1049488
1049488
إشراقات

الغاربي: طالب العلم عليه التحلي بالإخلاص والنية الحسنة وحب الخير لعامة المسلمين

06 يوليو 2017
06 يوليو 2017

مطالب بنظافة الظاهر والباطن -

العمل بالعلم يكون سببا لنيل المزيد وترك العمل به قد يكون سببا للحرمان منه -

متابعة: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن راشد الغاربي في الجزء الثاني من محاضرته (طلب العلم) أن من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم أن يكون نظيف الظاهر والباطن، وأن يكون صافي السيرة والسريرة وأن يكون على طهارة تامة في مظهره وفي مخبره.

فمن حيث الظاهر، يحافظ على نظافته والإسلام دين النظافة وبأن يحافظ على وضوئه بأن يكون دائما على وضوء لينال حظ الوضوء وليحمله ذلك على مراقبة نفسه، فإن الإنسان إذا ما كان على وضوء كان متلبسا بعبادة فإنه يحمله ذلك على المراقبة، على مراقبة الله سبحانه وتعالى فيكف لسانه عن المحرمات ويغض من بصره عنها ويمنع سمعه من استماع الحرام فيحمله ذلك إذا على المراقبة التامة لله سبحانه وتعالى في كل سلوكيات حياته.

وأما طهارة الباطن فبأن يتخلى عن جميع رذائل النفس ويتحلى بجميع الفضائل فيتخلى عن العجب وعن الكبر وعن الحسد وعن غير ذلك من أمراض القلوب الخطيرة ويتحلى بجميع الفضائل من نحو الإخلاص والنية الحسنة من حب الخير لعامة المسلمين ولا شك أن النفس البشرية هي عدو مبين للإنسان ولذا وجبت عليه مجاهدتها وترويضها وإلجامها بلجام التقوى وزمها بزمام المراقبة:

هي النفس أولى أن تراض وتفطما

وتمنع عما تشتهيه وتلجما

فالنفس عدو خطير، لأنه عدو محبوب والإنسان لا يرى عيب محبوبه كما قال الشاعر:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

ولست بهياب لمن لا يهابني

ولسـت أرى للمـرء مالا يـرى ليا

فإن تدن تدن منك مودتي

وإن تنأ عني تلقني عنك نائيا

كلانا غني عن أخيه حياته

ونحــن إذا متنــا أشـــد تـغـانـيـا

كما أنها عدو من الداخل ولذلك عندما دعت اعرابية على عدو لها قالت له:

كبت الله لك كل عدو إلا نفسك، فالنفس إن لم يتنبه لها الإنسان ويحملها على الصراط المستقيم والطريق السوي رغما عنها فإنها تهلكه وتودي به في موبقات كثيرة، وما أحسن ما قاله العلامة ابن جميل في هذا الموضوع:

أخيّ إذا ما شئت عزا مؤبدا

رفيعا منيعا لا يخالطه ذل

وملكا عظيما ظله ليس خالصا

سرادقه باب المهيمن والظل

فأقبل على النفس النفيسة زكها

فأفلح من زكى وفاز بما يغلو

وفتّش لها عن كل عيب تكنه

وعاصي هواها للذي عندها يحلو

فمن طبعها إخفاء كل قبيحة

تكون ادعاء ما بها خلق رذل

وان كمالات الورى قد تكملت

عليها وكل الفضل فهي له أهل

هذا هو شأن النفس البشرية ومن ثم وجب على الإنسان أن يراقبها مراقبة تامة وأن لا يغفل عنها في لحظة من لحظات عمره.

ويضيف الغاربي: ثم كذلك من آداب طالب العلم أن يعمل بعلمه وهذه هي الثمرة التي من أجلها يطلب العلم فإنما يطلب العلم من أجل العمل به وما مثله إلا كمثل من يغرس شجرة يريد ثمرتها فإن تلك الشجرة إذا لم تؤتِ أكلها فإنها تجتث من أصولها فالعلم إنما يطلب بالعمل به، فلذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم أيما تحذير من أن يكفر الإنسان نعمة العلم بعدم العمل به ففي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: «ويل لمن لم يعلم مرة وويل لمن يعلم ولم يعمل مرتين».

