2
2
إشراقات

تعزيز الأمن الفكري لدى الشباب.. الطرق والأساليب

13 يوليو 2017
13 يوليو 2017

معطيات رائعة -

هلال بن حسن اللواتي -

1056042

الإنسان كائن أقرب في نفسيته وعقله إلى التعقيد، والعلة التي تدفعنا إلى هذا التوصيف هي ما عليه الإنسان من الجهالة لنفسه وذاته، فإن منشأ التعقيد هو الرابطة الحميمة بين الإنسان وبين سائر الكائنات والموجودات المحيطة به، ومستوى تأثيرها، فإن هذه الحقيقة لا يتمكن الإنسان من إدراكها لا من قريب ولا من بعيد، وكيف يستطيع أن يدرك هذه الحقائق الوجودية وهو لم يصل إلى مستوى فهمها فهماً دقيقاً صحيحاً!.

ونستطيع أن نلخص هذا المطلب في القول: إن للإنسان «احتياجا ذاتيا» كما أن لكل كائن «احتياجا ذاتيا»، وهذه «الاحتياجات الذاتية» مترابطة أجزاؤها، متناسقة حلقاتها، متكاملة عناصرها، محتاجة إلى بعضها البعض، ولا يمكن الاستغناء عن بعضها البعض، ولجهل الإنسان لهذه «الاحتياج الذاتي» للإنسان والكائنات التي حوله أوقعته في الكثير من الإشكالات، وما زال يخوض بحر التجارب وما زالت خطواته كأنها «في محلك سر»، وإذا سألت عن العلة، فإنها ما قلناه لك وهي:«الجهل بالاحتياج الذاتي»!!، وما حقيقة هذا «الاحتياج الذاتي» ليس إلا تلك «التركيبة الخَلْقية» التي صممت عليه ذات الإنسان وذات سائر المخلوقات، فإن الجهل بهذه «التركيبة الخَلْقية» أوقعت كل مُنَظِّر وأصحاب القرار والمشاريع التي تتعلق بالإنسان من قريب أو بعيد في أخطاء كثيرة، والذي يؤسف له أن البشرية وسائر الكائنات تدفع ثمن تلكم الأخطاء.

ومن الطبيعي أن الحل الأمثل لا يوجد سوى عند من «خلق الإنسان والكائنات» باعتباره الواقف على جميع الاحتياجات الوجودية التكوينية، وهذا ما يعنيه أهل الكتب السماوية «الإنجيل والتوراة والزبور والفرقان» من قولهم ما ملخصه: أن لا أحد يستطيع أن يضع للإنسان الحلول الحضارية والمشاريع الإنسانية الناجحة سوى «خالق الكائنات»، وبامتياز من أعلى درجاته.

ومرحلة الشباب .. جزء أساسي لا يمكن فصله عن سائر مراحل الإنسان، وعما يحيط به من الكائنات، فبناء على ما تقدم نقول: إن أول ما ينبغي لمن يريد التعامل مع المرحلة الشبابية أن يعرف «الاحتياج الذاتي» لها، ومن ثم يضع الصيغة الصحيحة في التعامل معها، وإلا فمع جهل هذا «الاحتياج الذاتي» لن يتمكن أي إنسان مهما أوتي من الشهادات العلمية، والخبرات الدولية أن ينجح في التعامل مع هذه المرحلة الحيوية فضلاً عن غيرها.

إن الشاب يتمتع في مرحلته بحالة حيوية وقّادة وحركة نشطة، وهذا التسجيل صحيح لهذه الحالة، إلا أن المعرفة لعلة هذه الحالة فيه، وعلة ظهورها في هذه المرحلة بالخصوص، ومعرفة الهدف الذي تبحث عنه ذات الشاب، والغاية التي تريدها نفسه الحركية غير مدركة لدى المدرسة البشرية، إضافة إلى ما ذكرناه من عدم القدرة على معرفة الرابطة والعلقة بين الإنسان والكائنات.

وبالرجوع إلى «الدستور الإلهي» «القرآن الكريم، وإلى ما جاء في سنة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين وما ذكره الأعلام مما انتزعوه من تلك النصوص المباركة سنجد أن الإنسان يبحث عن «الكمال المطلق»، وهو في بحثه هذا على الصواب، إلا أن المشكلة الأساسية التي تضعه أمام المحك الخطير هي: معرفة المصداق الذي تتجلى فيه صفة «الكمال المطلق»، ولعدم وجود مدرسة بشرية تستطيع تشخيص هذا المصداق الأكمل الأوضح للكمال المطلق فإنه تقود الإنسان إلى مشاريع وأفكار غير صحيحة، فلهذا يقع الإنسان فريسة بيد المغرضين وذوي الأطماع والمصالح، وبيد المجرمين الذين لا يعيرون للإنسانية أي اهتمام.

