2
2
إشراقات

كتاب «المنمنمات الإسلامية» .. لماريا فونتانا «2»

06 يوليو 2017
06 يوليو 2017

عرض: عبدالرحمن المسكري -

بعد دراسة «ماريا فونتانا» للقرآن الكريم، تقول إنه لم توجد في أي من آيات القرآن الكريم إشارة مباشرة إلى حرمة التصاوير، وكل ما وجدته هو دلالة قول الله تعالى: «فاجتنبوا الرجس من الأوثان» التي تحرّم «الأوثان» حينما يتعلق الأمر بالشعائر والعبادات، وهو ما لا يدل على حرمة التصاوير أو الرسم - بحسب رأيها-. كما أنها ترى أن نفور المسلمين من التصاوير ما كانت وراثة؛ لأنهم شُغفوا بها قبل الإسلام، سواء تلك التي زيَّنت جدران المعابد أو تلك التي تُوِّجت بها نقوش المعابد.

ومع أنها تستخرج نصوصا مروية تنسب إلى السنة النبوية تنهى عن التصاوير؛ كالحديث المروي عند ابن حنبل والبخاري «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب، ولا صورة تماثيل» وحديث آخر عند البخاري «من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ»؛ إلا أنها تقول إن أسباب مناصبة السنة النبوية العداء للتصاوير غير معروفة تاريخيا، في إشارة غير خفية إلى أن هذه الأحاديث نشأت وفقا لظروف تاريخية؛ لا سيما إذا عرفنا أنها تعد الحركة التي تقف موقفا رافضا للصور من تراث الحقبة الأموية؛ «إنها حركة يستبطن المهتدون الجدد إلى الإسلام من خلالها عوائد روحية تختلف اختلافا بينا عما عهده العرب»!.

وتقرر الكاتبة أن تحطيم التصاوير ليس من باب معاداة التصاوير في حد ذاتها، وإنما من باب «عدم التسامح والطمع ضد المسيحيين»، لأن هذه الإجراءات كانت مقصورة على أرض مصر، ومحصورة ضد التصاوير المسيحية؛ وهي بذلك تشير إلى أحداث التاريخية حينما قام عبدالعزيز بن مروان والي مصر عام 686 - 689 م من الأمر بإنزال كافة صلبان النصارى المصنوعة من الذهب والفضة، والمرفوعة في أرض مصر، وما قام به يزيد بن عبدالملك عام 721م بتحطيم كافة الصور المسيحية.

وتعقد الباحثة في هذا السياق - أي سياق البحث عن الأسباب التاريخية لمنع التصاوير في الإسلام - مقارنة بين الديانات الثلاث، اليهودية والنصرانية والإسلام، فتقول: «من المرجح أن الحركة المسيحية قد خلفت أثرا على الدين اللاحق، وهو تأثير يمكن أن يتدعّم أيضا بالتحريم اليهودي لتصوير الألوهية تحت أي شكل كان، لذا يمكن أن نخلص إلى أن تحريم الصور المقدسة في الدينين السابقين قد مهد الطريق» ص15.

ومما يلفت النظر أيضا ما تثيره الباحثة في شأن الذرائع التي ساقها الفقهاء المسلمون لتحريم التصوير، ومن بينها ارتباط التصاوير باعتقادات قديمة على صلة وثيقة بالسحر، ومع أنها تشير إلى هذه القضية إلا أنها تقول: «لا ينبغي الإفراط في التأكيد على أهمية هذا العامل السحري؛ فقد يكون له بالغ الأثر على عامة الناس، ولكن يصعب أن يكون له تأثير فاعل على كبار العارفين».

وتخلص ماريا فونتانا إلى النتائج التي ترتبت عن «تحريم التصاوير» في الثقافة الإسلامية، فتذهب إلى أن امتثال تحريم التصاوير كان محصورا في مراحل معينة من التاريخ، وفي مناطق محدودة، ففيما يتعلق بشأن الامتثال لتحريم الصور الذي أبداه المهتدي بالله (896 – 780م) حين أمر بانتزاع كافة الصور التي تزين مسكنه، أنه كان مقصورا على الأيوبيين وفي الأراضي الخاضعة لسلطانهم (مصر وسوريا)، أما في فيما يتعلق بالمراحل التاريخية وفيما يتجاوز تلك المناطق، فما كان المنع صارما وحازما، كما تنقل الباحثة عن بعض المختصين في «الفن الإسلامي» أن الضوابط الواردة في السنة النبوية من تحريم التصاوير ظلت غير مراعاة، فالفقهاء والعلماء تواضعوا فيما بينهم على بعض أوجه التيسير في هذا الشأن.