وجاء عنه - صلى الله عليه وسلم- من طريق أسامة بن زيد عند البخاري وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم- قال: «يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق اقتابه (أي أمعاؤه) فيدورها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: ما شأنك يا فلان أما كنت تأمرنا بالمعروف؟ أما كنت تنهى عن المنكر؟، فقال: نعم كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن الشر وآتيه، وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: رأيت ليلة أسري بي أناسا تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يعلمون.

ومن بين الأسئلة التي يسأل عنها الإنسان يوم القيامة عن علمه ما عمل به، فالعلم نعمة عظمى ومنحة جلى والذي يكفر هذه النعمة بعدم العمل بها فإنه يكون مستحقا للعذاب الأليم والجزاء من الله سبحانه وتعالى.

وهكذا شأن النعم فإن النعمة إذا أغدقت على الإنسان فالنقمة تشتد عليه ولذا قيل النعمة بقدر النقمة وما أحسن ما قاله القائل:

العيب في الجاهل المغمور مغمور

وعيب ذي الشرف المذكور مذكور

قلامة الظفر تخفى من حقارتها

لكنها في سواد العين مشهور

وما أحسن ما قاله العلامة أبو مسلم - رحمه الله تعالى - حيث يقول في هذا الصدد:

ماذا تريد بعلم لا يردك عن

شر ولست به للخير متبعا

ليس الحمار من الأسفار يحملها

بغير أثقالها إياه منتفعا

بئس المثال لمن أوعى العلوم ولم

تفده إلا فلان عالم برعا

وقال:

وما أنت بالعلم الغزير بمفلح

وما لك جد في التقاة غزير

إلى أن قال:

كأين رأينا عالما ضل سعيه

وضل به جم هناك غفير

معارفه بحر ويصرف وجهه

إلى الباطل الخذلان وهو بصير

وأفلح بالتوفيق قوم نصيبهم

من العلم في رأي العيون حقير

والعمل بالعلم يكون سببا لنيل المزيد منه كما أن ترك العمل به قد يكون سببا للحرمان منه، فإن رأيتم خلاف هذا فإنما ذلك حجة الله على ذلك الإنسان فقد يؤتى الإنسان علما غزيرا مع كونه لا يعمل بذلك العلم فذلك إنما هو استدراج من الله سبحانه وتعالى وحجة على ذلك الإنسان وزيادة له في غضب الله سبحانه وتعالى، فكما قال الشيخ:

ورفعه موت من يبغي به عملا

برا ولو حل فيمن ضل وابتدعا

كذلك مما ينبغي أن يراعيه طالب العلم أن يقطع العلائق التي تصرفه عن طلب العلم فإن العلم يحتاج إلى صفاء ذهن ويحتاج الى ذكاء متوقد والإنسان إذا لم يقطع علائقه من الحياة فإن ذلك يؤدي إلى تشتت الفكر وإلى كثرة الهموم وكل ذلك يقف سدا حائلا من تحصيل العلم، ولذلك كان الناس يحرصون كل الحرص على أن يفرغوا أولادهم لطلب العلم وحده فعندما أراد أبوعلي بن عبدالكافي أي اب تقي الدين علي السبكي عندما أراد أن يزوج ابنه وكان طالب علم، زوجه من ابنة عمه وشرط عليها هو وأبوها ألا تكلم ابنهما في شيء مما يخصها فتكفلا هما بكل شيء ونهياها عن أن تطالبه بأي شيء من أمور الدنيا وظلا على ذلك فترة ليست بالقصيرة ثم أنهما علما أنها في يوم من الأيام طلبت منه شيئا من أمور الدنيا فما كان منها إلا أن سارعا إليه وطلبا منه أن يطلقها لأنهما نظرا إلى ان ذلك سيكون سببا في شغل فكره وسببا يكدر صفاء ذهنه، وهكذا كانوا حريصين كل الحرص على تفريغ طلاب العلم للعلم فحسب ولذلك قيل: «من احتاج إلى زرع بصلة لم يتعلم مسألة» وقيل «العلم والوطوطة لا يجتمعان».

