1063018
1063018
إشراقات

النهضة العُمانية.. جهود وعطاءات في كافة المجالات

20 يوليو 2017
20 يوليو 2017

حافظت على عاداتها وتقاليدها المنبثقة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ومن تراثها الأصيل -

تحتفل السلطنة هذه الأيام بيوم النهضة المباركة.. 23 يوليو وهو اليوم الذي تولى فيه جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - مقاليد الحكم في البلاد عام 1970 في ظل نهضة كبيرة حققتها على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية.. وتعد هذه المناسبة الوطنية مناسبة عزيزة على قلب كل مواطن عماني لما تمثله من أهمية في تغيير مجرى التاريخ للسلطنة ونمط المعيشة ومستواها لدى أفراد المجتمع، وانطلقت السلطنة منذ ذلك اليوم المجيد وهي تبني نهضتها المعاصرة من واقعها التاريخي ومتطلبات حاضرها ومستقبلها محافظة على عاداتها وتقاليدها المنبثقة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ومن تراثها الأصيل. وسارت عجلة التنمية فيها بخطى حثيثة ومدروسة محققة طفرات تنموية ونوعية في مختلف المجالات وعلى مختلف المستويات مستنيرة بالرؤية المتكاملة التي تبناها جلالته - حفظه الله ورعاه - في مختلف القطاعات وقد اهتم جلالته بشتى اتجاهات الحضارة حيث رعى الفكر بالعلم والعقل بالوعي والنفس بالأمل والأمن بالسلام.

ولا يزال صدى خطاب جلالته التاريخي الأول يطرق الآذان حينما قال: أيها الشعب.. سأعمل بأسرع ما يمكن لِجَعْلِكُمْ تعيشون سُّعَدَاء لمستقبل أفضل، وعلى كل واحد منكم، المساعدة في هذا الواجب.. كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى، وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي، كانت عمان بالأمس ظلام ولكن بعون الله غدا سيشرق فجر جديد على عمان وعلى أهلها، حفظنا الله وكلل مسعانا بالنجاح والتوفيق.

 

أبعاد تنموية -

محمد عبد الرحيم الزيني -

أستاذ الفلسفة ـ كلية العلوم الشرعية -

غرس حب الوطن والاعتزاز به يعد ركنا أساسيا في المنظومة العقائدية التي ينتمي إليها أي إنسان، وقد ركز الإسلام على حب الإنسان لوطنه إذ تعد قضية غاية في الأهمية بالنسبة إلى الوجدان الإنساني وضميره اليقظ وعواطفه المشبوبة، وضرورة توفير هذا الإحساس العميق بأن هناك وطنا يحضن الإنسان ويرعاه ويعيش في كنفه آمنا مطمئنا، استقرار نفسي وإحساس باطني بالأمان، وأول ما يلفت النظر إلى المجتمع هذه اللحمة الوطنية القوية، وتناغم فئات المجتمع وطبقاته الاجتماعية في أهداف محددة، واتفاقهم على الوسائل لتحقيق أهدافه والوصول إلى غاياته، أنت بصدد كيان مترابط ، نسيج اجتماعي مشترك، ووحدة لا يفصم عراها شيء.

تحتفل السلطنة هذه الأيام بيومها الوطني المجيد إحياءً للذكرى العظيمة، واحتفالا بالإنجازات العظيمة التي تحققت في ميادين الحياة كافة؛ السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والعمرانية، وتجديدا للعهد لسلطان البلاد المفدى قائد المسيرة المظفرة، ومؤسس عمان الحديثة والمعاصرة، بجهوده الجبارة والرؤية الثاقبة والتخطيط السليم والنظرة المستقبلية الحضارية، والعمل في صمت، وبذل العرق والجهد في بناء المواطن العماني أولا، من الجانب الديني والفكري والجسمي والاجتماعي، وتشييد أركان النهضة العمرانية في كل مناحي الحياة.