ينضاف إلى تلك النتائج ما يتصل بخلو المساجد من الصور الآدمية وصور الحيوان، مع أنها حضرت -إلى جاب الزخارف- بشكل يسير في الفضاءات الخاصة، وفي الأمتعة التي تستخدم في الاستعمالات الشخصية.

وتذهب ماريا فونتانا إلى أن الفتوحات الإسلامية، وما نتج عنها من احتكاك المسلمين بالحضارات العريقة، لا سيما حضارتي بيزنطة وفارس، ألقت بظلالها على تطور الفنون الإسلامية عموما، وفن المنمنمات خصوصا، فتقول: «ومما لا شك فيه أن كثيرا من المنمنمات الإسلامية استلهمت أصولها الفنية من التصوير الوارد من تلك الحضارات العريقة، فضلا عن استلهام قسم منها التعبيرات الفنية الراقية عند العرب أنفسهم» ص21.

حينئذ؛ جلب النصارى حينها - كما تقول- خبرة عالية في فن المنمنمات، وقد كلف الخلفاء المسلمين بعض الحرفيين المهرة لإنجاز بعض الأعمال الفنية، من ذلك على سبيل المثال حينما سأل الخليفة الأموي الإمبراطور البيزنطي يوستينياس الثاني ليمده ببعض الحرفيين أثناء شروعه في بناء مسجد المدينة، كما تنقل الباحثة مقولة للفقيه الهمذاني يصف فيها براعة البيزنطيين النصارى في التصوير، إذ يقول: «وهم أحذق الأمة بالتصاوير، يصور مصورهم الإنسان حتى لا يغادر منه شيئا، ثم لا يرضى بذلك حتى يصيّره شابا، وإن شاء كهلا، وإن شاء شيخا، ثم لا يرضى بذلك حتى يجعله جميلا ثم يجعله حلوا، ثم لا يرضى حتى يصيره ضاحكا وباكيا، ثم يفصل بين ضحك الشامت وضحك الخَجِل وبين المستغرق والمبتسم، والسرور وضحك الهاذي، ويركب صورة في صورة» ص22. وفي السياق نفسه، تشير الباحثة إلى خبرة الساسانيين الفرس، وتقاليدهم العريقة في فن المنمنمات، ولا سيما في رسم ملامح الوجوه، شأن المخطوطات المصورة التي تروي تاريخ ملوك فارس، مع إلماحها إلى التأثيرات المانوية غير الخافية - بحسب تعبيرها - على بعض المنمنمات الفارسية في العصور الإسلامية.

ولا تغفل الباحثة الأثر العربي قبل الإسلام -الذين شُغفوا بالصورة كما تقول - في المنمنمات الإسلامية، ذلك أنها ترى أن هناك منطقتين في شبه الجزيرة العربية أسهمتا قبل مجيء الإسلام مساهمة فعالة في إيجاد تعبيرات فنية راقية، وهما منطقة جنوب اليمن، ومنطقة الأنباط في الشمال، كما أن هناك قبائل محددة قبل انتشار الإسلام كانت لها إنجازات فنية عالية الجودة، كقبيلة كندة في سوريا، إلى جانب اللخميين والغساسنة، فعلى سبيل المثال كان لخميًّا من شيّد تماثيل طاق بستان الشهيرة في أطراف خرمنشاه في إيران.

وفي فصل مستقل، تطرقت الباحثة إلى التقاليد المتبعة في وشي المخطوطات وتزويقها، والأدوات المستخدمة في ذلك، فتقول إن 99% من الأعمال المنجزة، كان ناسخ المخطوط فيها غير معني بإعداد التصاوير؛ إذ يتولى شأنها مزوق أو منمنم، فبعد أن ينتهي الناسخ من النسخ، يُلحق المنمنم مصوراته إلى المخطوط بعد أشهر أو سنوات من نسخ النص؛ فمما جرت عليه العادة أن يترك الناسخ فضاءات خالية ليتيح للمنمنم إدراج عمله.