إن أهم ما يمكن الاعتماد عليه في الإنسان في تقديم المشاريع الفكرية والسلوكية إليه هو: «حب الذات»، وأن عليه أن ينظر إلى المشاريع من خلال منظار «الاحتياج الذاتي»، وأن يحاكم وينتقد كل مشروع مقدم من قبل البشرية على ضوء هذه الحقيقة الوجودية، فهل ما هو في عالم «التربية» يلبي «الاحتياج الذاتي» للإنسان والكائنات أم لا؟!، وهل ما في عالم «الاقتصاد»، و(النفس)، و(الإعلام)، و(السياسة)، و(الرياضة) وكل ما هو متعلق بالإنسان يملك ما يلبي «الاحتياج الذاتي» للإنسان وللكائنات أم لا؟!!.

نعم أنه سؤال جوهري أساسي، وتكمن أهميته في أنه يستطيع أن يدرك مستوى ما عليه المشاريع البشرية التي تقدم للإنسان من أفكار ومنهاج وسلوكيات وطريقة عيش لأجل تحقيق سعادته وحضارته، فما لم يُنقح المطلب على هذا المستوى فإن ما سوف يقدم للإنسان سيكون محاطاً بكم هائل من الأسئلة، ولن يخلو الأمر من إدخال الناس في مغامرات قد يكلفهم وجودهم!!.

فلا أحد يريد أن يعرض نفسه لمجازفات ولعمليات تجريبية لأجل أن تصل البشرية إلى قانون ومبدأ عام لتحقيق السعادة، فلم لا يُستعان بخالق هذا الوجود، حيث إن الاستعانة به سوف تُعدم كل المخاطر التي قد يتعرض لها الإنسان في سبيل الوصول إلى سعادته وحضارته!.

فأول ما يحتاجه الشاب هو العمل وفق قانون «الاحتياج الذاتي»، ومن ثم وضع برامج منتزعة من نفس هذا القانون كي لا يقع التخالف بين القانون الوجودي وبين المنهج المتبع والمحقق لذاته والملبي لاحتياجاته الذاتية.

فالخطورة الأمنية التي تعترض طريق الشاب تكمن في «الجهل بالمعارف الصحيحة التي تلبي الاحتياج الذاتي» له، فهذه الخطور تستهدف بناه المعرفية أولاً، ومن ثم تنسحب إلى رؤيته إلى العالم وإلى الوجود، ومن ثم تجري مجرى الوادي على سلوكه وأفعاله، وبالتالي يظهر منه السلوك غير السوي الذي نشاهده اليوم.

إن القرآن الكريم لخص أهم عنصر من عناصر البناء البنائي في الشاب، والذي يصنع من خلالها شخصية إيجابية في أعلى درجاتها النورية، فلاحظ وتأمل هذه الآية المباركة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)، وتقريب المطلب لمرحلة الشباب: أن أول مرحلة يبدأ الخطاب الإلهي لها هي مرحلة «الشباب»، من أول مرحلة البلوغ لدى الشابة والشاب، فإن هذه الآية تبين أن من لم يستجب لله ولرسوله يكون بحكم الميت، وهذا يعني أنه لا ترجى منه أية فائدة حيث لا يمكن رجاء الفائدة من الميت، ولكن السؤال الذي سيطرحه الشاب مثلاً .. وهل يمكن أن ألمس هذه الفائدة أم لا؟!، أم هي فائدة سأحصل عليها يوم القيامة؟!، الجواب: إن الشباب من حقه أن يسأل مثل هذه الأسئلة، وقد يتبادر إلى الذهن أن الفائدة ستكون أخروية فقط، فمع ما يعيش الشاب من رغبة لملامسة النتائج فإن القرآن الكريم قد راعى هذا الجانب النفسي والعقلي الذي تعيشه المرحلة الشبابية، ولهذا أجاب على هذا التساؤل ما فيه تلبية للاحتياج الذاتي لشاب، فلنتأمل معاً في هذه الآية المباركة، قال تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)، فلنلاحظ ما فيها من معطيات رائعة ومبدعة:

أولاً: كأن الآية المباركة في مقام البيان والجواب لآية سورة الأنفال الداعية إلى الاستجابة لله وللرسول.

