1062258
1062258
إشراقات

الخليلي: الوطن واحة الإنسان وطمأنينته.. يعيش فيه ويتقلب على أعطافه ويستمرئ فواضله

20 يوليو 2017
20 يوليو 2017

ما يقدمه المرء لوطنه من خير يحسب في سجل أعماله -

متابعة : سالم بن حمدان الحسيني -

الوطن واحة الإنسان وطمأنينته وهو الظل الظليل وهو الكنف الذي يأوي إليه.. يجد فيه طمأنينة النفس واستقرار البال.. وهو هبة.. وكل هبة من هبات الله سبحانه تذكر به وتدعو إلى طاعته، والإخلاص له.. وهو نعمة يجب على الإنسان أن يشكر الله تبارك وتعالى عليه، وأن ينشر مبادئ الخير فيه.. فلذلك يرتبط حب الوطن بالعقيدة.. إذ هو حب فطري والإنسان مطالب بأن يحول هذه الفطرة إلى جانب إيجابي.. ذلك ما أوضحه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في أحد لقاءاته ببرنامج سؤال أهل الذكر من تلفزيون سلطنة عمان تحت عنوان: «علاقة حب الوطن بالجانب الإيماني».

وأضاف: على المسلم أن يتخذ جميع الأرض التي يمكن أن تقام فيها شعائر الإسلام وتعلو فيها كلمة التوحيد ويظهر فيها الحق وطنا له من حيث ارتباط مشاعره بها، وحبه الخير لأهلها، فإن المؤمن يحب الخير لجميع الناس، ويحب الخير لجميع الديار، وعليه أن يحرص على العطاء اكثر من الحرص على الأخذ، فكل ما يقدمه الإنسان من خير لوطنه يحسب في سجل أعماله، وعليه أن يكون غيورا على المكان الذي يعيش فيه ويتقلب على أعطافه ويستمرئ فواضله، وعليه أن يحرص على نظافته حتى يكون مكانا نزيها طيبة صورته مشرقة جميلة.. نقرأ المزيد في اللقاء التالي:

حب الإنسان لوطنه شيء فطري.. وهو مطالب بأن يحول هذه الفطرة إلى جانب إيجابي -

ماذا يعني الوطن بالنسبة للإنسان؟ وهل حبه مرتبط بمصلحته فيه؟ أم هو أمر فطري وواجب شرعي؟

بما أن الله سبحانه وتعالى شرّف الإنسان وكرّمه إذ استخلفه في هذه الأرض جعله مرتبطا بالمكان الذي ينشأ ويستقر فيه وترتبط به مصالحه، ولا ريب أن الإنسان دائما يحن إلى المكان الذي هو مرتع طفولته ومسرح خيالاته ومنطلقه في هذه الحياة فهو يرتبط بالأوطان لأجل ذكريات تتجدد في نفسه كلما عنّ لها شيء يثير شجونها. كما يقول الشاعر:

وحبّب أوطان الرجال إليهم

معاهد قضاها الشاب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم

عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا

وأضاف: ان طبيعة النفس البشرية تهفو إلى الشيء الماضي لأن الماضي فات والذي فات لا يدرك، فلذلك تحن النفس إلى هذا الشيء الذي لا تدركه، ولكن مع هذا كله فان الإنسان مطالب بأن يحول هذه الفطرة إلى جانب إيجابي، جانب فيه عمارة لهذه الأرض، وفيه خدمة للوطن، وفيه عناية بمصالح المجتمع، وفيه ارتباط بهذا المجتمع حتى ولو خرج الإنسان منه لظرف أو لغيره يبقى مرتبطا بأفراد هذا المجتمع ويبقى دائما يحن إلى الرجوع إليه ويحب أي خدمة تكون له.. هذه هي النواحي الإيجابية في حب الأوطان، مع حرص الإنسان على عمارة هذه الأوطان بدين الله سبحانه وتعالى، وتطبيق شرعه وامتثال أمره، وتحكيم ما أنزل في كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم إذ الأوطان واحة الإنسان وطمأنينته وهو الظل الظليل وهو الكنف الذي يأوي إليه فيجد فيه طمأنينة النفس واستقرار البال.

السلطنة تعد من أفضل بلدان العالم استقرارا وأمنا وتنمية وتسامحا في هذا العصر الزاهر.. وقد كتبت عنها الكثير من المؤسسات والمنابر العلمية والمنظمات الدولية حتى صرنا نرفع رؤوسنا مفتخرين بين الأمم.. ربما يشعر المواطن بهذا دون أن يعرف التأصيل الشرعي لموضوع شكر هذه النعم.. فما الذي تذكرون به أنفسنا وتذكرون به المشاهدين بما يتعلق بموضوع شكر النعمة والمحافظة على مكتسبات الوطن؟

