1050312
1050312
المنوعات

طاهر شرقاوي: جعلوني شاعراً

03 يوليو 2017
03 يوليو 2017

الكاتب المصري: لا أريد حتى الآن تحمل مسؤولية نشر ديواني الأول كما ينصحني أصدقائي -

هناك أزمة نقدية سببها اختفاء النقاد خلف أسوار الجامعة وعدم سعيهم لاكتشاف المغاير -

القاهرة ـ حسن عوض -

يُعدُّ طاهر شرقاوي واحداً من أهم كتاب الجيل الجديد في مصر، أصدر روايتين «فانيليا» و«عن الذي يربي حَجراً في بيته» اعتبرهما البعض إضافة كبيرة إلى الرواية المصرية الحديثة. سافر طاهر من الصعيد إلى القاهرة بحثاً عن فرصة عمل، واستقر بها، ويبدو أنه سيُكمل إلى ما لا نهاية، لكنه معروف بمحبته للعزلة، وبُعده عن الوسط الثقافي، لأنه يرى أن الانشغال بالمعارك الوهمية هدر للوقت والطاقة. هنا حوار معه عن فلسفته في الكتابة انطلاقاً من عمل جديد قيد الكتابة وأعماله السابقة، وأيضاً خوضه لتجربة جديدة عليه، هي كتابة الشعر.

• تعمل منذ فترة على كتابة رواية عن المدينة وعلاقة الإنسان بها.. أين وصلت فيها؟ وهل تؤمن بعد قدومك إلى القاهرة منذ سنوات بأن الرواية هي ابنة المدينة؟

في الحقيقة، أخذت هذه الرواية مني وقتاً طويلاً، ربما لأني أردتها مختلفة عن كتاباتي السابقة، وبعيداً عن رؤية المدينة بالشكل النمطي الذي كان سائداً في فترة ما، باعتبارها «نداهة» للقادمين من خارجها، أو سالبة لأرواح قاطنيها وقاتلة لإنسانيتهم وبراءتهم ومشاعرهم، ودافعة لهم نحو الفردانية والذاتية.. وتقريباً وصلت لمنتصف الرواية، لم يتبق سوى فصلين للانتهاء منها، وبشكل ما أراها امتداداً للروايتين السابقتين «فانيليا» و«عن الذي يربي حَجراً في بيته»، ليس باعتبارها جميعاً «ثلاثية» بالمعنى المتعارف عليه، ولكن هناك شيء ما يربط بينها، ربما الوحدة، أو المدينة، أو تأمل العالم.

أتيت إلى القاهرة للاستقرار الدائم فيها في عام 2000، في البداية لم يكن في نيتي الاستقرار بها، كانت بمثابة مرحلة مؤقتة ثم العودة مرة أخرى، لكنى بقيت بها حتى الآن، إنه اختياري ولم أكن مجبراً عليه، ولم تبلعني المدينة أو تغويني «نداهتها»، أو تبهرني أضواؤها.. وبالفعل يمكن القول إن الرواية هي ابنة المدينة، تكوين الرواية وبناؤها يلائم المدن أكثر من القرى، فالأخيرة تكون أقرب للشعر، للتأمل والتكثيف، للهدوء، وللتروي في موسيقى الجملة، تأمل أشياء بسيطة وبديهية واكتشاف جمالها، مثل الليل والقمر والحبيبة، متى نرى في المدن قمراً؟ أو هل تسمح لنا بتأمل النجوم التي ترقش السماء؟ أو الاستمتاع برائحة الخبز الساخن؟

• كانت هناك إرهاصات في روايتك السابقة «عن الذي يربي حجراً في بيته» بالتوجه إلى كتابة عمل عن المدينة.. ولكن الأمر في تلك الرواية لم يكن يتعدى بعض أسماء المناطق، وربما الغرف المغلقة التي يتوارى خلها البطل فهل ستكون الرواية الجديدة أكثر انفتاحاً على المدينة؟

كما قلت سابقاً، عندي إحساس بأن الرواية الجديدة تشكل امتداداً لسابقتيها، نعم ستكون أكثر انفتاحاً وتشابكاً مع عالم المدينة، وكأن بطلها خرج من شرنقته وعزلته إلى التصالح أو التواؤم مع المدينة، أصبح ابنا لها، يفهم قوانينها وأساليبها، إنه ابن مدينة «متأصل».

• من هذا المنظور ما الأعمال اللافتة التي كُتبت حول المدينة سواء في مصر أو العالم، وتأثرت بها؟

تعجبني أكثر الأعمال التي تتكلم عن المدينة بشكل غير مباشر، بمعنى أن لا تكون هناك مدينة محددة هي البطل في العمل، والأحداث والشخصيات تدور في فلكها، يجب أن أشعر برائحة الشوارع والحانات، أن أرى الناس في أزقتها وحواريها، أرى مبانيها وميادينها، أن أشم رائحة البحر وعطر فتياتها، سنجد ذلك مثلاً في رواية أمريكا اللاتينية، تشعر وكأن الروائيين كتبوا عن مدنهم بحب، وحتى وهي غارقة في الفقر والبؤس، مثل «كانكان العوام الذي مات مرتين» لجورجي أمادو، أو كتابات ماركيز، وأيضاً الرواية اليابانية، أو «العطر» لباتريك زوسكيند.

