1038909
1038909
روضة الصائم

موسوعات عمانية: ما يميِّزُ النسخة الأولى من القطعة الثالثة أنها بخطّ المؤلف نفسه

18 يونيو 2017
18 يونيو 2017

القدم والتأثر الواضح بعوامل الزمن من أهم ما يميز نسختي القطعة الثالثة من «جامع الجواهر»

جامع الجواهر القطعة الثالثة، النسخة رقم: (460): يتواصل بنا الحديث عن الموسوعة القيمة جامع الجواهر في هذه الحلقة ما قبل الأخيرة منها، وسيكون حديثنا في هذه الحلقة عن نسختين مهمتين من القطعة الثالثة من هذه الموسوعة والنسخة التي بين أيدينا الآن مرقمّة برقم: (460)، تحمل بين جنباتها (564) صفحة على الصحيح، دون اعتبار الزيادات وإذا اعتبرنا الزيادات فإن عدد الصفحات سيصل إلى (613)، من الحجم الكبير مقاس الصفحة 32.5 سم طولا، و22، 5 سم عرضا، تحمل كل صفحة ما يقارب 26 سطرا أو يزيد أحيانا بحكم اختلاف الخط في بعض الصفحات، كتب المخطوط بخط النسخ المفهوم على العموم، إلا أن الجودة فيه ليس إلى ذلك المستوى الذي ميّز كثيرا من النسخ، واستعمل الناسخ اللونين المعتادين الأسود وهو الغالب والأحمر وهو قليل لبعض عناوين المسائل والأبواب، وبعض الألفاظ كلفظ مسألة وما إلى ذلك، نسخ هذه القطعة المؤلف نفسه، وهي ميزة مهمة للمخطوط، وقد حوت هذه القطعة حديثا مهما عن أبواب فقهية لا تقل أهمية عن غيرها، لذا سأورد حرد المتن كما هو لأهميته: «تمَّ الكتاب بعون الملك الوهاب وهي القطعة الثالثة من كتاب جامع الجواهر في الزكاة وأحكامها والصيام ومعانيه وفي الحج وشروطه وفي النذور والاعتكاف والإيمان والكفارات وفي الذبائح والصيد والأشربة وغير ذلك، وتتلوها القطعة الرابعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... وكان تمامه عشية الأحد لعشر ليال خلون من شهر ذي القعدة من شهور سنة ست وستين ومائة وألف سنة من الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام، على يد العبد الأقل لله تعالى: جمعة بن علي بن سالم بن عبد الله بن مسعود بن بلحسن الصايغي المنحي، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم، وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا والحمد لله حقَّ حمده والصلاة والسلام على رسوله وعبده محمد صلى الله عليه وسلّم وأنا أستغفر الله تعالى وأتوب إليه مما خالفت فيه الحقّ والصَّواب عند الله من قول أو عمل أو نية » (ص: 564).

ما يلاحظ على هذه القطعة؛ قدم الورق بشكل يجعل المتصفح للمخطوط حذرا من إتلاف الأورق، لذا فهو بحالة مستعجلة إلى ترميم أو تغليف حراري حسبما يراه خبراء الحفظ والصيانة للمخطوطات، وهذا التأثر واضح لأسباب الرطوبة الظاهرة عليه، وبعض السوائل التي لحقت المخطوط، مع العلم أن نوع الورق من النوع الجيد إلا أن هذه العوامل كانت أقوى منه خاصة ما يتعلق بالصفحات الأخيرة، وهي في الأخيرة مختلفة من حيث نوعية الورق، ومما يلاحظ عليه محاولات البعض ترميم بعض الأوراق التي اجتاحها التآكل، غير أن هذا الترميم كان بدائيا ولم يكن احترافيا، الأمر الذي لم يُفِدِ المخطوط في نظري بل قد يؤثر عليه سلبا، وذلك لصعوبة إزالة المادة التي رمم بها قديما، ومما يلاحظ على المخطوط أيضا وجود إضافات كثيرة جدا قبل أن نصل إلى الفهرس الذي ختم به المخطوط وهذا كله ورد بعد حرد المتن، الأمر الذي جعلني أعتقد أن من فهرس المخطوط ليس الشيخ جمعة لاختلاف الخط وغير ذلك من الأسباب، ولعل السائل يقول: ما هي هذه الزيادات؟ فالجواب أنها: مسائل في شيء من معاني النذر، وأحكام الزكاة والصيام عن بعض العلماء المتأخرين، لم تخل هذه القطعة من تقييدات مهمة في الصفحات الأخيرة منها: « بسم الله الرحمن الرحيم ليعلم من يقف على هذا الكتاب من المسلمين وهو كتاب جواهر الآثار بأنه لنا وفي ملكنا لم يخرجه من عندنا بيع ولا شراء ولا هبة، ليعلم من يقف عليه بذلك، وكتبته وأنا العبد المذنب: عبد الله بن زهران بن مبارك بن أحمد البوسعيدي، بيده يوم: 23 من شهر الحج من سنة 1346هـ صحيح عبد الله بيده» وبعده مباشرة: «كلام ابن الأثير وكلُّه باطل لا أصل له والله أعلم، كتبه عبد الله بيده، لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم» (ص: 611).