شكر النعمة إنما يكون استخدام هذه النعمة فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، وهذا سبب لبقاء النعمة واستمرارها، وزيادتها فان الله تعالى يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، فالزيادة إنما هي منوطة بالشكر، وبخلاف ذلك العذاب الشديد هو أيضا منوط بالكفر، وضد الشكر هو الكفر، لأن الشكر إنما هو استخدام النعمة فيما خلقت من أجله، وفي هذا إظهار للنعمة وإبراز لها، والكفر على عكس ذلك لأن الكفر في الأصل هو التغطية، كما يقول الشاعر:

يعلو طريقة متنها متواترا

في ليلة كفر النجوم غمامها

أي في ليلة ستر النجوم غمامها، فأصل الكفر هو الستر، ومنه قول الله تبارك وتعالى: (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) أي يعجب الزراع لأنهم يكفرون البذر، أي يغطون هذا البذر تحت طبقة من التراب، فإذن شكر النعمة هو سبب لبقائها فيجب على الناس أن يشكروا نعمة الله تبارك وتعالى باستخدام هذه النعمة فيما يعود عليهم بالخير وفيما يعود عليهم بالمصلحة، وفيما يعود على الإنسانية جميعا بالخير والمصلحة، وفي مقدمة الإنسانية الأمة الإسلامية، ولا ريب أن من جملة شكر هذه النعمة نشر مبادئ الخير بين الناس جميعا، والحرص على نشر الخصوصيات، خصوصيات هذه الأمة من حيث الفكر ومن حيث المعتقد ومن حيث السلوك، ما بين الناس ليقتنع الناس بالحق ويتبعوه فان هذا من البر بالناس.. (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).. وقبل ذلك يقول سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فعلى هذه الأمة أن تحرص على هذه المكتسبات وعلى هذه الخيرات من خلال توظيف جميع هذه النعم فيما يعود بالمصلحة على الجميع.

كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام يعبرون عن حبهم للوطن.. وكيف نقتدي بهم؟

النبي صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب للوطن الذي هو فيه، ومن ذلك انه كانت مشاعره ترتبط حتى بالجبال، فعندما رأى جبل أحد قال: هذا جبل يحبنا ونحبه، وهذا من التعبير عن حب الوطن، وهكذا كان أصحابه صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا لم يمنعهم عن الخروج في الأرض لنشر الحق فيها، وبث الخير بين أهلها، ودعوة الناس للخروج من الضلالة واتباع الهدى، فقد ساحوا في الأرض الفسيحة، وعلى المسلم مهما كان أن يحرص على أن يتخذ جميع الأرض التي يمكن أن تقام فيها شعائر الإسلام وتعلو فيها كلمة التوحيد ويظهر فيها الحق أن يتخذ هذه الديار كلها وطنا له من حيث ارتباط مشاعره بها، وحبه الخير لأهلها، فان المؤمن يحب الخير لجميع الناس، ويحب الخير لجميع الديار، فجدير بان يحرص المسلم على هذا الخير وعلى هذا العطاء الطيب فان في ذلك الخير والبر والمرحمة إن شاء الله.

هل تتوقف حقوق هذا الوطن على المواطن في حدوده فقط، بحيث إذا خرج منه في سفر أو في عمل تنتهي هذه الحقوق؟ أم تظل هذه الحقوق مرافقة للإنسان حيثما ذهب؟

الإنسان لو كان حبه لوطنه عندما يكون في وطنه وإذا غادره لم يكن محبا له فانه يكون كنودا والعياذ بالله، وهذا ليس من حب الوطن في شيء، فالإنسان يرتبط بوطنه أينما كان في أي بقعة صار، والناس من شأنهم أن يرتبطوا بأوطانهم عندما يكونون في الأسفار فان الأسفار هي التي تقتضي أن يتأجج في النفس الحنين إلى الوطن، وتنبعث في النفوس الأحاسيس فلذلك لا ينتهي هذا الحب بخروجه من وطنه، بل يظل مرتبطا بهذا الوطن من حيث مشاعره أينما كان في الأرض.

ما هي الوسائل والطرق التي يتبعها الآباء في غرس حب الوطن ونمو الولاء في قلوبهم له في أبنائهم؟

إنما هذا بتعويدهم على التضحيات من أجل الوطن، وبتعويدهم على الارتباط بالوطن وحب الخير لأهل الوطن، ويرون الآباء قدوة لهم في هذا الأمر لا ريب انهم يتفاعلون مع ما يجدون آباءهم عليه.

