المنوعات

طرائق متغيرات البنية الشكلية في أعمال سلمان الحجري

18 يوليو 2017
18 يوليو 2017

متغيرات متعددة، تصور لنا وطأة الشكل، يلجأ إليها الفنان العُماني، سلمان الحجري وهو ينتزع مساره الفني، معتمدا في ذلك على مخيلة متقدة، وطرائق أسلوبية متنوعة، مع خبرة عالية في فن الكرافيك مكنته على نحو مميز دون غيره.

وكلها مقومات لم تأت من فراغ لتدرك مدى أهمية بنية الشكل في عوالم لوحاته البراقة.

وبهذا السياق توالت لديه لوحات تقتضي أن نشير لها، لما تحققه من هوية مكانية تتوزع في جسد (الأرض العمانية ). وتأثير غريزة البنية المكانية في نفسه وبما أن الأمر يتحمل رواسب الذاكرة والعاطفة معا، فلا بد من تكوين مآثر شكلية تدفع بالفنان إلى تنوعها، وهي هنا مثالية روحية ونفسية، ينطبق عليها ما ذهب إليه الناقد جيان كاسو حينما أشار لهنري ماتيس (1869-1954) من أنه (كان أكثر نفاذا إلى تأثيرات حضارات أخرى ولا سيما الشرقية منها) ما يبديه جيان كاسو ينطبق على مغامرة الفنان سلمان الحجري لأن التفكير بالمكان وخصائصه الطبيعية شكلت للمتلقي نوعا من الخيال ارتبطت بطبيعة تعدد أشكال الحروف مرة وحسية الرسم الواقعي مرة أخرى وفي نزعته للرمزية والتجريدية في أحيان كثيرة وكأنه يجاري الفكرة التي يشار إلى مستواها البصري ضمن أصناف تنطبق على مبدأ الافتراض والتصور وليس التركيب والمقاربة.

وفي أعماله التي قدمها عبر معرضه الثالث المقام في مؤسسة سلطان العويس الثقافية، في دبي بتاريخ السادس والعشرين من أبريل حتى الثالث من مايو 2017 والذي احتوى على أكثر من أربعين عملا فنيا مختلف الأحجام والأشكال. في هذا المعرض ثمة مستويات يتأسس عليها العمل أولها الانسجام اللوني المفعم بالتحول الوجداني وثانيها ابتداع خصوصية لمكان ثابت في العقل والذاكرة اتضح لنا كدلالة حقيقية عمل على استنطاقها صوريا وفقا لعلاقات تماثل الدلالة ومنظومة المعنى، تلك اللوحات المشيدة بأحبار وألوان زيتية واكرليك ولدت لنا إحساسا بمدى تراكيب العمل وحدوده البصرية والبنائية فقد رأينا في لوحته الموسومة بـ( حديث الأرض قياس 109 × 139 سم ) سيلا من الانسجام اللوني بينما بدت لنا الكتلة الحمراء في مركزية اللوحة كنوع من المرجعية لنزعة تعبيرية مع أن اللوحة بطاقة الفن التجريدي إلا أنها تحمل مرويات لأسطورة وحياة شعبية وهذا الانتقاء في فكرة العمل تؤدي فيه طاقة الألوان وطريقة تكوينها بنائيا مظهرا بصريا يلمح إلى بنية المكان الثقافي والاحتفاء به وعلى خلاف ذلك الشكل تتغير بنية اللوحة لتتعامل مع الحروف بحسابات دقيقة تعتليها حركة لونية خارجية وداخلية يمزج فيها الحجري بين متناقضات الألوان مطورا نسق الحروف البنائي بإنجاز مدور ومقوس وعمودي.

وهي علامات تستدرج عناصر الشكل في وعي يتجاوز المغامرة التي لا طائل منها طالما أن خصائص الجمال تكمن في تلاعب الشكل ولهذا من يتابع عمله (أبجديات الليل/‏‏‏ اكرليك على كنفاس وعمله همسات الليل/‏‏‏ اكرليك على كنفاس ) يتيقن أن حساسية هذا الفنان تنساب تحت تأثير روحانية المكان قبل تطويق سحر الحروف عليه.

وهو تحرر حداثي يفصل الغيبيات فيما تحمله الحروف بطاقاتها الروحية وبين صيغة تحرر شكل الحرف ليأخذ مساحة مختلفة ضمن تناسق تبينه الوحدات والتراكيب البنائية وفي مقابل كل ذلك ثمة مساحة للتأمل داخل سطح اللوحة يتلازم فيه الدال بسمة شعورية والأمر في مثل هكذا تصور يتجلى لنا في منطق بلاغة الأشكال ومنظومتها البصرية.

ولا أجد هنا سوى أن هذا الفنان لا يعمل على البهرجة اللونية حتى وان رأينا تعددا في مستويات وطبقات اللون الواحد ثمة إحساس يحافظ عليه الفنان وسط متاهة الطرائق واختلاف الأساليب فلمن ينتمي فن سلمان الحجري..؟ تسعى لوحاته لتأكيد خطاب الهوية الشرقية من خلال المحافظة على سياق التعبير والتوظيف معا، وباعتماد تقنيات ووظائف جمالية والأمر ليس غريبا مع فنان ملتزم بقضاياه الإنسانية والتعبيرية ولكن المتبقي في ذاكرة المتلقي أن يكتشف سيلا من تباين الدلالة الجمالية دون اكتشاف للمدلول وهذا ليس تخمينا وإنما مظهر ندرك حركته من خلال رشاقة الشكل والابتعاد عن مزج المتناقضات داخل السطح التصويري والالتزام بقواعد ومهارة فن الكرافيك فما الذي يميزه عن أقرانه في هذه الرؤية ؟ في أحد التصورات المهمة التي يبينها شاكر حسن آل سعيد يذهب إلى القول بأن (هناك شيئا يبدأ بالخط وينتهي بالشكل وهناك شيء آخر يبدأ بالفكرة وينتهي بانحلال ) في التشكيل الفني الذي يحمله الفنان الحجري نجد ما ينطبق عليه هذا القول. الخط والنقطة والشكل يضعهما في مكانة واحدة بينما تبقى الفكرة ومحتواها الداخلي تتحقق بعد فهم بناء منظومة الرسم فمن يريد معرفة وجهة هذا الفنان عليه أن يستسلم لطاقة الأشكال وأن يتوحد مع المتخيل منها والعياني ولهذا ثمة اختلاف في بنية وحداته الصورية اختلاف يحمل مبرراته حينما يكون الإيحاء قاعدة أساسية يشيد عليها خصائص الخطوط وإيقاعها المتصاعد أما مع فنه المجرد فالأمر يستدعي الانتباه لأن استعاراته تخلق فجوة أمام قيم الأشكال واندفاعها نحو اللعب البصري ولهذا ثمة مساحة متبقية علينا استثمارها فلوحاته لم تتشبث بتاريخ المكان وآثاره لو لم تكن بواطن الفكرة لها القابلية على تفجير إحساسنا حيال رؤية تلك الأعمال.