ثانياً: إن ارتباط الشاب المؤمن بـ(الله) تبارك وتعالى علماً وعملاً يرفع من مستوى الشعور لديه وهو يرتقي فوق مستوى ما يعرف بـ(الحاسة السادسة).

ثالثاً: وكلما زادت نسبة الحياة الحقيقة رافقت هذه الزيادة اللوازم الذاتية لها، وكذلك العكس؛ فإنه كلما زادت نسبة الموت رافقت اللوازم الذاتية هذه الزيادة.

فإذن .. إن الشاب والشابة يتمتعان بمثل هذا النفوذ الروحي والقدرات الكمالية في النفس، فلا يبقى لهما سوى الدخول إلى ساحة القدس الإلهية التي تمنح لهما مثل هذه النفوذ العظيم، والبصيرة النافذة، وعليهما أن يتلفتا إلى الموانع التي تمنع من الذبذبات النورية من الوصول إليه.

وليعلم الشاب والشابة أن هذه الذبذبات محيطة به في كل مكان وفي كل زمان ما عليه سوى أن يصفي اللاقط لها، وهذا اللاقط ليس إلا «قلبه» و(عقله)، ولهذا قال الأعلام بأن تحصيل مثل هذه الأنوار الإلهية تحتاج إلى ثلاثة أركان: الركن الأول: المقتضي، الركن الثاني: وجود الشرط، الركن الثالث: ارتفاع المانع، والقرآن الكريم قد بين كل هذه الأركان لأجل التسهيل على الشاب والشابة للدخول إلى عالمهما النوري الإلهي العظيم.

رابعاً: يكشف هذا الخطاب الإلهي وتلك النتيجة الجبارة العظيمة أن في الإنسان قابليات جبارة وعملاقة، ما يحتاج إلى كشفها سوى التعامل الصحيح مع هذا الإنسان في أبعاده شخصيته وعناصرها الثلاثة: «النفس، العقل والروح»، والأخذ بيد هذا الإنسان إلى سعادته العظمى.

ويمكنك عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة أن تسلطا بعض الضوء على ما جاء في الآيات المباركة التي تتحدث عن العزة، والقوة، والغنى المطلق إذ رسمت في بعدها العملي إضافة إلى البعد العلمي المعرفي أعظم منهج للشاب والشابة، مع ضمان النجاح.

 

أمننا من سلامة فكرنا -

د. ناصر بن علي الندابي -

المحافظة على الأمن الفكري لا يعني حجره في بقعة واحدة وحصره في بيئة معينة بحيث لا يطلع على ما يقول الآخر، وإنما علينا أن ننشئ جيلا قادرا على استيعاب كل المعطيات وكل التوجهات، قادرا على تفنيد تلك الآراء وغربلتها وإخراج الغث من السمين والسقيم من الصحيح، فالعقول التي أشبعت علما ودينا وفهما صحيحا لهدف خلقها في هذا الكون، هي الوحيدة القادرة على الإبحار في كل هذا العالم بدون خوف ولا وجل. والتربية في البيت لها دور كبير في الأمن الفكري، فالأسرة والمجتمع من شأنهما أن يخرجا لنا جيلا واعيا قادرا على استيعاب الآخر متمكنا من تقبل الرأي المخالف له ومتسلحا بعقيدة وفكر يستطيع من خلالهما أن يتصدى لكل من يسعى لإخراجه من هذا الطريق القويم.

إن فئة الشباب هي قوام المجتمع وأساسه، بهم تُبنى الأمم وبهمتهم تعلو وتسمو، وباستهدافهم من قبل المغرضين والمنحرفين يتحولون إلى معول هدم وإفساد، ومن المعلوم أن الاستعمار العسكري الذي يجر الآخر إلى عمل شيء لا يريده ولا ينسجم مع ميوله وأهدافه وتطلعاته قد انتهى وأصبح من أساطير التاريخ وأحداثه الماضية.

أما اليوم فنحن أمام تحدٍّ من نوع آخر واستعمار بطريقة مختلفة، إنه استعمار العقول والهيمنة عليها، والسيطرة على تفكيرها، وتوجيهها الوجهة الخاطئة والطريق المعوج، ومن هذا المنطلق فنحن اليوم بحاجة ماسّة إلى الحديث عن الأمن الفكري، والاستقرار العقلي الذي يضمن للفرد بوجه خاص والمجتمع بوجه عام بيئة صالحة للعيش بسلام واطمئنان، إذ أن الأمن الفكري هو الجدار الذي تتحطم أمامه كل سهام الاختراق الثقافي والاستعمار العقلي، وهو السد المنيع أمام كل من يسعى إلى استعمار عقول الشباب.

