ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ :رمضان .. أنت العائد أبدا

23 يونيو 2017
23 يونيو 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

رمضان لا يرحل؛ نحن الراحلون: بأعمارنا، وبهممنا، وبطاقاتنا، وبعزائمنا، وبرضانا، وبخواتيم أعمالنا، وبحالات الضعف التي تحيط بنا، ننسحب بكل هدوء عن مضاربنا، وعن قناعتنا، وعن رؤانا، وعن مساحات اشتغالاتنا، وعن ميادين هدوئنا وقلقنا، مع كل لحظة غياب لمعاني رمضان.

رمضان لا يرحل؛ نحن الراحلون: فالقيم السامية تظل سرمدية البقاء، فالحياة لا يمكن أن تستقيم بدونها، والحياة لا يمكن أن تبقى بدونها، والحياة لا يمكن أن تزدهر بدون أزهارها الفواحة عطرا محبة؛ فرمضان أكبر حاضنة لهذه القيم.

رمضان لا يرحل؛ نحن الراحلون: فالنفوس صحراء قاحلة إن لم ترطبها نسمات رمضان الخالدة، نسمات العطاء، ونسمات الرضا، ونسمات التسامح، ونسمات الكرم، ونسمات البذل، ونسمات الشجاعة، ونسمات الوفاء، ونسمات التضحيات، ونسمات الإيثار.

رمضان لا يرحل؛ نحن الراحلون: فالنفوس معلقة بسمو الإيمان؛ هو السمو الذي لا يتحقق ويتعزز إلا بوجود مناخات الإيمان الخالصة إلا في رمضان، فحيث يكون رمضان يكون الإيمان، وحيث يكون رمضان يكون الاطمئنان، وحيث يكون رمضان يكون اليقين بالله أكثر، فعطش النفوس لا يرويه إلا زمن مخضب بأيام وليالي رمضان.

رمضان لا يرحل؛ نحن الراحلون: فالنفوس لا تنعتق من مظان السيئات أكثر إلا في رمضان، والنفوس لا تنسل من غواياتها ومزالقها إلا في رمضان، فهي المحتاجة أبدا أن تجوع من السيئات، وأن تجوع من أقوال الزور، وأن تجوع من أكل لحوم بعضها بعضا، وأن تجوع من الكذب، وأن تجوع من النفاق، وأن تجوع من (خائنة الأعين وما تخفي الصدور).

رمضان لا يرحل؛ نحن الراحلون: فما بين إطلالة رمضان الأولى والثانية، هناك ثمة فارق زمني نراه بعيدا، حيث الشوق إليه، ولكن الحقيقة أن في إطلالة رمضان تجديد للبقاء، وتجديد للنقاء، وتجديد للعهد، وتجديد للوفاء، فمهما ابتعد رمضان الشهر، حيث الدورة الفلكية، فلن يبتعد رمضان المعنى، ولن يبتعد رمضان الأسمى، ولن يبتعد رمضان الأصلح والأبقى.

رمضان لا يرحل؛ نحن الراحلون: فالعيون المغرورقة بالدموع دعاء وخشية؛ ستبقى معلقة رؤيتها تنتظر إشراقة رمضان، والقلوب المعلقة بالرجاء؛ ستبقى تنفطر وجدا بمعانقة رمضان، والأكف الحاضنة لآيات الله تلاوة وتدبرا ستبقى تمتثل هذا الحنو الجميل كأجمل منظر لصورة هذه العلاقة الرائعة بين العبد وربه، والأرجل الحاملة لجسدها ستبقى غارسة كعبيها؛ وإن احترقت الأرض من تحتها من طول المكث والبقاء لقارئ متهجد.

رمضان لا يرحل؛ نحن الراحلون: فالأيتام والمساكين والفقراء؛ لا يزالون يرون في رمضان الحياة، وفي رمضان السعادة، وفي رمضان الغنى عن أشرار الناس، وفي رمضان كرم الناس، وفي رمضان تضحيات الناس، وفي رمضان رحمة الناس، وفي رمضان الخير كله.

رمضان لا يرحل؛ نحن الراحلون: فكم من آبائنا، وإخواننا، وأصدقائنا، وزملائنا، وجيراننا، ومعارفنا ضمتهم الأيام، حيث تحتويهم اللحود كانوا بيننا، ذهبوا بكل ذكرياتهم، وبقي رمضان، شفيعا لهم بما قدموا، وشاهدا عليهم بما أنجزوا، هو رصيدهم يوم لا ينفعهم أحد إلا بما عرفوا من حقائق رمضان، وبما وفوا من حقوق رمضان، وبما أنجزوا من استحقاقات رمضان.

رمضان لا يرحل؛ نحن الراحلون: وبقدر خسارتنا لرمضان الزمن ولرمضان العمر، هذه الخسارة التي لم نستطع حتى الآن أن نلثم ثغرتها بضعفنا، وبأطماعنا، وبسوء تقديراتنا، وبإخفاق حساباتنا، يظل في المقابل رمضان هو الذي يوقظ فينا سبات الإهمال، ويوقظ فينا لحظات الغياب، ويوقظ فينا همم الضعف من تكالب الأيام، ويوقظ فينا غفلات التسويف، ويوقظ فينا لحظات الغرق في الملذات.

رمضان لا يرحل؛ نحن الراحلون: يظل نغمة جذلى في نفوس تحترق وجدا، وأملا، يظل ترنيمة عشق تعزف سيمفونية بقائها في قلوب لا تزال تخفق بخوف عدم لقياه في أعوامه القادمة.