1043561
1043561
روضة الصائم

موسوعات عمانية - «حقائق الإيمان».. موسوعة فقهية للشيخ العلاَّمة: صالح بن محمد بن صالح بن محمد النزوي

24 يونيو 2017
24 يونيو 2017

تنوع العلماء والمصادر أكسبها قيمة تاريخية ومعرفية -

في ختام حلقاتنا المباركة المتعلقة بالموسوعات العمانية، ستحط سفينتنا رحالها عل شاطئ البر والأمان بعد رحلة دامت قرابة 30 يوما، ليكون المستقر في هذه الجل المباركة على شاطئ موسوعة فقهية قيمة تحتاج إلى اهتمام كبير من الباحثين، عنوانها: حقائق الإيمان للعلامة صالح بن محمد بن صالح بن محمد النزوي، من علماء القرن التاسع العشري وبداية القرن العاشر، تحوي مكتبة السيد قطعتين اثنتين من هذه الموسوعة وهي أجزاء في الأحكام برقم: (176) (2073)، وسيكون حديثنا عنهما حسب الترتيب الموجود في المكتبة بداية من:

القطعة الأولى برقم: (176):

تقع هذه القطعة في خزانة حرف الحاء، وتحمل بين جنباتها (482) صفحة على الصحيح، دون اعتبار الزيادات وإذا اعتبرنا الزيادات فإن عدد الصفحات سيصل إلى 488 صفحة، مقاسها 27.5 سم طولا، و 19.5 سم عرضا، عدد الأسطر 24 سطرا في كل صفحة، مكتوب بخط النسخ المشرقي الواضح، مع ملاحظة كتابة بعض الحروف بخط الثلث، ورق المخطوط أبيض مائل إلى الصفرة، يظهر عليه أثر القدم، متأثرا بالرطوبة وبعض العوامل الأخرى دون أن يؤثر ذلك على المادة العلمية للموسوعة، أرقام الصفحات مضافة بقلم الرصاص، الصفحات الأولى والأخيرة مغلفة تغليفا حراريا نظرا لتآكل حوافِّها.

ما يلاحظ على هذه القطعة وجود مقدّمة قيمة جدا من المؤلف ذكر فيها سبب تأليفه للكتاب، وحثّ على تصحيح ما فيه من أخطاء ممن قرأ فيه أو تأمل فيه، ودعا إلى فهم أصول الاختلاف في المسائل والتماس الأعذار لمن خالف الرأي مما يسع فيه ذلك، ودعا إلى مقارعة الدليل بالدليل والحجة بالحجة، كما بين خطر التقليد دون تقيد بالقرآن والسُّنَةِ، كما ألح على العاقل ألا يتخذ دينه لهوا ولعبا، فقال في ذلك كلاما مهما:«ولا ينبغي للعاقل أن يتَّخذ دينه لهوا ولعبا ولا يقلِّد الآباء دينا ولا مذهبا لأنه الدَّاء العضال الذي أهلك القرون الماضية، والأمم الخالية». ثمَّ بيَّنَ أسباب السَّعَادَةِ قَائِلاً: « واعلموا رحمكم الله أن سعادة الآخرة العلم، ثم الإيمان ثم العمل، ثم التوفيق، ثم حسن الخاتمة، وإذا لم يكن حسن الخاتمة لم يكن التوفيق، وإذا لم يكن التوفيق لم يكن العمل الذي يجدي، وإذا لم يكن العمل الذي يجدي لم يكن الإيمان الذي يجزي، وإذا لم يكن الإيمان الذي يجزي لم يكن العلم الذي يغني، وإذا لم يكن العلم الذي يغني خسر المرء الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين»، ثم بيّن آفات طلب العلم، ثم بين ما على العالم أن يتصف به وما على المجادل أن يتحلى به وغير ذلك من الحكم الرائعة، والأدبيات الفاضلة؛ ما من شأنه أن يجعل مقدمة هذه الموسوعة في حدّ ذاتها بعد الشرح نبراسا مهمًّا للمشتغلين بالعلم، لتعلم الأدب وفنّ المناظرة والمجادلة بالحسنى، وهذا هو منهج السلف الصالح والخلف الصالح من بعدهم جيل بعد جيل، وقد جاءت مواضيع هذه القطعة متحورة حول مواضيع الوصايا، والإقرار والقضاء والعطايا وفي وصيّة الأقربين وفي العمى والسكنى، وفي الأمانة واللقطة والعارية، والحديث في علم المواريث وما فيه من تفصيلات، وكل هذا بأسلوب يسير بسيط، يقابل الحجة بالحجة و الدليل بالدليل، ولم يأل المؤلف جهدا في ذكر رأيه المختار، دون استنقاص مما يرويه عن مخالفيه الرأي، ما جعل الموسوعة تكسب ميزة الفقه المقارن المتسم بالتعايش والتقارب بين المختلفين في الرأي أو المسألة المستندين إلى دليل نقلي أو عقلي غير شاذ، والجميل في ذلك أنه يشير إلى أصحاب الأقوال متى ما تيسر له ذلك وينسب القول إلى صاحبه، أو ممن سمعه منه، وهذا أسلوب منهجي دقيق، يحتاج إليه علماء اليوم في تحرير المسائل ونسبة الآراء، مع التماس العذر للقائل إن هو خالف رأيا، أو عارض مسألة، نجد في هذه الموسوعة ذكرا لأسماء علماء كثر أمثال: أبي الحواري محمد بن أبي الواري، والشيخ أبو الحسن البسيوي، والشيخ القاضي أبي علي الحسن بن سعيد بن قريش، والشيخ أبو سعيد الكدمي، والشيخ أبي عبد الله محمد بن روح، والشيخ أبو معاوية، والشيخ أبو مالك غسان بن الخضر البهلوي، وغيرهم من المشايخ، كما نجد ذكرا لبعض الكتب الفقهية المهمة مثل كتاب الأشياخ، و منثورة الشيخ أبي محمد، وكتاب الضياء للعوتبي، وكتاب بيان الشرع للشيخ محمد بن إبراهيم الكندي وغيرها من المصنفات المهمة.