وإذا أسقطنا الأمن الفكري على جانب الشريعة وعرّفناه من هذا المنطلق فنقول أنه العقل المستقيم على الطريقة المستقيمة، والبعيد عن الانحراف الفكري الذي يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية والمنهج الرباني القويم، المنهج الذي سار عليه سراج الهدى ومنارة الدجى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن جاء من بعده من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، فيصبح هذا التفكير نابعا من كتاب الله العزيز وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وبالتالي نضمن لهذه العقول أن لا تحيد عن الجادة فهي تستنير بنور القرآن وتسلك طريق الهداية وتتبع سنن الهادي المهتدي عليه أفضل الصلاة والسلام، وأن تضرب ببهرجة الحياة وبريقها عرض الحائط فلا يغر العقل بريقها الزائف ولا حياتها الواهية الخاوية، فلا ينجر أمام تلك النداءات التي تبجّل الحياة الغربية وترفعها إلى المعالي وإنما بدينه وعقيدته يستطيع أن يعرف ويتعرف على حقيقتها وكنهها وماهيتها.

ويعجبني هنا أن أسطّر كلمات رائعة لأحد المفكرين الإسلاميين الذين دعوا إلى هذا الفكر وكان يتمنى أن يرى المسلم في مقدمة الركب، والمسلمين على سدة القيادة، إنه المفكر الإسلامي محمد إقبال حين قال : «إن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار ويساير الركب البشري حيث اتجه وسار، ولكنه خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدنية ويفرض على البشرية اتجاهه ويملي عليها إرادته لأنه صاحب الرسالة وصاحب الحق اليقين، لأنه المسؤول عن هذا العالم وسيره واتجاهه فليس مقامه التقليد والاتباع، وإنما مقامه مقام الإمامة والقيادة مقام الإرشاد والتوجيه مقام الآمر الناهي ولئن تنكر له الزمان وعصاه المجتمع وانحرف عن الجادة لم يكن له أن يضع أوزاره ويسالم الدهر، بل عليه أن يثور عليه وينازله ويظل في صراع معه وعراك حتى يقضي الله في أمره ، إن الخضوع والاستكانة للأحوال القاصرة والأوضاع القاهرة والاعتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء، والأقزام، أما المؤمن القوي فهو نفسه قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد».

إن هذه الكلمات التي سطّرها هذا المفكر الإسلامي يحق لها أن تكتب بماء الذهب على جبين التاريخ، لتكون نبراسا لشباب المسلم ليعرف حقيقة وجوده في هذه الحياة، والمهمة الملقاة على عاتقه، ويعي ما ينتظر من المجتمع والعالم، ولا يمكن لنا أن نصنع رجالا بتلك الصفات التي ذكرها المفكر الإسلامي محمد إقبال إلا إن تمكننا من إحكام الأمن الفكري لمثل هؤلاء الشباب الذين يكونوا مؤهلين لقيادة الأمم والحفاظ على مقدرات الدول ومكتسباتها.

إن المحافظة على الأمن الفكري لا يعني حجره في بقعة واحدة وحصره في بيئة معينة بحيث لا يطلع على ما يقول الآخر ولا يعرف ما يتحدث به المخالف، لا.. فليس هذه بالطريق الصحيح وإنما علينا أن ننشئ جيلا قادرا على استيعاب كل المعطيات الأخرى وكل التوجهات المخالف، ولكنه في الوقت نفسه قادر على تفنيد تلك الآراء وغربلتها وإخراج الغث من السمين والصحيح من السقيم، فنحن نعلم علم اليقين أن العقول التي أشبعت علما ودينا وفهما صحيحا لهدف خلقها في هذا الكون، هي الوحيدة القادرة على الإبحار في كل هذا العالم بدون خوف ولا وجل عليها.

إن ظهور فئة من ذوي العقول الطائشة والعاطفة المبتذلة، التي أصبحت عاطفتهم تتحكم في عقولهم وتمنعهم من التفكير السوي والنقد البنّاء، أفرزت لنا فتاوى وآراء وأفكارا ينفر منها العاقل السوي وتجعل من الوطن بيئة غير صالحة للعيش، وتزرع في الناس خوفا وقلقا مما قد يفرزه هذا التفكير من أخطاء وجرائم بحق المسلمين خاصة والبشرية على وجه العموم، ونخلص من هذا أن سر قوة الأمة الإسلامية ونضجها يكمن في وجود شباب قد تمكنوا من الإمساك بزمام عقولهم وتوجيهها الوجهة التي تخدم الإسلام والإنسانية وتقدم نموذجا فذا لكل الأمم على هذه البسيطة لأسلوب أوحد فريد في طريقة انتشالها من هذا الضياع والتشتت والخوف القابع على نفوسهم وعقولهم.

