أفكار وآراء

القنوات الخلفية في سياسة واشنطن

05 يونيو 2017
05 يونيو 2017

ديفيد إجنيشس -

ترجمة قاسم -

مكيواشنطن بوست -

استُخدِمَت القنوات الخلفية من جانب كل الرؤساء الأمريكيين المعاصرين، بدءا بجون كيندي وإلى باراك أوباما. إذا كان ذلك كذلك فما المشكلة إذن في إجراء اتصالات بين مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر وووسيطين روسيين في فترة ما قبل تنصيب دونالد ترامب ؟ هذا سؤال منصف. ولكنه لا يعني أن الإجابة الصحيحة هي أن تكون هنالك مباركة تلقائية لاتصالات كوشنر، كما فعل وزير أمن الوطن جون كيلي الذي قال إن مثل هذا الاتصال الذي يجري خارج الشبكة «عادي وأيضا مقبول في نظري » . الشيطان هنا ، كما في معظم الأشياء، يكمن في التفاصيل. يتفق أغلب المحللين على أنه من الملائم للرؤساء وكبار معاونيهم توظيف الاتصالات السرية في خدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية. أيضا من العادي تماما أن تجري الإدارات الأمريكية الجديدة محادثات تعارف مع نظيراتها الأجنبية. فمثل هذه القنوات الخلفية يمكن أن تضيف للعلاقات الخارجية الاستقرار والقدرة على التكهن. ولكنها تكون غير سليمة حين تسعى إدارة قادمة (لم تتول الحكم بعد) إلى تقويض سياسات الإدارة القائمة . فنحن « لدينا رئيس واحد في أي وقت من الأوقات » . هذه ليست فقط بديهة سياسية ولكنها مسألة قانونية منصوص عليها منذ عام 1799 في قانون لوجان الذي يمنع تدخل المواطن بصفته الشخصية في السياسة الرسمية أثناء وجود نزاع . ( تم تشريعه في 30 يناير 1799 كقانون فيدرالي يقضي بالغرامة و/‏‏ أو السجن لهذه المخالفة . ولوجان مواطن أمريكي هو جورج لوجان كان قد تدخل متفاوضا في أثناء خلاف مع الحكومة الفرنسية عام 1798 دون أن يحمل صفة رسيمة تخوله بذلك – المترجم.) ولا تلغي أهميةَ هذا القانون حقيقةُ أنه لم يطبق أبدا جنائيا. يعتقد العديدون أن قانون لوجان بالٍ وفات أوانه. في الحقيقة يمكن أن يشكل هذا القانون معضلة كبيرة لترامب . كما أنه ليس من السليم لأي مواطن حتى صهر الرئيس المنتخب اقتراح اتصالاتٍ تستخدمُ أدواتِ اتصال تابعةً لجهاز استخبارات أجنبي لتجنب رصدها . وكما ذكر عضو مجلس النواب عن ولاية كاليفورنيا في هذا الصدد « على المرء أن يسأل: من هو ذلك الذي يخفون عنه مثل هذه المحادثات؟ » تطرح اتصالات كوشنر السرية مع السفير الروسي سيرجي كيسلاياك والمصرفي سيرجي جوركوف الحميم الصلة بالكرملين أسئلة شبيهة حول اتصالات مايكل فلين مع كيسلياك . لقد استقال فلين من منصبه كمستشار للأمن القومي في فبراير بعد أن اتضح تضليله لنائب الرئيس بينس والرأي العام بشأن محادثته مع السفير الروسي كيسلاك في 29 ديسمبر حول تخفيف العقوبات ضد روسيا بعد أن يتم تنصيب ترامب . السبب الذي جعل محادثات فلين «إشكالية»، بحسب تعبير النائب العام السابقة سالي ييتس، هو أنها ربما قوضت العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما في نفس ذلك اليوم ضد روسيا لقرصنة (تهكير) الانتخابات الرئاسية لعام 2016 . السؤال هو: هل لدى أي من محادثات كوشنر أثر شبيه (بأثر محادثات فلين) في تقويض سياسة قائمة ؟ هذا أحد الأسئلة التي سيتحرى بشأنها المحققون . لقد ذكرت تقارير منشورة أن كوشنر كان يريد مناقشة إجراء تنسيق أفضل مع روسيا حول سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا . هل ساهمت تلك الاتصالات في إفشال جهود وزير الخارجية حينها جون كيري للتوصل إلى انتقال سلمي للسلطة في سوريا ؟ مرة أخرى هذا سؤال يستحق أن يُسأل. واحدة من نقاط الخلاف بين قضيتي كوشنر وفلين أن كوشنر، حين ظهرت على السطح التقارير الصحفية حول اتصالاته الروسية، لم يكن كما يبدو قد قدَّم معلومات مضللة بعكس فلين الذي ضلل بينس والرأي العام، حسبما زُعِم. لقد وردت النقاط الأساسية لقضية كوشنر أواخر مارس في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز وأيضا في العمود الذي أكتبه للصحيفة . وكنت قد كتبت حينها ما يلي « مشكلة كوشنر الروسية أنه اجتمع بعد الانتخابات ليس فقط مع كيسلياك ... ولكن أيضا مع .. جوركوف الذي كان مستعدا للعمل كوسيط مع الرئيس فلاديمير بوتين ». ونوَّهتُ بأن كوشنر وافق على تقديم شهادته أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ حول تلك الاجتماعات. لقد خمَّنت أن كوشنر حين تقديمه لشهادته « سيخبر مجلس الشيوخ بأنه كان يريد استكشاف إمكانية فتح قناة سرية مع بوتين شبيهة بتلك القنوات التي أقامها مع زعماء عديدين حول العالم في أثناء الفترة الانتقالية. ولكن بعد أن تمت تسمية ريكس تيلرسون وزيرا للخارجية ، وهو صديق حقيقي لبوتين، استنتج كوشنر كما يظهر أن ترامب لم يعد بحاجة إلى إنشاء أية قناة خلفية من هذا القبيل» . لم يتقدم كوشنر بشهادته حتى الآن. ونحن لا نعلم بعد القصة الكاملة . ولكن قالبها الأساسي كان واضحا منذ شهرين . إن السبب الذي يجعل القنوات الخلفية معقولة أحيانا هو صعوبة استكشاف وتحسس الخيارات المتاحة تحت الأضواء الكاشفة.

