أفكار وآراء

مزارع الإنتاج الحيواني مُهَدِّد صِحِّي

20 يونيو 2017
20 يونيو 2017

سكوت ويذرز وصوفي هيرمانز ومارك بيتمان -

ترجمة قاسم مكي -

نيويورك تايمز -

لقد وجدت دراسة نشرت عام 2014 في مجلة  التغير المناخي ، بعدما وضعت حسابا للزيادات في أعداد سكان العالم، أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالغذاء قد تستنفد كل ما تبقى من «موازنة الكربون» والتي تعني حجم غازات الاحتباس الحراري المحتملة.  

ستجتمع في جنيف منظمة الصحة العالمية التي تعمل على تحسين الصحة حول العالم لاختيار مدير عام جديد. (اجتمع مجلس المنظمة وانتخب الإثيوبي تيدروس أدهانوم جيبريسوس مديرا عاما يوم 23 مايو لفترة 5 سنوات بداية من 1 يوليو 2017- المترجم. ) لدينا مهمة لهذا المسؤول القيادي الجديد وهي التصدي لمزارع الإنتاج الحيواني التي تشكل مهددا رئيسيا للصحة والبيئة. لقد تحول الإنتاج الحيواني في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة إلى التصنيع باطراد. فالمزارع التي تشبه المصانع زادت على نحو جذري من أعداد الأبقار والدجاج والخنازير التي يمكن تربيتها وذبحها بكفاءة اقتصادية. وكان هذا أحد أسباب الارتفاع الحاد في استهلاك اللحوم بالولايات المتحدة. أيضا زاد إنتاج اللحوم حول العالم خلال العقود الأربعة الأخيرة بحوالي ثلاثة أضعاف (300%) وبنسبة 20% فقط في الأعوام العشرة الأخيرة، بحسب بحث أجراه معهد الأبحاث البيئية «وورلد ووتش » لهذا التحول الكاسح في إنتاج و استهلاك اللحوم عواقب وخيمة بالنسبة للصحة والبيئة. وستتفاقم المشاكل التي تنجم عنه إذا مضت الأمور في مسارها الحالي. إن التصدي لهذه المسألة التي تتعلق بالصحة العامة داخل في نطاق تفويض منظمة الصحة العالمية. وكانت مارجريت شان التي انتهت ولايتها كمدير عام للمنظمة قد شبّهت في خطابها أمام مجلس المنظمة في العام الماضي الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية والتغير المناخي والأمراض المزمنة «بشريط سينمائي يتحرك في بطء عارضا ثلاث كوارث» تشكِّل المشهد الصحي العالمي. أما مزارع الإنتاج الحيواني فهي التي تصل النقاط المتقطعة الرابطة بين هذه الكوارث. لقد ساهم فيضان منتجات اللحوم والألبان الرخيصة بقدر كبير في تزايد الإصابات بالأمراض المزمنة. فمعهد قياس وتقييم الصحة بجامعة واشنطن يرى، وفقا لتقديراته، وجود علاقة بين أكثر من نصف مليون حالة وفاة حول العالم في عام 2015 وبين الوجبات الغذائية الغنية باللحوم المُصَنَّعة والحمراء التي تصنفها منظمة الصحة العالمية الآن كأغذية مسرطنة (اللحوم المصنعة) ومسرطنة احتمالا (اللحوم الحمراء.) ثمة مشكلة محتملة أكبر حجما تتمثل في البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية التي تتفشى بين الحيوانات المكدسة داخل مزارع الإنتاج الحيواني. فحوالي 75% من المضادات الحيوية المستخدمة في الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي تستخدم في الإنتاج الحيواني. والهدف من الاستخدام العشوائي لهذه العقاقير هو منع إصابة الحيوانات بالأمراض في هذه المزارع المكتظة وتسريع نموها وذلك ما اتضح فشله إلى حد كبير.

