحلات وغيرها من الإمكانات الأخرى، بجانب استغلال المرافق المتواجدة اليوم بصورة إيجابية سواء في مجال السكن والأكل والشرب والنقل وغيرها.

ومشروع التأشيرة الإلكترونية سوف يعمل على تعزيز الحركة السياحية إلى السلطنة بصورة أو بأخرى. ومع تنمية الاستثمارات بشكلٍ مضاعف في هذا القطاع فمن المؤكد أن ذلك سيعمل على تحقيق طموحات السلطنة.