أفكار وآراء

قراءة في نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية

21 يونيو 2017
21 يونيو 2017

عبدالعزيز محمود -

بحصولها على ٣٥٠ مقعدا من أصل ٥٧٧ في الانتخابات التشريعية التي أجريت على مرحلتين يومي ١١ و١٨ يونيو الجاري فازت حركة الجمهورية إن مارش بزعامة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحليفتها الحركة الديمقراطية بالأغلبية المطلقة داخل الجمعية الوطنية الفرنسية.  

وحصلت حركة ماكرون التي تأسست في أبريل ٢٠١٦ على ٣٠٨ مقاعد و53.83٪ من الأصوات، بينما فازت الحركة الديمقراطية التي يتزعمها فرانسوا بايرو بـ ٤٢ مقعدا و7.28% من أصوات الناخبين ليصل إجمالي عدد الأصوات التي حصل عليها تحالف الوسط 60.66% صوتا.

وجاء الفوز بمثابة تأييد واسع لبرنامج الحركة الذي يركز علي النزاهة، وإعطاء أمل في المستقبل، والتعهد بحزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية تبدأ بإصلاح قوانين العمل في ظل تراجع شعبية حزب الجمهوريين اليميني والحزب الاشتراكي اليساري، اللذين تناوبا علي الحكم خلال الستين عاما الماضية، ووصلا بالبلاد إلى طريق مسدود.

كما جاء في مواجهة تحديات يواجهها الاقتصاد الفرنسي تتمثل في بطء النمو وارتفاع نسبة الإنفاق العام وعجز الموازنة وارتفاع الدين العام وتراجع الصادرات في ظل قواعد تنظيمية تكبل ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بالإضافة إلى ارتفاع في معدل البطالة يتراوح ما بين ١٠ و٢٥٪.

وبهذا الفوز حصل الرئيس ماكرون على التفويض اللازم للمضي قدما في تنفيذ برنامجه الإصلاحي الليبرالي الذي انتخب من أجله في مايو الماضي مدعوما بتأييد 20.7 مليون صوت صوت يمثلون 66.1٪ من أصوات الناخبين.

ويشدد مشروع ماكرون على وضع معايير أخلاقية للحياة السياسية وخفض الإنفاق العام وإصلاح نظام الضمان الاجتماعي وتقليم قطاع الخدمة المدنية وتعزيز صورة فرنسا واستعادة هيبة الرئيس الفرنسي على الساحة الدولية.

كما يسعى لتعديل قوانين العمل والتقاعد دون مواجهة مع النقابات، وهو ما فشل فيه الرئيسان ساركوزي وهولاند، ودعم قدرة الشركات الفرنسية على المنافسة عالميا وخفض الضرائب على الشركات والحد من بعض المعاشات التقاعدية وخفض الإنفاق العام ومنح الشركات مرونة في التوظيف والفصل وساعات العمل كما يسعى لدعم علاقات فرنسا مع الاتحاد الأوروبي.

لكن مشروع الرئيس الفرنسي قد يواجه تحديات بسبب الاستغناء عن عشرات الآلاف من الوظائف في القطاع العام والحاجة إلى استثمارات ضخمة لتمويل قطاعات كالتدريب الوظيفي والطاقة المتجددة.

كما أن الجمعية الوطنية التي أفرزتها الانتخابات تضم ٥٠٪ من الوجوه الجديدة الأصغر سنا الموالية لماكرون بدون خبرة أو خلفية سياسية، مع ارتفاع في عدد النائبات إلى ٢٢٣ مقارنة بـ١٥٠ نائبة في انتخابات عام ٢٠١٢.

ومع ارتفاع نسبة الممتنعين عن التصويت في الانتخابات التشريعية ( 51.30% في الجولة الأولى و57.63% في الجولة الثانية) يتضح أن الرئيس الفرنسي لم يحصل على دعم مطلق لمشروعه الإصلاحي الليبرالي الاجتماعي وان التأييد الشعبي له ليس عميقا.

وطبقا للأرقام فإن نسبة المشاركة في الجولة الأولى للانتخابات لم تتجاوز 48.70%

بينما بلغت في الجولة الثانية 42.64% وهو دليل آخر على أن الانقسام الذي تشهده فرنسا لم يتم التغلب عليه.

يذكر أن الانتخابات التشريعية الفرنسية تجرى كل خمس سنوات لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية (الغرفة الثانية في البرلمان الفرنسي بعد مجلس الشيوخ)، وتتكون من ٥٧٧ نائبا يتم انتخابهم على مرحلتين لمدة خمس سنوات، وتناقش مشروعات القوانين ولديها صلاحية تغيير وإسقاط الحكومة.

أما مجلس الشيوخ (مجلس الأعيان) فيضم ٣٤٣ عضوا يتم انتخابهم لمدة ٦ سنوات من قبل هيئة ناخبين تتألف من نواب ومستشارين وممثلين للمجالس البلدية وأعضاء المجلس الأعلى للجاليات الفرنسية ويتم تجديد ثلث أعضائه كل ٣ سنوات، ومنذ عام ٢٠٠٢ يتم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفرنسية في العام نفسه.