وإعادة تاريخ عمان المجيد حينما كنت سفنها تجوب البحار، وملاحوها يرشدون المستكشفين الغربيين ويأخذون بسفنهم إلى شاطئ السلامة والأمان، وتحارب الاستعمار المغامر، وتحمي حدودها من العدو الغاصب وتقف قوية شامخة في مواجهة المعتدين الذين كانوا يغيرون عليها من كل جانب، حتى أطلق عليها بعض المؤرخين المحايدين «الإمبراطورية العمانية».

هذا الاحتفال المتكرر تذكرة للشباب المعاصر (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) ولقراءة تاريخ بلاده الحافل بالأمجاد والانتصارات والذي اتصف بالسلام والتسامح مع العدو قبل الصديق، وتعريفه بدورها الحضاري في الدوائر الثلاث التي تتحرك في إطارها حركة إيجابية ، تتمثل الدائرة الأولى في التعاون الوثيق مع محيطها العربي والعمل المثمر لنهضته وتقدمه دون التدخل في قضاياهم الداخلية، وتتجلى الدائرة الثانية في المحيط الإسلامي والمشاركة الإيجابية مع دولها من خلال المؤتمرات وتبادل الخبرات وعقد المعاهدات ومعايشة الهموم المشتركة التي تواجه الأمة الإسلامية، ثم تتمثل الدائرة الثالثة في المجال العالمي، من خلال التعاون مع دول العالم كافة لإقرار مبادئ السلام العالمي، والمحافظة على استقراره والمشاركة الإيجابية والفعالة في المؤتمرات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة التي تعمل في مجال السلام والثقافة والتعليم والصحة والزراعة والرعاية الاجتماعية ولتحقيق الأمن والرخاء لدول العالم كافة.

إن غرس حب الوطن والاعتزاز به يعد ركنا أساسيا في المنظومة العقائدية التي ينتمي إليها أي إنسان، وقد ركز الإسلام على حب الإنسان لوطنه إذ تعد قضية غاية في الأهمية بالنسبة إلى الوجدان الإنساني وضميره اليقظ وعواطفه المشبوبة، وضرورة توفير هذا الإحساس العميق بأن هناك وطنا يحضن الإنسان ويرعاه ويعيش في كنفه آمنا مطمئنا، استقرار نفسي وإحساس باطني بالأمان. وقد تجلى ذلك من خلال المنظور الديني، فلم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم مكة إلا بعد أجبره طواغيت قريش وحاصروا دعوته وقفلوا عليه كل الطرق فلم يجد بدا من الهجرة وترك خلفه «مكة» أحب الأوطان إلي قلبه وضميره، وودعها والدموع تملأ عينيه.

وللأوطان في دم كل حر ... يد سلفت ودين مستحق

من المهم بمكان الإشارة السريعة إلى الإنجازات المباركة التي حققتها السلطنة خلال مسيرتها المظفرة منذ تولى سلطان البلاد المفدى مقاليد الأمور والسير بها إلى الأمام دائما في طفرات متوالية تشبه المتوالية الهندسية.

ونود أن ننبه إلى أن هناك بونا شاسعا بين من يرى ومن يسمع، وقديما قالوا: «من رأى ليس كمن سمع» لأن الرؤية تعد إدراكا مباشرا لموضوعات مادية ماثلة أمام العين لا شك فيها، أما السمع فقد يكون الخبر صادقا أو كاذبا أو مبالغا فيه ولا يصور حقيقة الواقع المعيش.