كذلك من آداب طالب العلم أن يكون مثابرا في طلبه أن يكون مجدا فيه أن يواصل كلال ليله بكلال نهاره:

أطلب ولا تسأم من مطلب

فآفة الطالب ان يضجرا

أما ترى الحبل بتكراره

في الصخرة الصماء قد أثرا

فالعلم لا يأتي بالأماني ولا يأتي كما يقول الشيخ في الأحلام:

العلم لا يـورث من الأعمـام

ولا يـــرى في اللـيــل بالمـنــام

لكنـــه يحصــل بالتكــرار

والجـــــد باللـيــل وبالنـهــار

مثاله شجرة في النفس

وسقيها بالدرس بعد الغرس

مزاحما أهل العلوم بالركب

وطالبا لنيله كل الطلب

فالعلم يحتاج الى أن يركب الإنسان الجلل وان يصبر ويثابر وان لا يضيع لحظة من لحظات عمره فإن كل لحظة تمر على الإنسان لا يمكن له أن يسترجعها فرأس مال طالب العلم هو الوقت وكلما استثمر هذا الوقت كلما نمت تجارته وكلما أضاع هذا الوقت كلما خسر تجارته، فينبغي الاعتناء بهذا الجانب والتيقظ وعدم إضاعة الأوقات في أمور لا تعود على طالب العلم بالمنفعة وإنما تعود عليه بإضاعة الأوقات.

وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم حريصين كل الحرص على الأوقات وعندما عرف المسلمون قيمة الوقت اصاخ لهم الزمان مسامعه فكانوا قادة الأمم ورعاتها وعندما أضاعوا أوقاتهم فيما لا يعود عليهم بالنفع ولا يعود على أممهم وشعوبهم صاروا الى ما صاروا إليه.

فينبغي ان يستثمر طالب العلم وقته كل الاستثمار والا يضيع لحظة من لحظات عمره فإن كل نفس يتنفسه الإنسان لا يعود إليه.

كما انه ينبغي له أن يعتني بالحفظ وألا يعتمد فقط على الفهم والقراءة دون الحفظ فذلك غير مجد:

عليك بالحفظ بعد الكتب تجمعها

فإن للكتب آفات تفرقها

فالنار تحرقها والسيل يغرقها

والسفه تسرقها والفار يخرقها

ولذلك يصف أحد العلماء نفسه بأن علمه ملازم له لا ينفك عنه لأنه جعل صدره صندوقا له ولم يجعل العلم في كراسته.

ولذلك قالت العرب لا خير في علم لا يعبر معك الوادي ولا يعمر بك النادي، كما أنهم قالوا: حرف في تامورك خير من ألف في دستورك.

وقد ذكر الغزالي قصة طريفة حدثت له عندما كان عائدا من جراجنة إلى طوس فبعد أن قضى ثلاث سنوات أو ما يربو عليها في جرجان طالبا للعلم وكان يقيد دروسه ويكتبها في تعليقه له جمعها عندما كان عائدا إلى بلده وكان يحمل ما قيده عن أستاذه في تلك التعليقة إذا به يفاجأ أن الطريق يقطع على القافلة فأخذ قطاع الطرق كل ما في القافلة ومن بين ذلك مخلات الغزالي التي كانت فيها تعليقه فتحير في أمره ثم ذهب ورأى أولئك اللصوص طالبا منهم أن يردوا إليه مخلاته، فالتفت إليه رئيسهم وقال: ارجع ولا هلكت، فقال ما معناه: إني لا أريد شيئا إلا أن تردوا علي تعليقتي وهو شيء لا تنتفعون به فإني سافرت من اجل كتابتها ومن أجل العلم الذي فيها فما كان من رئيس اللصوص إلا أن قهقه ساخرا من الغزالي قائلا له ما معناه: كيف تقول إنك استفدت ذلك العلم وهو الآن معنا؟ ثم بعد ذلك ارجع إليه تعليقته، وقال الغزالي: قلت أن الله تعالى انطق هذا الإنسان بهذه النصيحة التي وجهها إلي وبالفعل قال بدأ بحفظ ما في تلك الكتب. فينبغي لطالب العلم أن لا يعتمد على الكتب وإنما يعتمد على حفظ ما فيها.

وهناك آداب كثيرة يذكرها العلماء في هذا المجال فهناك أدب الطالب مع شيخه وكيف يتعامل معه ومتى يسأله ومتى يحجم عن ذلك كما أن هناك أيضا كيفية التعليم أو كيفية الدراسة بماذا يبدأ وماذا يقرأ وكيف يقرأ.