كيف يستغل الإنسان حبه وولاءه لوطنه في تقديم المزيد من العطاء بحيث يكون هو نفسه مصدرا لاعتزاز هذا الوطن بأبنائه وافتخار الوطن أيضا بإنتاجات أبنائه وعطائهم.. وكيف يوظف الإنسان طاقاته العلمية والفكرية في خدمة وطنه؟ ولا يكتفي فقط بالحقوق وهو لا يقدم شيئا؟

ليست القضية قضية مطالبة بالحقوق، إنما القضية قضية تقديم تضحيات، نعم يطالب لا لنفسه فحسب، وإنما له ولغيره، لمجتمعه ولأمته، ولوطنه جميعا، مع كونه مثالا وأسوة في تقديم هذه الحقوق من قبل نفسه، بحيث يعطي أضعاف ما يأخذ، فعلى الإنسان أن يحرص على العطاء اكثر من الحرص على الأخذ، وان يحرص على أن يقدم الخير من حيث توعية أبناء وطنه وتفهيمهم بل حتى من الناحية المادية، فكل ما يقدمه الإنسان من خير لوطنه مما يحسب في سجل أعماله، إن بنى مدرسة، إن أقام مستشفى أو مستوصفا أو مكتبة أو وقف وقفا من اجل مصلحة من المصالح من اجل الفقراء، أو بنى مسجدا لله سبحانه وتعالى من اجل إقامة الصلوات، أو وقف كتبا أو نحو ذلك، أو أي شيء مما يعود على الوطن وعلى الأمة بالخير.

ما هي علاقة حب الوطن بالجانب الإيماني.. هل هناك ارتباط وكيف يصنع الإنسان من حبه لوطنه عقيدة صحيحة؟

لا ريب أن الوطن هو من هبات الله تبارك وتعالى للإنسان وكل هبة من هبات الله سبحانه وتعالى تذكر بالله وتدعو إلى طاعته، وتدعو إلى الإخلاص له، وتدعو إلى التضحية من اجل دينه، وتدعو إلى الحرص على نفع عباده، فان العباد إنما هم عيال الله، وعلى الإنسان أن ينفعهم بكل ما يقدر عليه، ليكون بذلك عضوا بناء في مجتمعه وفي أمته، وفي بني جنسه عموما، وفي أهل وطنه أيضا، فلذلك يرتبط حب الوطن بالعقيدة من حيث استشعار هذه النعم العظيمة.. (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، فالوطن هيأه الله سبحانه وتعالى وجعله مستقرا لأهله يحسون فيه بالطمأنينة وترتبط به مشاعرهم، وهذا أيضا مما يذكر بالوطن الذي يحرص المسلم على أن ينقلب إليه وهو الجنة.. (وجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) فعلى الإنسان أن يحرص على الارتباط بالعمل الصالح الذي يهيئه لهذا الجزاء العظيم من عند الله سبحانه وتعالى.

ربما يطرح في الساحات الإعلامية والعلمية جدلية الولاء للوطن أو للأمة، وقد تسببت أفكار كثيرة من هذا النوع في حدوث مشكلات على مستوى الولاء والمواطنة، هل هناك تعارض بين الولاء للوطن، والولاء للأمة في الفكر الإسلامي؟

الوطن جزء من الأمة، بل مستقر الأمة هو وطن للجميع، الأمة يجب أن تكون أمة واحدة في مشاعرها وفي أحاسيسها وفي جميع شؤون حياتها، ولذلك على المسلمين جميعا أن يهبوا من اجل أن يدافعوا عن أي جزء من الوطن الإسلامي الكبير، فالوطن الإسلامي الكبير هو وطن لجميع المسلمين، هذا مع مراعاة خصوصيات الشعوب وخصوصيات بعض الناس بأوطانهم، ومع هذا على الناس جميعا أن يشعروا بالحق لهذا الوطن الإسلامي الكبير.

كيف يساهم الإنسان في أن يكون في وطنه صورة نظيفة رائعة لنفسه وللآخرين؟

من المعلوم أن على الإنسان حقوقا كثيرة فرضها الله سبحانه وتعالى عليه لكل ما خلق، للأرض حقوق وللهواء حقوق وللشجر حقوق وللمياه حقوق، لأن كل هذا الخلق إنما هو نعمة من الله سبحانه وتعالى فلذلك على الإنسان إن كان يشعر أن الوطن من نعمة الله تبارك وتعالى عليه، أن يحرص على أن يكون هذا الوطن في هيئة طيبة وفي منظر جميل، وفي صورة مشرقة، ألا يكون مشوها في أي ناحية من النواحي، ونجد أن الإسلام الحنيف يأمر بالنسبة إلى الدور وإلى الأفنية أن تنظف ويؤمر أن يحافظ على سلامة المياه وعلى سلامة الشجر وبكل ما فيه الخير، فكيف يرضى المسلم لوطنه أن تدنس طرقه وتشوه صورته، وهو ما ذلك لا يغار عليه، على المسلم دائما أن يكون غيورا على المكان الذي يعيش فيه ويتقلب على أعطافه ويستمرئ فواضله، عليه أن يحرص ان يظل هذا المكان مكانا نزيها طيبة صورته مشرقة جميلة، ويأبى الله سبحانه وتعالى أن يحب لعباده أن يتكاسلوا وان يتوانوا عن فعل الخيرات وان يتكل بعضهم على بعض فعلى كل واحد أن يسارع إلى فعل الخير، لذلك دعا الله سبحانه وتعالى إلى المسارعة.. (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).. والنفقات تشمل هذه الجوانب.. جانب إصلاح الطرق وجانب النظافة، وكل جانب ينفق فيه الإنسان ماله من أجل الإصلاح هو مما يؤجر عليه إن شاء الله.