• لماذا تبدو بعيداً عن الساحة الأدبية طوال الوقت.. لماذا تبدو انعزالياً على طول الخط؟

لست بعيدا بالشكل الذي يجعلني غير مدرك ما يدور في الساحة الأدبية، ربما هو نوع من الزهد، أو فلتقل «الفرجة على ما يحدث في العالم»، في النهاية أعتقد أن الانغماس بشكل مبالغ فيه أمر مؤذ للروح ويستهلك جزءاً من الطاقة، أو أن هناك متعاً أخرى تبدو أفضل من التورط في معارك وهمية وتنظيرات لن تؤدي إلى شيء.

• ما الجيل الذي تنتمي إليه.. وهل يهمك تصنيف كتابتك جمالياً مع مجموعة محددة؟

لا أعرف تحديداً هل العالم مشغول بتصنيف كتَّابه إلى أجيال، أم هو أمر خاص بنا كعرب؟ أنا لا أؤمن بفكرة «الجيل» لأنها ترتبط ببعد زمني والكتابة لا تؤمن بالزمن، ربما يكون تصنيف نوعية الكتابة أكثر جدوى من تصنيف الكتاب حسب أعمارهم، فهناك تيارات متعددة من الكتابة تتجاور، ولكل منها قراؤها ومتابعوها. «الجيل» ربما كان فكرة نقدية من الأساس، لجأ إليها النقاد كنوع من التغيير أو الفصل بين مجموعة من الكتاب وأخرى.

• قلت منذ فترة أنك سلمت ديوان شعر إلى دار نشر.. فلماذا تأخر كل ذلك الوقت؟ وهل اتجاهك إلى الشعر خطوة محسوبة؟

عندي اعتقاد بأن الإنسان نطق بالشعر أولاً قبل أن يكتشف الحكاية، في الحقيقة ما زلت خائفاً من صدور ديواني، عندي رهبة ما من فكرة أن أكون شاعراً، الشعر قرين بقوى غيبية غامضة، الشاعر في مرتبة أعلى من بقية الناس، يمتلك سراً لا يعرفه الجميع، الخوف من نشر ديواني كأنه خوف من تحمل مسؤولية أن أكون شاعراً، أصدقائي هم من دفعوني إلى محاولة نشره، ربما يصدر قريباً.

• هل أنت من المؤمنين بفكرة أن التجربة تفرض ذاتها على الشكل وهو ما جعلك تتجه إلى الشعر.. هل تؤمن بحق الكاتب أن يجرب الشكل الذي يريده وما النماذج التي تعجبك في هذا الإطار؟

التجريب في الكتابة مثل اللعب، له متعته وجاذبيته، إنه بمثابة إعادة بناء العالم بعيداً عن الأنماط التقليدية، ربما تنجح التجربة وربما لا، لكن يكفي شرف المحاولة والاكتشاف، سواء كان التجريب على مستوى الشكل أو السرد، انظر مثلاً إلى رواية «التجليات» للغيطاني، هي تجربة لغوية تتناص مع التراث الصوفي، أو تجارب إدوار الخراط في قصصه ورواياته وعلاقته باللغة والجمل والكلمة، في هذه المحاولات كانت هناك رغبة في اكتشاف اللغة، استخدام مفرداتها بشكل جديد، إقامة علاقة مع عنصر مهم ربما يهمله الكثير، وهو اللغة بمعناها الجمالي وليس النحوي، ربما لا تعجب هذه التجارب البعض أو لا يجد نفسه منجذباً لتتبعها، لكنها في النهاية تركت أثرها على مسيرة الكتابة.

• هل ترى أن الجيل الجديد مظلوم نقدياً؟

في السابق كنت أرى أن علاقة النقد بالكتابة الراهنة أمر مبالغ فيه كثيراً، لكن الآن.. أرى أن هناك فعلاً أزمة نقدية، توجد هوة تتسع بمرور الوقت بين الكتابة والنقد، أسبابها متعددة، ربما لغياب الصفحات الثقافية أو لبعد النقد الأكاديمي واكتفائه بما وراء أسوار الجامعة، أو لكسل النقاد وعدم سعيهم لاكتشاف المغاير والمختلف وتسليط الضوء عليه، ما يحدث مجرد كلام عام في حفلات التوقيع أو أراء شفاهية تُقال في الجلسات، ليس الجيل الجديد فقط هو المظلوم نقدياً، الكتابة كلها مظلومة نقدياً.

• ما الذي تغير فيك على المستوى الإنساني والكتابي منذ مجيئك من الصعيد واستقرارك بالعاصمة؟

على المستوى الإنساني، أعتقد كما أرى نفسي، أنني لم أتغير كثيراً، ربما أصبحت أكثر تقبلاً للرأي الآخر وسماعه، قلَّ حماسي في الدفاع عن أرائي، وأصبحت غير مستعد للدخول في حرب حول الأفكار، أما المدينة فقد منحتني اتساع الرؤية، رؤية العالم بشكل أفضل وأكثر ثراء.