ومما أعجبني في هذه الموسوعة قول المؤلف: « قال المؤلف وجدت في الآثار» وهذا يدل في الواقع على سعة اطلاع الشيخ على مصنفات كثيرة أو مؤلفات كثيرة قبل أن يسوّد هذه الموسوعة، وقد قيل إن عدد أجزائها 12 قطعة، وما هذه القطعة إلا جزء يسير من ذلك البحر الزاخر بالكنوز والمعارف، نسخ هذه القطعة الشيخ: عبد المجيد سعيد بن خلفان بن سعيد، وذلك: صباح الخميس وتسع ليال خلون من شهر محرّم لسنة 1089 هجرية، نسخها للشيخ العلامة القاضي: أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن جمعة بن عبيدان، وهو منسوخ من نسخة بخطّ المؤلف كما هو مقيد في حرد المتن، وقبل حرد المتن. تميزت هذه القطعة بمميزات كثيرة أهمُّها وجود تقييدات كثيرة في الأول والأخير فمما جاء في الصفحات الأولى: تقييد متآكل لأنه على الحافة العليا للصفحة وكأنه تقييد لوصية، وفي الصفحة الثانية تقييد آخر عبارة عن وصية ذكر فيها اسم: سعيد بن سنان، وفيها ذكر محمّديات وأشياء أخرى، وفي نفس الصفحة تقييد آخر مفاده: « أخذت هذا الكتاب من يد الأخ محمد بن سعيد بن خميس أقرأ منه، لا ملك لي فيه كتبه سليمان بن خلف بيده»، وبعده تمليك آخر ذكر فيه اسم: مسعود بن كليب وكليب بن غانم النوفلي ان، وعويش بن سلطان النوفلي، وسعيد بن سنان، ومظفر بن سالم»، ثم نقرأ بعد ذلك مجموعة تمليكات على النحو الآتي: «هذا لكتاب الفقيرة لله عز وجل بنت بلعرب بن مهنا اليعربية بيدها من ميراث أبي بلعرب ب مهنا بن محمد بن حمد اليعربي»، ثم: «اشتريت هذا الكتاب من سوق الرستاق وهو وقفا مؤبدا إلى يوم القيمة هذا الكتاب عندي أمانة لا لي فيه ملك ولا بيع وهو لعله قد اشتري من كتبه بيده يوم 7 شوال 1185هجرية».

أما في الصفحة رقم: (486) نجد تقييدا آخر مفاده: «هذا الكتاب معي أمانة وهو وقفا مؤبدا إلى الله، محمد بن سعيد بن خميس بن علي بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن سالم بن جمعة بن سعيد الحكمي الشكيلي بيده الفانية، وأنا وجدته في كتب أبي سعيد بن خميس لا علم به له ولا لغيره ووقعته على البيع والشراء...وراث يرثني بعد مماتي، وأنا الفقير إلى الله: محمد بن سعيد بيدي»، وفي الصفحة رقم: (487) نقرأ تقييدا آخر مفاده: « هذا الكتاب خلف الهالك الشيخ الوالد خميس بن علي بن ....لا فيه بيع وشرا، ليعلم من يقف عليه وهو أمانة عنده وعند ورثاه ولكن في ملكهم كتبه الفقير: .....بيده، هجا الدريعي كتبه نهار السبت و15 من شهر ربيع الأول»، و بعده تقييد غير مفهوم، وفي الصفحة رقم: (488) نقرأ مسائل في الإقرار واليمين.

إلى هنا نأتي إلى ختام حلقاتنا المباركة في هذا الشهر الفضيل، سائلين المولى عز وجل أن يتقبَّل منَّا صيامنا وقيامنا، ويتسلم منا رمضان متقبلا، ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين، وكل عام وأنتم بخير.