أفكار وآراء

ترجمات : القبـول بحقـائق الواقـع الكـوري الشمـالي

15 يوليو 2017
15 يوليو 2017

ديفيد. س. كانغ  -

ترجمة: قاسم مكي -

نيويورك تايمز -

مشكلة كوريا الشمالية ليست من نوع المشاكل التي يمكن حلها. فبقدر ما راود الغرب تفكير رغائبي في قيام ثورة داخلها بقدر ما عمرت عائلة كيم في الحكم لفترة فاق طولها كل التوقعات. وحتى اليوم لاتبدو على هذه العائلة أية علامة من علامات الانهيار. كما لم يظهر من جانب الكوريين الشماليين ما يشير إلى تمرد جماعي عليها. هل يعتقد أي أحد فعلا أن تدشين جولة أخرى من العقوبات على كوريا الشمالية سيجعل زعيمها «كيم جونغ أون» يتخلى فجأة عن السلطة وأن الكوريين الشماليين سيتحولون جميعهم إلى ديمقراطيين ليبراليين؟ أو هل يظنن ظان حقا أن من الممكن لواشنطن، بطريقة ما، التلويح بما يكفي من حاملات الطائرات لدفع المؤسسة العسكرية والسياسية في كوريا الشمالية إلى الاستسلام؟ إن السخرية الواسعة النطاق من «كيم جونغ أون » بوصفه مهرجا غريب الأطوار تدل على ضلال مقاربتنا للمشكلة الكورية الشمالية.

فالنظر إليه كأضحوكة خطأ ليس فقط لفظاظة ذلك ، ولكن لأن مثل هذه النظرة تسهم في سوء تقدير لقوته. وهو تقليل شأن يتسم بالخطورة. لقد تمكن «كيم » من حكم بلده لما يقرب من 6 أعوام كديكتاتور شمولي قاس. فهو يمكنه أن يتصف بصفات عديدة ولكنه ليس (زعيما) خفيف الوزن. إن الزعماء لايبقون في الحكم في مثل هذه الظروف دون أن يكونوا ساسة بارعين.

لم تنجح العقوبات والتهديدات في الماضي ومن المؤكد تقريبا أن المزيد منها لن ينجح في المستقبل. وسيقابل كيم الضغوطات بالضغوطات، كما سبق أن فعل ذلك والده وكذلك جده. وليس مفاجئا أن التصعيد الكوري الشمالي للاختبارات الصاروخية جاء حين اطلقت إدارة ترامب تهديدات بإرسال ناقلات طائرات وشن ضربات وقائية محتملة.

ليس من الصعب التنبؤ بما يمكن أن تفعله كوريا الشمالية. فهي لايفوقها أي بلد آخر على وجه الأرض في إمكانية التنبؤ بتصرفاتها. كما أن الكوريين الشماليين يدققون جدا في حساباتهم. فالعاصمة الكورية الشمالية بيونج يانج تقصد بتوجيه صواريخها المختبرة نحو اليابان إرسال إشارة واضحة هي : وجهوا (أيها الأمريكيون) ضربة وقائية لمواقعنا الصاروخية وسنضرب اليابان (في المقابل.) وستكون مثل هذه الضربة على الأرجح ضد الأفراد العسكريين الأمريكيين ( 50 ألف جندي) المنتشرين في القواعد الأمريكية هناك. لن يكون ذلك، إذا حدث، بداية لحرب كورية ثانية ولكن لكزة بلكزة (واحدة بواحدة.)

هل تريد الولايات المتحدة حقا رفع الرهان مرة أخرى؟ هل تريد ذلك اليابان والصين وكوريا الجنوبية؟. إن الأسلحة النووية بلا فائدة تقريبا في الإكراه والقسر. ولكنها أداة عظيمة للردع. فهي مصممة لتأمين بقاء البلد أو النظام. وكلما زاد ضغط الولايات المتحدة على الكوريين الشماليين كلما واصلوا في الغالب تحسين صواريخهم وأسلحتهم النووية. باختصار الردع ينجح. ولن تنسى كوريا الشمالية ذلك. وكذلك باقي العالم. قبل عشرين عاما ربما كانت ثمة فرصة للجانبين للوصول إلى اتفاق. ولكن تتوافر لواشنطن وبيونج يانج كلتيهما أدلة تراكمت على مر السنين يمكن أن تدعم بها كل منهما مزاعمها بأن الجانب الآخر لن يفي أبدا بوعوده. إنها لمفارقة كلاسيكية. فتصرفات أحد الجانبين لتأمين نفسه تؤدي إلى رد من خصمه. وهذا ما يجعلهما كليهما أقل أمانا. إذن، تأسيسا على هذه النظرة المتشائمة، ماهو السبيل إلى الأمام؟ ما يسعد المرء أن الردع فعال على الجانبين.

فكوريا الشمالية لاتشكل تهديدا تقريبا لكوريا الجنوبية طالما ظل التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية صلبا. من الممكن أن يتصف الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بكل صفة أخرى ولكنه ليس انتحاريا . وسيظل الردع ناجحا. لكن مشكلة كورية الشمالية أكبر بكثير من مشكلة برنامجها النووي. فهي تعاني كارثة إنسانية. وأعداد الناس الذين سيحاولون الفرار في حالة وقوع أزمة قد تزداد كثيرا.

كما أنها « ثقب أسود » اقتصادي وبيئي يحِدُّ من التجارة والسفر في أرجاء شمال شرق آسيا. وفي حين لايمكن تجنب التحديات السياسية التي تترافق مع برنامج الأسلحة النووية إلا أن على الغرب مواصلة الجهود لحل هذه المشاكل الأخرى. قد لايرغب الساسة في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في الإقرار بأن الترسانة النووية لكوريا الشمالية واقع حقيقي. ولكن واشنطن لها تاريخ في تغيير مواقفها والقبول بالأمر الواقع.

فالولايات المتحدة قضت ما يزيد عن عشرة أعوام وهي تتجاهل الوضع في جنوب آسيا قبل أن تقرَّ أخيرا بأن لدى الهند وباكستان أسلحة نووية. إن كوريا الشمالية نسيجُ وحدِها. ولكننا نتجاهل أنها بلد حقيقي له حكومة تؤدي وظائفها مع ما ينطوي عليه ذلك (التجاهل) من خطر علينا. وبالنسبة للولايات المتحدة فإن إحراز تقدم منتظم في التلطيف من المشاكل الإنسانية والاقتصادية (التي تواجهها كوريا الشمالية) مع الحفاظ على ردع قوي ضد البرنامج النووي هو السبيل الوحيد للمضي إلى الأمام.

• الكاتب أستاذ العلاقات الدولية والأعمال بجامعة كاليفورنيا الجنوبية ومدير معهد الدراسات الكورية ومؤلف كتاب قادم بعنوان « الاستراتيجية العظمى الأمريكية وأمن شرق آسيا في القرن الحادي والعشرين».