من ناحية أخرى، فاز حزب الجمهوريين (ديجولي محافظ) بـ١١٣ مقعدا (19.58٪ من الأصوات)، يليه اتحاد الديمقراطيين والمستقلين (يمين الوسط) ١٨ مقعدا (3.12٪ من الأصوات)، بينما حصل المتنوعون اليمينيون وهم مرشحون لا ينتمون لأحزاب كبيرة على ٦ مقاعد (1.4٪ من الأصوات).

وهكذا حصل تحالف الحق البرلماني في الجمعية الوطنية على ١٣٧مقعدا (23.73٪ من الأصوات) مقابل ٢٢٩ مقعدا (39.69% من الأصوات) حصل عليها في انتخابات ٢٠١٢ ليشكل الجمهوريون وحلفاؤهم كتلة المعارضة الرئيسية في الجمعية الوطنية.

وكان الجمهوريون قد خسروا في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية عقب اتهامات وجهت لمرشحهم فرانسوا فيون السياسي اليميني ورئيس الوزراء السابق (٢٠٠٧-٢٠١٢)، بإساءة استخدام المال العام، وهو ما أثر بالسلب على حملتهم في الانتخابات التشريعية.

وفي المقابل حصل الحزب الاشتراكي على ٢٩ مقعدا (5.03٪ من أصوات الناخبين)، يليه مرشحو التنوع اليساري ١٢ مقعدا (3.02٪ من الأصوات)، ثم الحزب اليساري الراديكالي ٣ مقاعد (0.53٪ من الأصوات) ليصل إجمالي عدد المقاعد التي حصل عليها تحالف اليسار البرلماني ٤٤ مقعدا (7.63٪ من الأصوات).

وشكلت هذه النتيجة هزيمة ساحقة للحزب الاشتراكي، الذي حكم فرنسا خلال السنوات الخمس الماضية، ممثلا بالرئيس فرانسوا هولاند في قصر الإليزيه، وسيطرته مع حلفائه اليساريين والخضر على ٣٣١ مقعدا في الجمعية الوطنية، عقب الفوز بـ57.70٪ من الأصوات في انتخابات ٢٠١٢.

لكن إخفاق الحزب في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تسبب في هزيمة مرشحه في انتخابات الرئاسة بينوا هامون من أول جولة، عقب حصوله على 6.36٪ من الأصوات، ثم خسارته للأغلبية في الانتخابات التشريعية، وفقدان زعيمه جان كريستوف كامباديليس لمقعده في الجمعية الوطنية، وتخليه عن رئاسة الحزب.

من جهة أخرى حصلت حركة لا فرانس أنسوميز (فرنسا الأبية) التي أسسها جان لوك ميلانشون الرئيس السابق للحزب اليساري والمرشح الرئاسي في انتخابات ٢٠١٢ و٢٠١٧ وتمثل أقصى اليسار على ١٧ مقعدا (2.95% من الأصوات)، وفاز زعيمها ميلانشون بمقعد في الجمعية الوطنية.

كذلك حصل حليفها الحزب الشيوعي الفرنسي علي ١٠ مقاعد (1.73٪ من الأصوات) ليشكلا معا كتلة أقصى اليسار في الجمعية الوطنية بـ٢٧ مقعدا.

أما حزب الجبهة الوطنية الذي يمثل أقصى اليمين فقد حصل على ٨ مقاعد ( 1.39٪ من الأصوات) مقابل مقعدين (0.35% من الأصوات) في انتخابات ٢٠١٢، وفازت مارين لوبان زعيمة الحزب لأول مرة بمقعد في الجمعية الوطنية بعد عدة محاولات سابقة.

ومع ذلك كانت النتيجة مخيبة للآمال، فالتقدم الذي أحرزته الجبهة في الانتخابات الرئاسية، بحصول لوبان في الجولة الثانية أمام ماكرون على 10.6 مليون صوت تمثل 33.90٪ من أصوات الناخبين، لم يتكرر بعد ذلك في الانتخابات التشريعية.

بل إن الجبهة لم تحصل على تمثيل يجعلها قوة معارضة ذات تأثير في الجمعية الوطنية، وفشلت في الحصول على الـ١٥ مقعدا المطلوبين لتشكيل كتلة برلمانية، مما شكل تحديا لليمين الشعبوي في فرنسا.

أما الـ11 مقعدا المتبقية في الجمعية الوطنية فقد توزعت على الإقليميين في جزيرة كورسيكا وحزب ديب لا فرانس (انهضي يا فرنسا) وأحزاب أخرى، ومن المقرر أن تقدم حكومة إدوارد فيليب استقالتها قبل أن تعقد الجمعية الوطنية أولى جلساتها في ٢٧ يونيو الجاري، تمهيدا لتشكيل حكومة جديدة من المرجح ألا تشهد تغييرات واسعة في الحقائب الوزارية.

وهكذا أعادت الانتخابات التشريعية الفرنسية ومن قبلها الرئاسية تشكيل المشهد السياسي، في أكبر عملية تغيير تشهدها فرنسا منذ عام ١٩٥٨، فيما يشكل محاولة لحل مشكلات عدم المساواة والبطالة والإرهاب والانقسام، ربما تنجح أو تصل إلى طريق مسدود.