وتشير الباحثة إلى وجود محلات متخصصة يُنهي فيها الناسخون والمصورون والمدربون وأعوانهم أعمالهم، مقابل أجر معلوم يقع الاتفاق عليه سابقا، وفي الغالب تكون تلك المحلات تابعة لرجالات البلاط وأعوان السلطة.. وكثيرا ما ينتقي الحاكم - إلى جانب انتقاء المخطوط -الفنانين والمصورين القادمين من فضاءات ثقافية معينة لإنجاز العمل المطلوب، بالإضافة إلى اختيار الأدوات والمواد المستخدمة، ومما جرت به العادة ألا يتكفل بعمل الخطاطة أو النسخ أو بتنفيذ المنمنمة شخص بمفرده، وإن وجدت بعض الاستثناءات، كمثل الواسطي الذي تولى عملية النسخ والتوشيح لمخطوط « المقامات» للحريري المنجز سنة 1237م والموجود في المكتبة الوطنية بباريس، كما عُرف أيضا الفارسي محمود المذهب الذي احترف مهنتي النسخ والتزويق.

وعن المكونات المادية، والأدوات المستخدمة في التصوير والتزويق، فتتكون المخطوطات المصورة بشكل جزئي أو كلي من صحائف ورق خاص، مصنع من الكتان أو القنب، وفي بعض الحالات النادرة من القطن، وكانت الأدوات المستعملة في تزويق المخطوط اثنتين: قلم القصب أو نصاب ريش الإوز والمرقاش؛ إذ تسمح الأداة الأولى للمصور بتنفيذ رسم الصورة، بقياسات متدرجة الأحجام بحسب ما تمليه الحاجة، والثانية المتكونة من وبر الحيوان، فهي تمثل أداة التصوير الحقيقة والفعلية، وقد كانت متوفرة بأشكال وأحجام متنوعة، في حين اعتمدت تقنية التصوير المتبعة وبشكل عام اعتمادا رئيسا على الأصباغ المستخلصة من خلط مواد معدنية ممزوجة بلصق عضوي، حيث يستخلص اللون الأحمر من أكسيد الكبريت والزئبق، والأزرق من حجر اللازورد.

ومع أن للمنمنم دورًا محوريا في عملية تزويق المخطوط وإضافة الرسوم التصويرة آليه؛ غير أنه مع ذلك – بحسب ماريا فونتانا- لم يحظ بحفاوة فاق بها غيره، إذ يلاحظ غياب توقيعه - في غالب الأحيان وبصورة متكررة- من على طرف المنمنمة وبشكل متكرر، كما تم التغاضي عن ذكر اسمه في ذيل المخطوط الذي يحوي في الغالب أسماء النساخ ومكان إنجاز العمل وتاريخه.

شرعت بعد ذلك المؤلفة في تفصيل تاريخ المدارس الفنية في فن المنمنمات الإسلامية، وبيان أهم خصائصها ومحدداتها، والتقاليد المتبعة في كل مدرسة، مع ذكر أهم أعلامها، مقدمة بذلك - كما تقول- مدونة غرضها تعليمي يهدف إلى عرض محدد، وبشكل مقتضب لتوفير الحد الأدنى من المعلومات التي تسمح للقارئ تمييز المنمنمات، بما يمكنه من نسبتها إلى كل مدرسة.

والمدارس التي تناولتها هي: المدرسة المصرية ( قبل الحقبة الفاطمية وأثناءها، المدرسة الغربية، والمدرسة العباسية، ومدرسة الأراتقة، ومدرسة السلاجقة، والمدرسة السورية النص الأول من القرن 13، والمدرسة المملوكية، والمدرسة المغولية، ومدرسة شيراز وأصفهان، والمدرسة المظفرية، والمدرسة الجلائرية، والمدرسة التيمورية، والمدرسة التركمانية، والمدرسة الشيبانية في بخارى، والمدرسة الصفوية، والمدرسة العثمانية، والمدرسة الهندية). وتنتهي دراستها إلى حدود القرن الثامن عشر، فقد بدأت بعد ذلك - كما تقول - تظهر أشكال جديدة من التعابير الفنية، كالجداريات التي تستوجب قيام دراسات أخرى.