أما وإن تطرقنا إلى فوائد الأمن الفكري فإننا نجمل ذلك بقولنا إنه الغاية الكبرى التي من خلالها يمكننا المحافظة على مكتسبات وطننا الحبيب ومقدراته، ومنع كل من يحاول أن يلمس بأي شيء من شأنه أن يضر بالمصالح العامة، والأمن الفكري يعطي للأمة قوة في الذب عن حياض الوطن وتوحيد الأهداف والغايات والرؤى لجميع شرائح المجتمع، وبالأمن الفكري نتمكن من تهيئة البيئة الصالحة للإبداع وفتح أفق أرحب للمبدعين للانطلاق نحو التطوير والابتكار، وعن طريق الأمن الفكري نستطيع أن نمنع دخول أي أفكار من شأنها أن تؤدي إلى خلخلة الأمن والاستقرار في البلاد. ولمنع الجريمة بشتى أنواعها والتصدي للعنف بشتى أشكاله لا سبيل لنا إليه إلا عن طريق الأمن الفكري.

وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال مهم وجوهري: من هو المسؤول عن بناء أمن فكري لدى شبابنا؟ إن المسؤولية الكبرى ملقاة على عاتق مؤسسات التعليم، فحين يدخل الطفل منذ نعومة أظفاره هذه المؤسسات ينبغي على المربي والمعلم أن يجعل نصب عينيه كيفية توجيه هذه العقول الصغيرة نحو الأمن الفكري الذي يضمن لها السير نحو تحقيق أمن فردي ومجتمعي وعالمي، وللمحافظة على إيصال هذا الفكر القويم واستمراريته لابد من وعي كبير لدى مؤسسات التعليم العالي لمواصلة هذا الفكر النير الذي نشأ عليه الطفل في المراحل الدنيا، كما أنه ينبغي على المناهج الدراسية المقررة للطلاب في شتى المراحل الدراسية في المدارس والجامعات أن تأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر حين تقوم بتأليف أو اختيار منهاجها لطلابها.

من الفئات التي تعد مسؤولة أيضا أمام المجتمع عن الأمن الفكري هم العلماء والدعاة، فعلى كل هؤلاء أن يخاطبوا العقول ويبتعدوا عن الخطاب العاطفي الذي يجر الشباب إلى ما لا يحمد عقباه، ويفتح الطريق أمام كل ناعق وفاسد لاستقطاب شبابنا وفتياتنا إلى الهاوية والزج بهم في أتون الفتن والحروب، ولذلك فحين نبحث عن أسباب انحراف التفكير لدى الشباب نجد أن من أهم الأسباب الناعقين والفتّانين الذين يظهرون في القنوات الفضائية والذين لا همّ لهم سوى استباحة دماء المسلمين، ويعتبرون الخوض في هذا الجانب أمرا هينا سهلا فلا يتورعون ولا يخافون الله عز وجل، ولا يخشون أليم عقابه إن كانوا سببا في إراقة الدماء وقتال المسلمين مع بعضهم البعض.

كما أننا لا يمكن أن نغفل دور الأسرة في هذا الجانب، فالتربية في البيت لها دور كبير في الأمن الفكري، فحين يعيش الطفل سويا في أسرة سوية في مجتمع متماسك متلاحم، تربط ما بينه أواصر المحبة والإخاء، والتفاهم والتسامح، هذه الأسرة وهذا المجتمع من شأنه أن يخرج لنا جيلا واعيا لما يدور حوله، قادرا على استيعاب الآخر متمكنا من تقبل الرأي المخالف له ومتسلحا بعقيدة وفكر يستطيع من خلالها أن يتصدى لكل من يسعى الى إخراجه من هذا الطريق القويم.

هذه مقتطفات من الجانب الفكري الذي أصبحت الحاجة إليه ملحة في ظل هذه التطورات الحديثة وفي زمن الفتن التي أصبحت تموج في العالم الإسلامي، التي أججت النزاع والخلاف بين الشعوب والأمم العربية والإسلامية، ونسأله سبحانه جلت قدرته أن يحمي عمان وسائر بلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.