أفكار وآراء

نهاية وهم الدولة الفلسطينية

05 يونيو 2017
05 يونيو 2017

ماجد كيالي - كاتب فلسطيني -

[email protected] -

من السهل على زائر الأراضي الفلسطينية المحتلة (1967)، أو مناطق السلطة ، ملاحظة استعصاء مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة ، الذي اعتمده الفلسطينيون منذ أواسط السبعينيات ، وتم إعادة تعميده في اتفاق أوسلو (1993).

لم يعد الكلام عن هذا الأمر مجرد رأي سياسي ، أو مجرد وجهة نظر معارضة للتسوية ، بل إنه الواقع الذي يراه أصحاب هذا الخيار ذاته ، بالنظر لوجود أكثر من نصف مليون مستوطن في الضفة ، وحيازة المستوطنات على أجزاء كبيرة من أراضيها ، بحيث أضحت المدن والتجمعات السكنية الفلسطينية عبارة عن نقاط صغيرة محاطة بتجمعات كبيرة للمستوطنين ، بدلاً من العكس .

من السهل على أي أحد ملاحظة هذه الحقيقة ، ومثلاً ، فإن الجدار الفاصل ، أو جدار الفصل العنصري، الذي يتلوى كالأفعى بين التجمعات الفلسطينية، بات يقضم معظم أراضيها، ويضعها داخل أسوار، شبيهة بأسوار السجون، ناهيك أنه يقطع التواصل بينها، بحيث أن المسافة بين مكان وآخر والتي كانت تحتاج إلى خمس دقائق باتت تحتاج إلى نصف ساعة أو ساعة وربما أكثر من ذلك في بعض المناطق، علما أن الجدار في كل قرية أو بلدة أو مدينة يبدأ من عند آخر بيت فلسطيني، أي أنه ينتزع أي مجال حيوي لها، ويضيق على سكانها، الذين يغدون بين الأسوار فقط. وبديهي أن الوضع في القدس الشرقية أكثر تعقيدا، فالصراع فيها يجري على كل شبر من الأرض، ولاسيما في المدينة القديمة داخل السور، وهو صراع يحاول فيه الفلسطينيون التشبث ما أمكن بأراضيهم وأمكنتهم. معلوم أن السلطة الفلسطينية محصورة اليوم في المناطق أ و ب (بحسب تصنيفات اتفاق أوسلو)، بينما المنطقة ج، التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، تبلغ مساحتها حوالي 60 بالمائة من أراضي الضفة، وهي تضم الأراضي الخصبة والمرتفعات وخزانات المياه الجوفية، فضلا عن المستوطنات الكبيرة كمعاليه ادوميم قرب القدس وأريئيل قرب نابلس.

المهم أن السياسة الإسرائيلية التي قامت على الاستيلاء على الأراضي لأغراض أمنية أو استيطانية أو سياسية، وعلى إقامة الجدار الفاصل، ووضع الحواجز بين مدينة وأخرى، وبين مناطق السلطة من جهة ومناطق المستوطنات والمدن الإسرائيلية، من جهة أخرى، وفقا لمنهج «نحن هنا وهم هناك»، أسست فعلا لباستونات فلسطينية. وتاليا، فقد نجم عن ذلك، أولاً، تقليص الاحتكاك بين الفلسطينيين والإسرائيليين، علما أن ثمة حتى طرق وأنفاق للفلسطينيين وأخرى للإسرائيليين. ثانيا، هذا الواقع خلق حالة من الشعور بالارتياح لدى المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي، إذ باتوا في وضع من احتلال مريح ومربح، إذ هم لم يعودوا يدفعون أي ثمن للاحتلال، بل بالعكس فثمة عوائد جمة تعود عليهم على شكل امتيازات وعلاقات تنسيق امني واقتصادي . ثالثاً، هذا الوضع نمى عند الإسرائيليين إدراكاً مفاده أن هذا الواقع ، أي استمرار القبضة الأمنية، والسيطرة الاقتصادية، أفضل من أي واقع آخر، قد ينجم عنه تقديم تنازلات لإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين.

في المقابل من السهل على زائر مناطق السلطة ملاحظة الشعور بنوع من التعب والإحباط والشعور بغياب الأفق لدى الفلسطينيين، وحتى لدى قياداتهم، إذ منذ قيام السلطة قبل ربع قرن، مازال الوضع على حاله، وما زالت اللعبة التفاوضية لا تثمر تلك الدولة الموعودة.

في لقاءات مراجعة مع قياديين فتحاويين، وفصائل أخرى، يمكن ملاحظة أن الجميع بات يقر بحقيقة استحالة إقامة دولة فلسطينية مع كل ما يحصل، وأن إسرائيل لن تقدم شيئا في سبيل ذلك للفلسطينيين، وأن اتفاق أوسلو كان مغامرة غير ناجحة. ورغم أن مواقف البعض تشي بنوع من المكابرة في الحديث عن بعض الإنجازات، بعودة مئات ألوف من الفلسطينيين التابعين للسلطة، مثلا، إلا أن الجميع يقر بأن هذه الحالة وصلت إلى نوع من الاستعصاء، وأن الأمر لن يتعدى ذلك. هكذا وصف نبيل عمرو الواقع بأن كيان السلطة الفلسطينية هو أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي، وأن لا شيء أكثر، في الظروف والمعطيات الحالية، وأن المهم أن نعمل على حماية ذلك. أما احمد عبد الرحمن فيرى أن على الفلسطينيين التكيف مع هذه الحالة طالما أن قصة إزالة إسرائيل أضحت مستحيلة، وأن هذه الفكرة هي التي يجب أن تبنى عليها الخيارات الفلسطينية . وبديهي أن هذه النقاشات التي تشي بإخفاق المراهنة على خيار التسوية ، وأفول خيار الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، تؤكد ذاتها، أيضاً، بهشاشة بنية السلطة الفلسطينية، وتآكل دور الفصائل ومنظمة التحرير، ما يجعل الجميع يطرح سؤال ما العمل؟ أو ماهي الخيارات المتاحة والممكنة ؟