ولا جدال أن واقع السلطنة أفضل من هذه الكلمات التي نخطها على الورق فالواقع ناطق صادق، لماذا لأن الواقع حي متكلم بذاته يتحدث عن نفسه بأفضل لغة يعبر عن نفسه في صورة ماثلة للعيان ونستطيع أن نلمسها بأيدينا ونراها بأعيننا. هذا من جهة. ومن جهة أخرى من يريد أن يقيم التجربة الحضارية التي بدأتها السلطنة منذ السبعينات عليه مراجعة الظروف الصعبة التي مرت بها، والأحوال المتردية في البلاد وانخفاض المستوى المعيشي وتدهور الخدمات كافة أو انعدامها، حتى يدرك الطفرة الهائلة التي حققتها هذه الدولة الفتية.

وأول ما يلفت النظر إلى المجتمع هذه اللحمة الوطنية القوية، وتناغم فئات المجتمع وطبقاته الاجتماعية في أهداف محددة، واتفاقهم على الوسائل لتحقيق أهدافه والوصول إلى غاياته، أنت بصدد كيان مترابط ، نسيج اجتماعي مشترك، ووحدة لا يفصم عراها شيء، لا جدال أن هذه الوحدة الوطنية ترجع إلى الحنكة السياسية والأسلوب العلمي في إدارة جهاز الدولة وفي توزيع الأدوار على الجميع ومعاملتهم على أساس الكفاءة العلمية والمواهب الشخصية، أضف إلى ذلك تجد الخدمات موزعة على السلطنة مثل الأواني المستطرقة، هناك مساواة تكاد تكون مطلقة، في حين أننا نرى في بعض الدول تفضيل محافظة على أخرى، منطقة تعيش في قمة الحضارة وأخرى تنحدر إلى العصور الوسطى، أما إذا نظرت إلى السلطنة فستجد المبني المدرسي أو الصحي في أي مكان هو صورة طبق الأصل مع ما هو موجود في العاصمة، ثم إن التعامل مع المواطن على أساس أنه إنسان كرمه الله دون النظر إلى جنسه وعرقه.

أما السياسة الخارجية، فيكفي أن نقول إن المواطن العماني وجد - والمتابع لشأنها والمراقب الخارجي - نفسه يعيش في «واحة أمان» بلا مبالغة أو بلاغة في القول أو تزويق كلام منمق ورسم عبارات في الهواء، إن المواطن والمقيم يشعر بهذا شعورا غامرا، ففي حين تعيش معظم دول الوطن العربي في موجة عاتية من الحروب الدامية والصراعات الداخلية المدمرة أنهكت الجميع ودمرت الأخضر واليابس قتلت الملايين ودمرت المدن التاريخية، نقول عاشت السلطنة في أمان واستقرار والمضي قدما إلى البناء والتعمير بفضل هذه الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى التي تستشرف المستقبل، وأصبحت في محيطها العربي، هي الملجأ للاستشارة ومراجعة الرأي وأخذ المشورة ،ومحط أنظار الجميع والمرجعية العربية الهادئة التي تعمل في صمت وتتحرك حركة دؤوبة من أجل حل مشكلات الأمة العربية وأزماتها التي لا تنتهي.

وما قلناه في المجال العربي نستطيع أن نقرره في المجال العالمي، إذ تلجأ إليها الدول الكبرى في حل منازعاتها مع بعض الدول نظرا لسياستها الحيادية، ومعظم دول أوروبا تلجأ إليها في كثير من المشكلات حينما يتعرض رعاياها لأي مضايقات فنجد الدبلوماسية العمانية حاضرة ونشطة تظل تعمل لحل الأزمة حتى تصل بها إلى حل مرضي لجميع الأطراف.

