1042931
1042931
إشراقات

الغاربي: العلم الوسيلة الوحيدة التي تمكن الإنسان من تحقيق الغاية التي خلق من أجلها على أحسن وجه

29 يونيو 2017
29 يونيو 2017

1042932

فضله عظيم وخطره جسيم -

تضافرت نصوص الكتاب والسنة النبوية حاضة على العلم -

متابعة - سيف بن سالم الفضيلي -

أكد فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن راشد الغاربي أن العلم فضله عظيم وخطره جسيم ولذلك تواترت النصوص من كتاب الله سبحانه وتعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم حاضة عليه ومبينة منزلة العلماء العاملين لأن العلم هو الوسيلة الوحيدة التي تمكن الإنسان من ان يحقق الغاية التي خلق من أجلها على أحسن وجه.

فالثقلان جميعا إنما خلقا من أجل عبادة الله سبحانه وتعالى ولا يمكن للإنسان ان يحقق هذه الغاية التي خلق من اجلها إلا عن طريق العلم وفي ذلك يقول العلامة أبو مسلم - رحمه الله تعالى-:

لن ترضي الله حتى تخلص الورعا

ولن ترى ورعا في الجهل مجتمعا

حق العبادة فرض لن تؤديه

إن كنت تجهل مفروضا وممتنعا

أمانة الله تسطيع الأداء لها

إذا علمت بعون الله من شرعا

ومن مضى في طريق لا دليل لها

ولا معالم تهدي ضل وانقطعا

وفاقد العين محتاج لقائده

لولاه لم يدر مهما جار أو سجعا

وقال أيضا:

ورافق دليل العلم يهدك إنه

دليل يحار العقل فيه وعير

وفعلك حد المستطاع من التقى

على غير علم ضيعة وغرور

فما زكت الطاعات إلا لمبصر

على نور علم في الطريق يسير

أتدخر الأعمال جهلا بوجهها

وأنت إلى علم هناك فقير

الى آخر ما قاله الشيخ في قصيدته العصماء مبينا أهمية العلم وأنه الوسيلة التي يحقق بها الإنسان عبوديته ومن أجل هذا فقد تضافرت نصوص الكتاب ونصوص السنة النبوية حاضة على العلم بل في قصة سيدنا وأبينا آدم عليه السلام ما يكفي شرفا وبيانا لمنزلة العلم فإن الله سبحانه وتعالى اختاره واستخلفه في هذه الأرض واستعمره فيها بما أفاض عليه من علم وبما جعل فيه من خاصية لتلقي العلم ولذلك أسجد له الملائكة البررة الكرام وهم من هم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

يبين الله سبحانه تعالى لنا هذه القصة في كتابه الكريم حيث يقول عز من قائل: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» ثم بعد هذا الجواب الإجمالي يأتي الجواب التفصيلي لا بالقول فحسب وإنما بالقول وبالفعل فقال سبحانه: «وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» ثم ان الله سبحانه وتعالى أمر ملائكته الكرام بالسجود لآدم عليه السلام تكريما للعلم وتكريما لحملته.

ويقول الله سبحانه وتعالى: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» فقد عطف الله سبحانه وتعالى شهادة أولي العلم على شهادته وشهادة ملائكته الكرام.

وبيّن سبحانه وتعالى في آية من آيات الكتاب العزيز انه سبحانه وتعالى يرفع الذين آمنوا درجات بسبب إيمانهم ويرفع فوقهم درجات الذين أوتوا العلم بسبب إيمانهم وبسبب علمهم فقال سبحانه: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» وقد روى ان ابن عباس رضي الله تعالى عنه «إن درجات العلماء فوق درجات الذين أوتوا العلم بسبعمائة درجة ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام».

ويقول سبحانه وتعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» فالخشية من الله من شدة بطشه وأليم نقمته إنما هي مقصورة على العلماء الذين امتلأت قلوبهم بمخافة الله سبحانه وتعالى. والآيات في فضل العلم يعز حصرها واستقصاؤها.

ويشير الشيخ الغاربي قائلا: وإذا ما نظرنا الى سنة النبي صلى الله عليه وسلم نجدها طافحة بالحث على العلم وبيان فضله وبيان منزلة العلماء العاملين ففي الحديث الذي أخرجه الإمام الربيع رحمه الله وأخرجه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وغيرهم من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد الله به خيرا فقهه في الدين» وروى الإمام الربيع كذلك والبخاري وغيرهما من طريق أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سلك طريقا يطلب فيه علما سهّل الله له طريقا الى الجنة» وروى الإمام الربيع رحمه الله تعالى وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم عن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا لما يطلب» والأحاديث في ذلك كثيرة جدا.