لكن كنتيجة لهذا الاستخدام الواسع النطاق يستهلك البشر دون أن يدرون مضادات حيوية بجرعات بسيطة في اللحوم التي يأكلونها والمياه المعالجة التي يشربونها من مجاري المياه الملوثة بالفضلات الحيوانية. ومع تطوير هذه البكتيريا لقدرتها على مقاومة المضادات الحيوية سرعان ما ستفقد هذه الأخيرة نجاعتها في معالجة الأمراض مثل الالتهاب الرئوي أو التهابات المسالك البولية. كذلك يوجد أثر كبير لمزارع الإنتاج الحيواني على التغير المناخي. فعمليات الإنتاج الحيواني تُولِّد انبعاثات احتباس حراري تزيد عن تلك التي تصدر عن كل أشكال النقل مجتمعة.

لقد وجدت دراسة نشرت عام 2014 في مجلة التغير المناخي ، بعدما وضعت حسابا للزيادات في أعداد سكان العالم، أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالغذاء قد تستنفد كل ما تبقى من «موازنة الكربون» والتي تعني حجم غازات الاحتباس الحراري المحتملة أو التي لا يزال من الممكن إطلاقها مع المحافظة على حرارة الأرض في عام 2050 عند درجة لا تزيد عن درجتين مئويتين (3.5 درجة فهرنهايت) فوق مستوياتها في حقبة ما قبل الاقتصاد الصناعي.

وتوصلت الدراسة إلى أن تغيير أنواع الوجبات الغذائية على نحو ينطوي على خفض استهلاك اللحوم والألبان «حاسم في أهميته للوفاء بدرجة عالية من الاحتمالية» بدرجات الحرارة المستهدفة في العام 2050.» كما وجدت دراسة أخرى في بريطانيا أن آكلي اللحوم مسئولون مرَّتين (200%) عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري قياسا بمن يتناولون وجبات نباتية. وحسبت دراسة أجريت مؤخرا أنه إذا تم اتباع الموجهات الصحية بشأن استهلاك اللحوم حول العالم يمكن خفض الانبعاثات الغازية بنسبة 29% إلى 45%.

وبالطبع هذا سيتطلب تغييرات كبرى في الأنظمة الغذائية. ولكن سبق تنظيم حملات وطنية وعالمية ضد مهددات الصحة العامة حتى عندما تقف خلف هذه المهددات شركات متعددة الجنسية. أحد الأمثلة على ذلك الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ. وهي معاهدة دولية تروِّج لسياسات محاربة التدخين في البلدان المشاركة. فالمنظمة يمكنها تبنِّي مقاربة شبيهة تجاه مزارع الإنتاج الحيواني. لقد نشرت مؤخرا رسالة مفتوحة وقعها أكثر من 200 عالم وخبير سياسات وآخرون، من بينهم كُتَّاب هذا المقال، تدعو المرشحين لمنصب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إلى الإقرار بأن مزارع الإنتاج الحيواني تشكل تحديا للصحة العامة ومعالجتها. وقدم الموقعون على الرسالة سلسلة من التوصيات التي تتعلق بوضع السياسات من بينها وجوب حث منظمة الصحة العالمية أعضاءها الذين يقرب عددهم من 200 بلد على التالي:

أولا، حظر استخدام المضادات الحيوية المُعَزِّزَة للنمو في مزارع الإنتاج الحيواني وتقديم حوافز لمنتجي اللحوم للتخلص من المضادات الحيوية والفضلات الحيوانية بطرق تمنع التلوث البيئي.

ثانيا، وقف الدعم المالي لمزارع الإنتاج الحيواني.

ثالثا، تبني معايير غذائية وتنظيم حملات تعليمية تحذر من المخاطر الصحية لاستهلاك اللحوم.

رابعا، تمويل الأبحاث المتعلقة بالبدائل النباتية للحوم.

إن الأضرار التي تتسبب فيها مزارع الإنتاج الحيواني عالمية في طبيعتها. فالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية لا تعرف حدودا وكذلك التغير المناخي. وستصارع أنظمة الرعاية الصحية في كل مكان لمجابهة تحديات تصاعد الأمراض المزمنة. ربما أن أكل اللحوم كان هاما لبقائنا في الماضي. ولكنه الآن يقتلنا.