وقبل متابعة التقييدات ينبغي التنبه إلى أن في التقييد خطأ مهما ينبغي التنبُّه له، ألا وهو عنوان الكتاب، فهذا الكتاب هو: جامع الجواهر وليس جواهر الآثار، بدليل ما أوردناه قبل قليل في حرد المتن، ولهذا وقع الخلط في المزج بين الكتابين في الطبعة الأولى منه، فليتأكد من ذلك ولينتبه، ومن التقييدات المهمة أيضا: «هذا الكتاب للشيخ الفقيه العالم جمعة بن علي بن سالم بن عبد الله بن بلَّحسن الصايغي المنحي وكاتبه أفقر خلق الله وأحوجهم إليه عبده ناصر بن سالم بن محمد بن عامر بن درويش الخصيبي النزوي، وكتبه بيده الفانية بتاريخ نهار 12 القعدة سنة 77(12هـ)» (ص: 612)، وهذا التقييد في الحقيقة في النفس منه شيء لكون الورق مختلف تماما عن الورق المستخدم وكأنه إضافة إلى هذه القطعة من قطعة أخرى من نفس الكتاب، إلا إذا كان هذا تقييد لتمليك الكتاب فهذا أمر محتمل، ولا يحتمل أن يكون الناسخ هو غير المؤلف خاصة بعد إيرادنا لحرد المتن سلفا، وتوجد بنفس الصفحة تقييدات أخرى عبارة عن حديث في قبول الهدية، وبعض الأبيات الشعرية في الزهد والمواعظ، ثم تقييد آخر مفاده: «هذا الكتاب المبارك للشيخ الأخ: محمد بن علي بن سالم وهو عندي على سبيل العارية، كتبه علي بن محمد بيده» (ص: 612)، وفي ظهر الورقة الأخيرة نقرأ مسألة مروية عن الشيخ محمد بن عبد الله بن مداد فيها تآكل واضح. وإذا جئنا إلى أول المخطوط فإننا نجد تقييدا واحدا مفاده: «هذا الكتاب أخذته من خالد بن ناصر البوسعيدي على سبيل العارية وأنا سعيد بن بشير مولى الحبوس كتبتهُ يدي الفانية».

لا نجد اختلافا في أسماء العلماء ولا المصادر التي نقل منها الشيخ جمعة مسائله كما سبق في الحلقات الماضية المتعلقة بهذه الموسوعة، لذا لا داعي لإعادة ذلك، ومما تجدر الإشارة أن هذه النسخة لم تختلف عن غيرها من حيث وجود الهوامش التوضيحية، التي تحتاج إلى دراسة متأنية لمعرفة واضعها، ذلك أن الأمر فيه لبس بين ما نقله الجامع وبين ما يضيفه ملاّك المخطوط أو القراء له بين الفينة والأخرى، والدليل على ذلك اختلاف نوع الخط والحبر في كثير من الهوامش، ولا ينبغي أن نغفل عن كون أرقام الصفحات مضافة بقلم الرَّصاص وهي إضافة حديثة.

النسخة الثانية من القطعة الثالثة برقم: (1154): لا تختلف عن سابقتها من حيث المضمون المعنوي، أو الشكل المادي؛ المتعلق بمقاس الصفحات وعدد الأسطر ونوع الحبر والوق وما إلى ذلك، إلا أن نوع الخط في هذه النسخة ثلث أو قريب منه، كما أن الناسخ وتاريخ النسخ مختلف، لذا سأورد شيئا من حرد المتن كما هو؛ لمزيد بيان وتأكيد: «تمّ الكتاب بعون الملك الوهاب وهي القطعة الثالثة من كتاب جامع الجواهر في الزكاة وأحكامها والصيام ومعانيه والحج وشروطه، وفي النذور والاعتكاف والإيمان والكفَّارات وفي الذبائح والصيد والأشربة وغير ذلك... وكان تمامه نهار الثلاثاء وسبعة عشر من شهر رمضان من شهور سنة سبع وستين ومائة سنة وألف (1167) من الهجرة الإسلامية على مهاجرها عليه أفضل الصلاة والسَّلام على يد العبد الأقل لله عزّ وجلَّ الفقير الحقير ناصر بن سالم بن محمد بن عامر بن درويش الخصيبي نسباً، والإباضي مذهبا وحارة الوادي نزوى موطنا والنزويُّ بلدًا، حرَّره بيده حامدا الله وحده ومصلِّيا على نبيه محمّد صلى الله عليه وسلم آمين آمين». والملاحظ في هذا الحرد أنه صحح معلومة اسم الكتاب الذي ورد بالخطأ في تقييد من تقييدات النسخة السابقة، وهذا أمر مهمٌّ. لم تَخْلُ هذه القطعة من إضافات مهمَّةٍ بَعْدِ حَرْدِ المتنِ متمثِّلَةً في مجموعة كبيرة من المسائل المتنوعة عن علماء مختلفين فينظر فيها لمزيد استفادة، وقد ورد تقييد مهم بعد حرد المتن مفاده: « قد آل إليَّ بالشراء الصحيح هذا الكتاب من الولد خلفان بن جمعة بن محمد بن مسعود بن محمد البوسعيدي، كتبته وأنا: خميس بن محمد بن مسعود البوسعيدي المنحي بيدي 29 ذي الحجة 1167، ثمنه: 44 محمدية». ولعلي أستدرك ملحظا مهما في مسألة نوعية ورق هذه النسخة فأقول: إن الورق جيد لكنه متأثر بالسوائل والرطوبة والملوحة في أغلب صفحاته الأمر الذي كاد أن يؤثر على المادة العلمية لبعض الصفحات وهذا أمر واضح. ولم تخل النسخة من تقييدات في أولها عبارة عن طريقة تقليدية لمكافحة الجراد أو الفئران المتسلطة على الزروع، وبعد تقييد آخر عبارة عن قصيدة ابتهالية. ما يميز هذه المخطوط وجود خطّ معاصر في المسائل المضافة بعد الحرد وهو للشيخ محمد الرمضاني فقد نسخ مجموعة مهمة من الصفحات بأمر من السيد محمد بن أحمد البوسعيدي رحمه الله تعالى.