ويؤكد: والعلم محمود كله ويحض الإسلام على جميع صنوف العلم ما لم يؤد الى ضرر في النفوس أو في الأموال أي من علم الصناعات، فليس شيء من العلم مذموم أبدا إلا ما ذكرنا، ولذلك نص جماعة من الفقهاء ان كل علم احتاجت إليه الأمة حاجة عامة وكان سببا في رفعتها وانعدامه سبب في خنوعها وخضوعها لأعدائها فهو فرض كفائي وقد صرح الإمام القطب رحمه الله تعالى في الذهب الخالص ان علم الطب فرض كفائي وكذلك العلامة أبو إسحاق في تعليقه على الذهب نص على ان علم الصنائع الذي تحتاج إليه الأمة ويكون تركه سببا لوقوع الأمة الإسلامية في براثن أعدائها وتحكمهم في مصائرها فإنه كذلك يكون ذلك العلم فرضا كفائيا.

وأشار الإمام المحقق الخليلي رحمة الله تعالى عليه في كتابه لطائف الحكم الى أهمية علم البيطرة وهو علم الحيوان كما هو معلوم فإنه بعد أن ذكر أنواع الحيوانات التي لا تخرج للزكاة وذكر الأمراض التي تمنع من إخراجها أرشد الى ان من أراد الاستزادة في ذلك فعليه بعلم البيطرة.

وكذلك ذكر العلامة الغزالي في كتابه «أحياء علوم الدين وفي كتابه «المنقذ من الضلال» أهمية العلوم الأخرى من نحو علم الحساب وعلم الفلك وعلم الطبائع وغيرها من العلوم الأخرى وكثيرا ما نجد بعض العلماء يجمعون بين التضلع في علوم الشريعة وبين التضلع في شيء من العلوم الأخرى كالطب وغيره ولا يخفى من اطلع على سير العلماء وأخبارهم.

ألا ان علم الشرع أول واجب

ومن بعده اطلب كل علم ولا نكرا

فكل العلوم محمودة ومطلوب من أبناء الأمة ان يعتنوا بها وان يسخروها لخدمة الإنسانية فإن علوم الصنائع إذا لمن يكن هناك دين يوجه هذه العلوم فإنها تعود بالضرر العظيم والخطر الجسيم على الإنسانية جمعاء.

ها نحن نرى ونشاهد كثيرا من العلوم سخرت من اجل القضاء على الإنسانية والرقي بها ورفاهيتها كما هو غير خاف.

ويوضح الشيخ الغاربي: ولأهمية العلم وكونه مطلبا جليل القدر عظيم الخطر اعتنى علماء الإسلام عناية فائقة بطلبة العلم وبإرشادهم الى الطريق الصحيح في سلوكهم طريق العلم ولذلك نجد المصنفات الفقهية والموسوعات العلمية كثيرا ما تبدأ بالحديث عن العلم وعن طلبه وآداب حملته ومن بين ذلك كتاب الضياء للعلامة العوتبي وبيان الشرع للعلامة الكندي وقاموس الشريعة للعلامة السعدي وغير ذلك من هذه الموسوعات الفقهية والمصنفات العلمية.

وتطرق الغاربي الى ان من اعظم الآداب التي يجب على طالب العلم ان يتحلى أو ينبغي له ان يلتزمها أول تلك الآداب يكون في طلبه ذلك مخلصا لله سبحانه وتعالى وينوي به القربة من الله سبحانه وتعالى ونفي الجهل عنه وتعليم غيره ما يتعلمه من مسائل في أمور دينه، وإذا خلا العلم من الإخلاص فإنه ينقلب من افضل الطاعات الى اقبح المخالفات، فالإخلاص هو روح كل العبادة وكل عبادة خلت من الإخلاص فهي رد على صاحبها يقول الله سبحانه وتعالى: «فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا»، وقد توعد الله سبحانه وتعالى المرائين بالويل في قوله: «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ» ويقول سبحانه «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» فالإخلاص في طلب العلم واجب كما انه يجب في غيره من العبادات وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ان يطلب الإنسان العلم وهو لا يريد به وجهه سبحانه وتعالى ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: «من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء لقي الله يوم القيامة وهو خائب من الحسنات» ويقول صلى الله عليه وسلم: «من تعلم العلم للعظمة والرفعة أوقفه الله موقف الذل والصغار يوم القيامة» فيجب على طالب العلم أول ما يجب عليه في طلب العلم ان يقصد بلبه ذلك وجه الله سبحانه وتعالى ويقصد به نفي الجهل عنه ويقصد به نشره بين أفزاد مجتمعه وأفراد امته ليعبد الله هو وغيره على بصيرة من أمره ويتقرب الى الله سبحانه وهو على بينة مما يأتيه ومما يذره.

وما أحسن قول العلامة أبي مسلم في ذلك حيث يقول:

جرّده من كل شيء لا يُشاكله

ما أقبح العلم مهما قارن الطمعَ

ويقول:

وجرّد على الإخلاص سرّك في التقى

ففوقك بالشرك الخفيّ خبير