لقد أرسل السوفييت جاسوسا لمقابلة روبرت كنيدي من أجل تكوين فكرة عن (شقيقه) الرئيس الجديد جون كنيدي قبل تنصيبه عام 1961، بحسب مقال للمؤرخ تيم نافتالي نشر في مجلة «سليت» كما استخدم الرئيس كنيدي شقيقه روبرت في اتصالات سرية مع السفير السوفييتي أناتولي دوبرينين في أثناء أزمة الصواريخ الكوبية . أحد أسباب ذلك أن جون كنيدي لم يكن يريد أن يعرف مستشاروه نوعَ المساومات التي كان يفكر فيها حينها. كما وظف الرئيس ريتشارد نيكسون وكبير مستشاريه هنري كيسنجر القنوات الخلفية بكثرة وعلى نطاق واسع حتى صارت شيئا معتادا . وواصلت إدارة أوباما إتباع هذا النمط من الاتصالات . فأوباما استكشف الخيارات الممكنة مع إيران عبر وساطة عمانية. واستخدم قناة سرية شبيهة لبدء محادثات مع كوبا حول تطبيع العلاقات. لقد كانت اتصالات الأزمات هذه أداة قوية . لكنها تنطوي على احتمال هز الاستقرار. وذلك هو السبب في أن القانون تركها للممثلين الرسميين لحكومة الولايات المتحدة.