كما أن المراقب للعملية التعليمية في السلطنة تصيبه الدهشة من هذه الإنجازات البديعة في هذا الصعيد، فمنذ أن أطلق قائد البلاد صيحته المدوية (بتعليم أبناء وطنه حتى ولو تحت شجرة) فالحمد لله الشجرة أصبحت دوحة كبرى بل صارت حدائق غناء ترتل القرآن وتهزج بالأناشيد وتردد محفوظات شعرائها وتسطر تاريخها في أنصع صفحاته؛ فبدأت العملية التعليمية من القاعدة إلى القمة، حيث بناء آلاف المدارس في كل أنحاء السلطنة في الوديان والسهول والحضر والبادية، والقرية والمدينة، وأنشئت المعاهد الفنية والكليات التطبيقية وكليات تخريج المعلمين لسد النقص، ثم تُوج كل ذلك بإنشاء «جامعة السلطان قابوس» التي ولدت نابضة بالحياة والحيوية وأخذت مكانها بين الجامعات العربية والعالمية وأصبحت تحتل مكانة متقدمة بين دول العالم.

إن تقييم التجربة العمانية يحتاج إلى مؤرخين متخصصين كل مؤرخ في مجاله، فيكتب مؤرخ السياسة عن هذا المجال بتوسع، ومؤرخ الحركة التعليمية يعكف على التأريخ للعملية التربوية واتساع نطاق التعليم وتطوره من مرحلة إلى أخرى وكذلك الحركة الفكرية التي بدأت تثبت جدارتها في مجال القصة والمسرح والتأريخ لها.

ومؤرخ المجال الديني وما أدراك ما المجال الديني هذا الحراك الواسع في التأليف والتحقيق والترجمة والنشر، فيكفي السلطنة فخرا وعظمة أن يكون فيها علامة بقامة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، وقد قال هيرقليطس الفيلسوف اليوناني: «إن الفرد الواحد عندي يساوي ألف واحد»، والخليلي من هذا النوع الإنساني المتفرد إذ يعد إماما من أئمة المسلمين وعلما من علماء الفقه والتفسير والوسطية الإسلامية.

وقد نشطت السلطنة في هذا المجال نشاطا ملحوظا عن طريق وزارة الأوقاف ومؤسساتها ودوائرها وعلمائها ونهوضها بطباعة التراث العماني، وإعادة أمجاد السيد فيصل وزير التراث العماني الأسبق الذي أسس للنهضة العمانية في مجال نشر التراث وما زالت الوزارة مع باقي مؤسسات الدولة تنشر الكنوز العمانية المخبوءة في خزائن الدولة والمكتبات العامة وعند المواطنين وتبذل الغالي والرخيص لنشر هذه المخطوطات التي تعبر عن تاريخ عمان الديني والفكري والاجتماعي وتحققها تحقيقا علميا، ونشرها في طبعات فاخرة.

كذلك علينا نشر ثقافة المحبة والتسامح مع الجميع؛ فمن المعلوم أن الرسول بعد دخوله مكة ظافرا منتصرا على أعدائه قال لهم كلمته التاريخية التي ما زالت تتردد في جنبات الكون: اذهبوا فأنتم الطلقاء. ما أجمل المحبة والعفو والتسامح. فالقوي هو الذي يتسامح، فقد أصبح العالم كما يقولون: قرية كونية، وهذا العالم ينقصه جانب المحبة والتسامح وسعة الصدر وعلى المواطن العماني أن يقدم هذا النموذج الفذ الذي نراه ماثلا في حياتنا اليومية فلينقله إلى الآخرين.

نبارك للشعب العماني هذه النهضة المباركة والتي تجدد شبابها كل عام بحنكة القيادة السياسية ورؤيتها الثاقبة وسياستها الهادئة المتزنة التي مدحها الصديق المحب والعدو الكاره الحاقد الحاسد، وما أكثر الحاقدين والحاسدين - فاليد الصغيرة لا تستطيع أن تحجب ضوء الشمس، ونهنئه على وقوفه صفا واحدا خلف قيادته الحكيمة والتي تحقق انتصاراتها في كل يوم. وندعو لصاحب المسيرة بطول العمر وأن يفيض الله عليه من عطائه وخزائنه التي لا تنفد، وأن يسدد خطاه. وفق الله الجميع وحفظ عمان من كل مكروه وشر. وكل عام وأنتم بألف خير وسلام ومحبة.