أفكار وآراء

ما الذي تبقّى من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين؟

04 يونيو 2017
04 يونيو 2017

ماجد كيالي/ كاتب فلسطيني -

مجّددا ثمة مخيم فلسطيني آخر في لبنان هو «عين الحلوة»، جنوبي صيدا، تحت النيران، علما أنه من الطوب والصفيح، بمعنى أن رصاصة واحدة يمكن لها أن تخترق جدران عدة بيوت فيه، مع ذلك فإن الحرب دارت هناك، بين المتقاتلين، بالاربي جيهات والقذائف الصاروخية، من دون أن مراعاة لأهالي المخيم المروّعين، المغلوبين على أمرهم، والذين دفعوا من قوتهم اليومي ثمن كل طوبة في بيوتهم الرثّة.

إذا نحن إزاء مخيم آخر للاجئين الفلسطينيين يتعرّض للدمار بعد مخيمات تل الزعتر والضبية (دمرا أواسط السبعينيات) وصبرا وشاتيلا (تعرض السكان فيهما لمذبحة في عام 1982) وبرج البراجنة (كان ضمن مخيمات بيروت التي شنّت حركة أمل حربا عليها بالوكالة عن النظام السوري أواسط الثمانينات)، ومخيم نهر البارد في شمال لبنان الذي شهد صعود ظاهرة «فتح» الإسلام (2007) الذي اختفى زعيمها شاكر العبسي في ظروف غامضة

طبعا يمكن أن نضيف إلى هذه السلسلة دمار عدد من المخيمات الفلسطينية في سوريا وتشريد سكانها في السنوات الماضية، ولاسيما مخيم اليرموك قرب دمشق وهو أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، كما تشريد فلسطينيي العراق بواسطة الميلشيات الطائفية ـ المذهبية، الأمر الذي يفيد بتصفية أو تفكيك مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الخارج.

لا أحد يعرف عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، أو ما تبقى منهم، بعد موجات الهجرة إلى الخارج (منذ مطلع الثمانينيات)، بخاصة إلى الدول الاسكندنافية، لكن الجميع يعرف أن معظمهم يعيشون في ظروف صعبة، لجهة حرمانهم من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي نصت عليها المعايير الدولية، كما لجهة إقامتهم في مخيمات ما زالت غير لائقة لعيش البشر، على رغم مرور قرابة سبعة عقود على إقامتها.

ورغم أن عددا كبيرا من فلسطينيي لبنان هاجروا إلى الدول الاسكندنافية والأوروبية وكندا والولايات المتحدة واستراليا، بسبب هذه الأوضاع، ورغم أن الدولة اللبنانية لا تتحمل شيئا من موازنتها إزاءهم، حيث تتولى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، ومنظمات فلسطينية سياسية أو أهلية، القيام بذلك، إلا أن قطاعا من اللبنانيين مازال يضيق بهؤلاء، معتبرا إياهم فائضا عن الحاجة، أو عبئا أمنيا أو ديموغرافيا أو طائفيا، بادعاء رفض التوطين، علما أن أحدا منهم أو من فصائلهم لم يتحدث يوما لا عن التوطين ولا عن التخلّي عن حق العودة.

الأنكى أن من تبقى من فلسطينيين في مخيمات لبنان باتوا بمثابة رهائن لبعض الجماعات المسلحة متضاربة الأهواء والسياسات والتوظيفات، بخاصة بعد الخلافات والانقسامات الفلسطينية، وبسبب تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية، وتحول ثقل العمل الفلسطيني إلى الداخل، وإقامة السلطة، وأفول دور اللاجئين في العملية الوطنية.

يستنتج من ذلك أن فلسطينيي لبنان دفعوا من وجودهم واستقرارهم وتطورهم، أكلاف وتداعيات صعود المقاومة المسلحة (1968ـ1982)، كما أكلاف وتداعيات هبوطها، أي أنهم دفعوا ثمن وجودها بينهم وانفكاكها عنهم. والمشكلة أنهم في هاتين الحالين عانوا التهميش، في المرة الأولى إزاء فصائل المقاومة التي اشتغلت على ضمهم إلى تشكيلاتها الميليشياوية، أكثر بكثير مما اشتغلت على تحسين أوضاعهم، وتنمية مجتمعهم، بإقامة المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية، وفي المرة الثانية إزاء الدولة والمجتمع اللبنانيين، ولاسيما إزاء القوى الميلشياوية المتغوّلة في بعض قطاعاته.

هكذا، فبعد أن كنا نسمع في الخمسينات والستينات والسبعينات عن نخبة فلسطينية في لبنان، فرضت وجودها في عالم الثقافة والصحافة والفنون والأكاديميا والاقتصاد، بتنا نسمع اليوم عن صعود شخصيات، أو كيانات ميلشياوية، وعن اشتباكات بين فترة وأخرى في هذا المخيم أو ذاك، لحساب أجندات متضاربة محلية وإقليمية؛ كما حصل مؤخراً، مع الشبهات التي تحيط بصعود مثل تلك الجماعات لصالح أطراف محلية، أو إقليمية بشكل أو بآخر.

هذا يحصل في وضع يبدو فيه المجتمع الفلسطيني في لبنان - على سبيل المثال بالطبع - مغلوبا على أمره، إزاء السلاح والمسلحين، فلسطينيين أو غير فلسطينيين، ما يثقل عليه، ويسهم بتدميره، وفي وضع تبدو فيه القيادة الفلسطينية غير قادرة فيما يبدو أو قد لا تبذل الجهود الكافية لمساعدة فلسطينيي لبنان على تجاوز هذه الحالة، لاسيما أنها مسؤولة عن «التركة» التي أورثتهم إياها من حقبة الكفاح المسلح، وأنها تعتبر نفسها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين.

لهذه الأسباب بات الوضع يتطلب من الطرفين المعنيين، أي الجانبين الفلسطيني واللبناني، الإقدام على مراجعة هذا الملف، بمختلف جوانبه، أي ليس فقط جوانبه الأمنية (المتعلقة بموضوع السلاح)، وإنما بجوانبه السياسية والاجتماعية والقانونية أيضا.

وبشكل خاص فإن المعنيين في الساحة الفلسطينية مطالبون بالإقدام على مراجعة خطاباتهم وبناهم وأشكال عملهم في لبنان، لا سيما بما يتعلق بشأن التواجد المسلح في هذا البلد العربي الذي تظل له ظروف خاصة الى حد كبير. ولعل ذلك يفترض ضمنا العمل على طي مسألة التواجد العسكري في لبنان داخل المخيمات وخارجها، لقطع الطريق على استدراج الفلسطينيين للتورط بشكل أو بآخر في الصراعات الداخلية اللبنانية، ولوضع حد لعمليات التوظيف الخارجي للقضية الفلسطينية وللسلاح الفلسطيني كذلك. وحينها يمكن للفصائل التي تحبّذ السلاح أن تركز جهودها على المقاومة ضد إسرائيل، وأن ترحم الفلسطينيين في لبنان، بما تبقى لهم من مخيمات أو من بيوت تأويهم.