ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ :رغبة النفس ..

20 يونيو 2017
20 يونيو 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تتيح لنا لحظات التجلي فرصة الوقوف لتقييم أنفسنا في حالتين: الإحسان أو الإساءة، فالنفس من جانبها تناور، وتتحايل، ومطلوب منا أن نعيش الضدين؛ وهما الضدان المتمثلان في: مهادنة النفس، أو معاداتها، ففي مهادنتها ضرر، وفي معاداتها أيضا ضرر، فالفريق الذي يدعو إلى مهادنة النفس؛ يقال له :«النفس راغبة إذا رغبتها» وهذه الرغبة تذهب بنا بعيدا، وقد تورد بصاحبها موارد الهلاك، وهو نفس المعنى الذي يذهب إلى أن حرية الفرد تقف عندما تبدأ حرية الآخرين، والفريق الذي يدعو إلى معاداة النفس؛ يقال له : «وإذا ترد إلى قليل تقنع»، وهذه القناعة - كما يراها آخرون - تقزم من الإنجاز، وتنشئ أفرادا في المجتمع غير منتجين بالصورة التي يطمح إليها المجتمع لتفوقه، وتقدمه، فالتواضع المبالغ فيه يحجم من الإنجاز المطلوب، وهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر، وهو نفس المعنى الذي يذهب إلى «من لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر».

هذه «المناولة»، إن تصح التسمية فيها حيرة، إلا أن حيرتها لا تحتاج أكثر من إعادة جدولة المهام والمسؤوليات المناطة بالفرد في المجتمع، وما يتبع ذلك من وضوح الأهداف، فنفس هذا الكسول هي ذاتها نفس ذلك المجد المجتهد، استطاع الثاني أن يوظف نفسه لتحقيق الكثير من الطموحات، وخان الأول التوفيق في توظيف المعززات التي تنتشل نفسه من الضياع، أو الاتكال.

المفارقة هنا يعيدها البعض إلى التنشئة، وإلى البيئة التي يعيش فيها الفرد، ويذهب بها آخر إلى الفطرة التي فطر عليها هذا الفرد، فالبيئة، كما هو معروف عامل محفز فقط، ولن تكون عاملا باعثا من الفطرة، وهناك أمثلة كثيرة في الحياة، تظهر بيئات خاملة؛ وقد خرج منها أناس في قمة العطاء والإبداع، وهناك بيئات محفزة، وفق رؤية بعض أفرادها؛ وقد خرج منها أناس أصبحوا عالة على المجتمع.

ومن جميل ما سمعت عبر برنامج إذاعي، كان يتحدث فيه أحد الأشخاص، يعد أحد علماء تخصصه في البلد الذي يعيش فيه حاليا - بلد المهجر- مع أطفال في إحدى دور الأيتام في بلد عربي، فهذا العالم، المصنف عالميا، هو أحد مخرجات دار الأيتام هذه، أي لا أب يوجهه ويبصره، ولا أم تحنو عليه، وتأخذ بيده، نشأ هكذا يتيما ودرس وواصل دراسته في أرقى الجامعات العالمية، واليوم يعد أحد علماء عصره، فعند القياس على البيئة، فبيئة هذا العالم كانت مأوى دار الأيتام، وما أدراك ما دار الأيتام، حيث الحرمان المطلق من كل العواطف والمشاعر من الأفراد ومن المجتمع، وتبقى رحمة الله فوق كل شيء.

يمثل هذا النموذج القياس الذي يمكن أن تقاس عليه مختلف الأمثلة، فبيئته «المنشأ» خاملة بكل معنى الكلمة، ومع ذلك راهن على نفسه؛ وما تحمله من قدرات، وطموحات، وكانت الفرصة أمامه متاحة لأن تذهب به الحياة إلى مهاوي الردى والضياع، فلا أسرة ولا انتماء لأي نوع من أنواع البيئات الاجتماعية، ومع ذلك شق طريقه نحو المعالي، فهو في كل هذه الخطوات التي قطعها طوال سني حياته يستشعر الشيء الكثير من مسؤوليته تجاه نفسه، فحافظ عليها فأكرمته، هنا لعب الباعث النفسي الدور الأكبر في هذه الشخصية، وإن لم تجد نفسه البيئة الحاضنة التي تأخذ بيده، فانسل من ركامات الحياة الكثيرة، وأوجد نفسه في أوساط متنوعة تتهاوى فيها نفوس أفرادها، إلا من رحم الله.

يعيش الأفراد صراعا أزليا مع أنفسهم، ويكونون في أغلب الأحيان في امتحانات مستمرة طوال اليوم، فما تكاد تخرج من موقف تمتحنك فيه نفسك، إلا وتقع في آخر، والمحظوظ من يخرج بأقل الخسائر.