أفكار وآراء

قمة الناتو في بروكسل: المضامين والانعكاسات على الأمن الإقليمي

04 يونيو 2017
04 يونيو 2017

د . أشرف محمد كشك/ مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية -

هل ستكون منطقة الشرق الأوسط ساحة لحرب باردة جديدة في ظل الوجود الروسي على جبهتي الناتو الجنوبية والغربية وإشارة ترامب لذلك التحدي كمحدد لمستقبل الناتو؟.

اكتسبت القمة التي عقدها حلف الناتو في بروكسل في 25 مايو2017 أهمية بالغة لثلاثة اعتبارات أولها: أنها القمة الأولى التي يشارك فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي وصف الحلف خلال حملته الانتخابية بأنه «منظمة عفا عليها الزمن».

وعلى الرغم من تأكيده سواء خلال حفل التنصيب أو ما بعده حرص الولايات المتحدة على تعزيز تحالفاتها وشراكاتها فإن علاقة الولايات المتحدة بالحلف لا تزال محل جدل. وثانيها: جاءت تلك القمة في أعقاب الجولة التي قام بها الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط والتي عكست توجها مغايرا للإدارة الأمريكية السابقة التي انحسرت عن الأزمات الإقليمية. وثالثها: تعد القمة الأولى في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وسيادة مخاوف لدى الاتحاد بشأن مدى التزام الإدارة الأمريكية بأمن دوله ومدى قدرة الاتحاد على صياغة سياسة أمنية مستقلة مستقبلاً.

ومع التسليم بما سبق فقد عكست نتائج القمة تحولات مهمة ليس فقط في رؤية حلف الناتو للأمن العالمي بل في مسار العلاقات الأطلسية - الأمريكية عموماً، فقد حدد الرئيس الأمريكي رؤيته لحلف الناتو مستقبلاً بالقول: حلف المستقبل يجب أن يركز على الإرهاب والهجرة والتهديدات من روسيا على الحدود الشرقية والجنوبية للحلف، ثم فإن إعلان حلف الناتو عن انضمامه للحملة الدولية للحرب ضد داعش حيث سوف تقتصر جهوده على التنسيق وإجراءات التدريب، بالإضافة إلى إعلان الحلف عن تأسيس وحدة معنية بمحاربة الإرهاب وتعيين ممثل عن الناتو في منصب منسق تنفيذ الخطة الأطلسية لمحاربة الإرهاب يعكس حرصا أطلسيا على الانخراط بشكل أكبر في الجهود الدولية للتصدي للإرهاب، ومع أهمية تلك الخطوات فإن التساؤل هو هل تعد كافية لرأب الصدع بين الحلف والولايات المتحدة والتي تسهم بنسبة تفوق 75% من ميزانية الحلف؟ وواقع الأمر أن إعادة مطالبة الرئيس ترامب لأعضاء الحلف بسداد نسبة الإنفاق الدفاعي المقررة والتي توافق عليها أعضاء الحلف في قمة ويلز2014 وهي نسبة 2% من الدخل القومي، تعني أن ثمة أزمة حقيقية بين الولايات المتحدة والحلف حيث أشار ترامب إلى ذلك صراحة خلال قمة وارسو، «معرباً عن أسفه من أن 23 دولة من 28 دولة من دول الحلف لا تزال غير ملتزمة بسداد نسبتها الدفاعية في الحلف»، الجدير بالذكر أن الدول الملتزمة بذلك هي أمريكا وبريطانيا واليونان وبولندا واستراليا.

وأتصور أن مسار العلاقات الأمريكية-الأطلسية مستقبلاً لن يكون له انعكاس على الحلف كمنظمة فحسب بل على الاتحاد الأوروبي ذاته في ظل التداخل بين عضوية المنظمتين فهناك 22 دولة من دول الاتحاد هم في الوقت ذاته أعضاء في الناتو،وهناك مخاوف لدى الدول الأوروبية بشأن مدى الالتزام الأمريكي بأمن أوروبا تلك المخاوف التي ازدادت في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وسعي كل من فرنسا وألمانيا لبلورة سياسة دفاعية مستقلة نسبياً للاتحاد الأوروبي إلا أن ذلك قد اصطدم بمعوقات عديدة ليس أقلها استمرار رؤية الدول الأوروبية للناتو كمظلة أمنية مهمة في ظل رفض الدول الشرقية داخل الاتحاد الأوروبي فكرة الجيش الأوروبي الموحد حتى لا تكون هناك منافسة مع الناتو، بالإضافة إلى ضآلة حجم نفقات الدفاع الأوروبية مقارنة بالولايات المتحدة ففي حين تبلغ النفقات الدفاعية للولايات المتحدة 618.7 مليار دولار نجد أن نفقات الدفاع دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة لا تتجاوز 219 مليار دولار.

وإذا كانت علاقة الولايات المتحدة بالناتو يمكن تفسيرها من منطلق واقعي يؤسس على ثقل الولايات المتحدة داخل الحلف فإن التساؤل الأهم هو مدى تأثير التطورات داخل الحلف على سياسات وهوية الاتحاد الأوروبي ذاته، ففي الوقت الذي يعكس الحلف مفهوم القوة الصلبة فإن الاتحاد الأوروبي لطالما حرص على انتهاج سياسة مختلفة نسبياً تعكس مفهوم القوة الناعمة كمنهج لتسوية الأزمات الدولية عموماً.

وبوجه عام أتصور أن الحلف سوف يستمر كآلية مهمة للدفاع عن دول غرب أوروبا ولكن ضمن رؤية جديدة تضمنها المفهوم الاستراتيجي للحلف الصادر عام 2010 والذي حدد إجراءات استباقية يتعين على الحلف القيام بها لمنع وصول التهديدات إلى أراضي الدول الأعضاء. وعلى الرغم من عدم إشارة ترامب خلال قمة وارسو لمضمون المادة الخامسة والتي تعد جوهر عمل الحلف بأن أي اعتداء على دولة من دول الحلف يعد اعتداءً على دول الحلف جميعها فإن ذلك لا يعني تخلي الولايات المتحدة عن مسؤوليتها تجاه أعضاء الحلف بل سوف تستمر ولكن ضمن سياسة تقاسم الأعباء التي تدركها دول الحلف جيداً وتعمل على تجنب مصير الاتحاد الأوروبي بإعلان دولة أو أكثر نيتها الانسحاب من تلك المنظمة الدفاعية الأهم في العالم بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة.

وبنظرة استراتيجية أوسع يثار تساؤل آخر مهم مفاده ما هو تأثير انخراط الناتو بشكل أكبر في مواجهة الإرهاب في الشرق الأوسط على الأمن الإقليمي عموماً ؟ ولا تخل الإجابة عن ذلك التساؤل من تعقيد بقدر تعقيد المشهد الإقليمي ذاته، ويمكن الإشارة إلى ثلاث قضايا أساسية تستوجب التفكير:

الأولى: هل ستكون منطقة الشرق الأوسط ساحة لحرب باردة جديدة في ظل الوجود الروسي على جبهتي الناتو الجنوبية والغربية وإشارة ترامب لذلك التحدي كمحدد لمستقبل الناتو؟

والثانية: في ظل انتهاء الحدود الفاصلة بين مستويات الأمن الإقليمي والأمن العالمي هل سوف يؤدي ذلك بالضرورة إلى انتهاء الحدود الفاصلة بين سياسات الناتو من ناحية وسياسات الاتحاد الأوروبي من ناحية ثانية؟ بل والأهم ما هو تأثير ذلك على الشراكات الإقليمية للناتو ورؤية دول الشرق الأوسط للاتحاد الأوروبي؟

والثالثة: ما هو تأثير انخراط الناتو في مواجهة الإرهاب على تماسك الحلف ذاته ومن ذلك على سبيل المثال فإن دعم حلف الناتو لبعض الفصائل المسلحة في سوريا التي تصنفها تركيا ضمن التنظيمات الإرهابية ربما يكون مثار خلاف بين تركيا وأعضاء الحلف.

وبغض النظر عن وجود إجابات قاطعة لتلك التساؤلات من عدمه فإن الأمر الذي لا يقبل الشك هو أن هناك معادلة إقليمية دولية آخذة في التشكل سوف تعيد رسم المشهد الإقليمي برمته.