1051033
1051033
إشراقات

الإحسان إلى الوالدين .. سر من أسرار السعادة

06 يوليو 2017
06 يوليو 2017

الوفاء للوالدين -

حمود بن عامر الصوافي -

الوفاء قيمة عظمى لا يجوز إهمالها أو التهاون بها أو التكاسل في إتمامها وإكمالها وأعظم الوفاء هو الوفاء لمن خَلقنا وأوجدنا من العدم، قال تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا). فيتوجب على الإنسان أن يطيع الله تعالى ويعبده حق العبادة، ويسير وفق أمره بعمارة الأرض ونشر الخير، وبث السلام والاطمئنان في الكون وتقديم الأفضل والأجود في كل شيء، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).

ولا ريب أن تذكر الإنسان أنه كان عدما، فصار شيئا، وأنه كان صغيرا ضعيفا فصار قويا كبيرا، يقوي فيه صلة الوفاء ويعينه على الالتزام بما عاهد به نفسه من حمل الأمانة على عاتقه دون تباطؤ أو تضعضع.

لذلك لا يجدر بك أيها الإنسان وأنت الذي أعلنت رغبتك، ورضيت أن تتحمل الأمانة باقتدار أن تخنس أو تذبل أو تتكاسل عن أوامر الله تعالى وتوجيهاته، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).

فالحرية التي أعطانا الله إياها، والتحرك براحة وفي أي اتجاه في الكون تقتضي منا طاعته وعدم الخروج قيد أنملة عن منهجه وقد جعل الله تعالى الوفاء ديدن المؤمن في كل شيء، ورتب عليه مضاعفة الأجر والثواب الجزيل، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).

فوفاء الإنسان لربه ولرسوله وللآخرين يعد شرعا وطريقا للحق الذي أمر به فلا يجوز للمرء أن يتساهل في الوفاء للناس والصدق معهم وتقديم الممكن لهم، وأعظم الوفاء للبشر هو الوفاء للوالدين فلا يقتصر على البعد عن الإساءة أو التأفف بل يجب أن يقابل إحسانهما إحسانا، فرفع الإساءة فقط لا تعد إحسانا إلى الوالدين ما لم يتبع ذلك الإحسان إليهما وتقديم المعروف لهما، قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).

وقد كرر ذلك في عدة مواضع ليبين لنا فضل العناية بهما ووجوب الحرص على إسعادهما في الدنيا والآخرة وقد ربط الله تعالى بين عبادته وطاعة الوالدين، قال الشيخ الشعراوي: (والوالدان هما الأب والأم؛ لأنهما السبب المباشر في وجودك أيها المؤمن. وما دامت عبادتك لله هي فرع وجودك، إذن فإيجادك من أب وأم كسببين يجب أن يلفتك إلى السبب الأول؛ إن ذلك يلفتك إلى من أوجد السلسلة إلى أن تصل إلى الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام».

والوفاء كلما قرب أصبح أكثر وجوبا لذلك كان مرتبا على حسب القرب والمصلحة والنفع فلا يجوز أن نقدم أمرا قبل أمر الله تعالى وأمر رسوله، بل كل وفاء يناقض الوفاء لله ورسوله أو كل أمر يخالف أمر الله ورسوله يجب أن ينسف ويضرب به عرض الحائط، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، وقال أيضا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

فقد وُصف بالفسوق من يعتدي على أمر الله تعالى وأمر رسوله أو يتجاوزهما، وقد ورد في الرواية أن الصحابة كانوا مع النبي-صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسى. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا والذي نفسى بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك». فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- « الآن يا عمر».

ومن لطف الله بنا أنه رتب الحب والوفاء بعد الله ورسوله درجات على حسب القرب والمصلحة والنفع والحاجة فكان نصيب الوالدين أعظم لكون تضحياتهم كثيرة وإنفاقهم كبيرا، ثم الذين يلونهم في القرب والرحم أو الحاجة والضرورة، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا).

والإنسان عموما لن يستطيع أن يفي بتضحيات الوالدين سيما الأم مهما بذل من جهد اتجاههما أو معروف فقد ورد عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه قال: «كان ابن عمر رضي الله عنهما يطوف بالبيت فرأى رجلا يطوف بالبيت حاملا أمه وهو يقول: إني لها بعيرها المذلل إن ذعرت ركابها لم أذعر أحملها ما حملتني أكثر أو قال : أطول. أتراني يا ابن عمر جزيتها؟ قال: «لا ولا زفرة واحدة».

وورد أيضا عن أبى هريرة قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: نبئني بأحق الناس مني بحسن الصحبة، فقال: «نعم وأبيك لتنبأن أمك». قال ثم من قال «ثم أمك ». قال ثم من قال «ثم أمك». قال ثم من قال «ثم أبوك».

لذلك كان الإحسان إلى الوالدين والأقربين له وقعه وأثره في الدنيا والآخرة على المنفق والمحسن بل تعد النفقة في القربى صدقة ورحما يحصل من خلالها المؤمن على الأجور المضاعفة، فقد روي عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك قال: كان طلحة أكثر الأنصار مالا بالمدينة من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من مائها وهو طيب قال أنس فلما نزلت هذه الآية (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قال أبو طلحة: إن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها لصدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شئت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ بخ ذلك مال رائح يروح بصاحبه إلى الجنة، وقد سمعت ما قلت: وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين، قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه».