1025003
1025003
المنوعات

96 راويا يسردون صورة مسقط وحياتها الاجتماعية والاقتصادية .. في كتاب

29 مايو 2017
29 مايو 2017

كنز من المعلومات الناطقة والدقيقة -

العمانية: يعتبر كتاب ولاية مسقط الحياة الاجتماعية والاقتصادية الذي صدر عن مشروع التاريخ المروي الذي تنفذه وزارة التراث والثقافة من إعداد الدكتور سليم بن محمد بن سعيد الهنائي كنزا من المعلومات الناطقة والدقيقة للحياة الاجتماعية والاقتصادية لهذه الولاية العريقة التي رواها (96) راويا وراوية من أهالي ولاية مسقط مع الاستعانة بعدد من المراجع البحثية التي بلغت (36)

مرجعا بحثيا، وجاء الكتاب في طبعة أنيقة تقع في مائتين وثلاث صفحات.

ووفق ما جاء ذكره في مقدمة هذا الكتاب المهم فإن التاريخ الشفوي لا يزال رغم أهميته يواجه كثيرا من التحديات، وقد أدركت العديد من الدول حول العالم أهمية التاريخ الشفوي في تسجيل وحفظ مآثر وتراث الشعوب لكن على الرغم من ذلك ما يزال ينظر له أنه لا يعادل أهمية الوثائق والتراث المخطوط.

ويرى بعض المؤرخين أنه لا يمكن اعتبار التاريخ الشفوي أو الشهادة الشفوية تاريخا بحد ذاتها، وإنما هي صور حية لأحداث مكتوبة؛ إلا أن أهمية الشهادة الشفوية تظهر عند غياب الوثائق المتصلة بذلك الحدث فمن ساهم في ذلك الحدث يعتبر شاهد عيان وشهادته وثيقة يجب أن تسجل، فهو ممن صنع أو كان له دور في القيام به إضافة إلى أنه إذا غابت الوثائق عن الحدث أو عندما لا تعطي الوثيقة الجواب الشافي فعندها لا بد من جمع شهادات عدد من الناس الذين شاركوا فيه أو عاصروه، وبالتالي فإن الشهادة الشفوية تلقي ضوءا يوضح الحدث ويساهم في تفسيره.

ويرى القائمون على هذا العمل أن الباحثين اختلفوا في تعريف التاريخ الشفوي ومواضيعه وحدوده، خاصة تقاطعه مع التراث الشعبي (الفلكلور) على أن التاريخ الشفوي - من وجهة نظر المؤرخين- هو تسجيل وتوثيق وتصنيف المعلومات الشفوية المستقاة من ذكريات الناس في الماضي القريب والمستندة على تجاربهم وآرائهم حول أحداث ومظاهر معينة.

فهو بعبارة أخرى دراسة الماضي من خلال روايات شهود العيان الذين عاصروا الحدث وشاركوا فيه.

وإنه منظومة تقدم أحداثا من خلال عقد مقابلة شخصية مع شاهد عيان لحدث معين أو شارك في صنعه وكان أحد المعاصرين لوقوعه.

وبالنسبة للسلطنة فالذي نطالعه دراسات تتكلم عن الموروث الشعبي والعادات والتقاليد والأزياء الشعبية أصدرتها وزارة التراث الثقافة، ولكن الدراسات على مستوى التاريخ الشفوي قليلة على المستوى البحثي (دكتوراه، ماجستير، بحث) التي تتناول التاريخ الشفوي لولاية مسقط وتبحث فيه بأسلوب علمي حديث، وإن كانت قد شقت طريقها منذ فترة وهناك جهود كبير مبذولة في هذا المجال.

ولأهمية الموروث العريق لولاية مسقط في جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية كان لا بد من حفظه وتدوينه، إذ تعد هذه الولاية من الولايات المهمة في التاريخ العماني، حيث قامت بأدوار سياسية وثقافية واقتصادية على مر التاريخ، فما تزخر به من معالم تاريخية وأثرية ضاربة في عمق التاريخ تدل دلالة واضحة على عراقة هذه الولاية ودورها الحضاري على مر العصور، وتأثيرها المباشر على حياة المواطن العماني في الماضي والحاضر.

وأخذ كتاب مشروع جمع التاريخ المروي لولاية مسقط الحياة الاجتماعية والاقتصادية طابع الشمولية من خلال ثمانية فصول بداخل كل فصل عدد من المباحث حيث اشتمل الفصل الأول الذي حمل عنوان /‏‏الجغرافيا المكانية والحضرية لمسقط/‏‏ على ثلاثة مباحث تحدث المبحث الأول عن /‏‏جغرافية مسقط/‏‏ فيما تحدث المبحث الثاني عن /‏‏العمارة الحربية في مسقط/‏‏ فيما جاء المبحث الثالث حول /‏‏الدخول والخروج من بوابات مسقط/‏‏. أما الفصل الثاني فقد تحدث من خلال مبحث واحد عن /‏‏المباني الرسمية والمدنية في مسقط/‏‏ فيما ذهب الفصل الثالث للحديث عن /‏‏النشاط الاجتماعي في مسقط/‏‏ من خلال عشرة مباحث حمل الأول عنوان /‏‏مجتمع مسقط/‏‏ والثاني /‏‏العادات والتقاليد في مسقط/‏‏ أما الثالث فتحدث عن /‏‏المناسبات الوطنية والدينية/‏‏ والرابع /‏‏الوفيات وتقديم العزاء/‏‏ أما الخامس فتطرق إلى /‏‏المأكولات الشعبية والأزياء/‏‏ فيما روى المبحث السادس /‏‏الألعاب الشعبية/‏‏ وتطرق المبحث السابع إلى /‏‏ظهور السيارات في مسقط/‏‏

وحمل المبحث الثامن عنوان /‏‏وسائل الإعلام/‏‏ والتاسع تحدث عن /‏‏التواصل بين مسقط وبقية المدن/‏‏ والمبحث العاشر والأخير تطرق إلى /‏ ‏مواد البناء وشكل العمارة/‏‏ وجاء الفصل الرابع ليتحدث عن /‏‏العلاج في مسقط/‏‏ وتحدث الفصل الخامس عن /‏‏التعليم/‏‏ فيما أبرز الفصل السادس /‏‏النظم والقوانين والعقوبات/‏‏. وفي الجانب الاقتصادي نجد الفصل السابع قد تحدث عن /‏‏النشاط الاقتصادي في مسقط/‏‏ من خلال ثمانية مباحث حمل المبحث الأول عنوان /‏‏أحوال مسقط وأهلها/‏‏ فيما جاء المبحث الثاني تحت عنوان /‏‏المهن والحرف التي مارسها سكان مسقط/‏‏ وجاء المبحث الثالث ليتحدث عن /‏‏أسواق مسقط/‏‏ والمبحث الرابع عن /‏‏السلع والبضائع/‏‏

وتحدث المبحث الخامس عن /‏‏أشهر التجار والباعة في أسواق مسقط/‏‏ فيما تطرق المبحث السادس إلى /‏‏الأعمال الحكومية/‏‏ وتحدث المبحث السابع عن /‏‏العملات/‏‏ أما المبحث الثامن فقد ركز على /‏‏التنظيم وإدارة النشاط الاقتصادي/‏‏ أما الفصل الثامن فيجد القارئ لهذا الكتاب شرحا وافيا عن /‏‏الخدمات العامة في مسقط/‏‏ ومن خلال تلك الفصول الثمانية سيعيش القارئ برهة من الزمن مع تاريخ حافل متعدد الأنواع مروي بلسان من عاش في مسقط في تلك الحقبة من الزمن أو ممن سمع في صغره من أبيه أو جده.

وعن التاريخ الشفوي وأهمية دراسته يرى القائمون على هذا الكتاب القيم أن التاريخ الشفوي يعد من أهم الأبحاث التاريخية الخاصة بالعلوم الإنسانية، إذ يتيح للباحث التطرق إلى موضوعات ووسائل بحث أكثر انطلاقا وانفتاحا على التاريخ، فالتاريخ الشفوي يستطيع إلقاء الضوء على عدة دراسات مهمة قد تكون غائبة، فيعد الذاكرة للأمة يعرض من خلاله الروايات المراد دراستها كهمزة الوصل بين الماضي والحاضر، كما تعد الرواية الشفوية /‏‏ORAL TRADTION /‏‏ من أهم المصادر في تناول التاريخ القريب.

والتاريخ الشفوي العماني الحديث أحوج ما يكون إلى الدراسة والتوثيق، فالمصادر العمانية المكتوبة قليلة، ولم يتناول مؤلفوها غالبا الجانب الشفوي من التاريخ.

فعندما لا تعطي المصادر المكتوبة معلومات متكاملة ومفيدة عنها فلابد من جمع شهادات الناس ومذكراتهم من الذين شاركوا أو شارك آباؤهم فيها.

وإن روايات الذين كانوا جزءا من صنع هذا الفن أو جزءا من المشهد لا يمكن أن تهمل خاصة إذا تعامل معها الباحث بمنهجية ودقّة.

ثم إن التاريخ الشفوي العماني إذا أمكن تسجيله سيحافظ على الهوية الوطنية العمانية، ذلك أنه أحد المكونات الثقافية للمجتمع العماني، ومن هنا كان حفظه وتدوينه مسؤولية ملحة في الوقت الحاضر، لأن كبار السن في طريقهم إلى التناقص بمرور الزمن.

وتنبع أهمية الدراسة من خلال أن الشهادات التاريخية تشكل مصادر شفهية قيمة بالنسبة للأرشيفيين وكذلك بالنسبة لعلماء الاجتماع عموما والتاريخيين خصوصا، كما تهدف إلى المحافظة على التاريخ الشفوي وتجسيد الماضي وتوفير معرفة أساسية للمشتغلين بالتاريخ عن هذه الولاية من خلال التعرف على مكنونات الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة في مسقط وتوفير مصدر للمؤسسات الثقافية بتاريخ مسقط.

وعن فكرة مشروع التاريخ المروي لولاية مسقط ومن أجل مزيد من المعلومات والفائدة يرى الدكتور سليم بن محمد الهنائي خلال حديثه لوكالة الأنباء العمانية أن تاريخ مسقط يعتبر مبهما لدى البعض بسبب عدم وجود مادة مكتوبة تؤرخ لمسقط خاصة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية، ولا يعرف الناس سوى ما تتناقله الألسن من كبار السن ممن سكن مسقط أو زارها، خاصة أن مسقط العاصمة تحتوي على الميناء الرئيسي، وبالتالي كانت أعداد من العمانيين تزور مسقط، وهؤلاء يسجلون ما تشاهده أعينهم لكنه ظل حبيس الفكر.

وأضاف الهنائي أنه يحاول منذ سنوات مضت أن يجمع مادة عن مسقط لكن كانت المادة شحيحة، فكانت الفكرة الاعتماد على المصادر الشفوية بعد أن احتضنت وزارة التراث والثقافة هذا المشروع الذي يهدف في الأساس إلى توثيق الرواية الشفوية ويقوم في البداية بحصر الرواة في ولاية مسقط ومن ثم تسجيل الروايات الشفوية وفرزها وتحليلها على أن يتم لاحقا إصدار بحث عن تاريخ ولاية مسقط بهدف الحفاظ على هذا الإرث من الضياع مع تقادم الزمن ونسيانه وفقده بسبب فقد الجيل الكبير من الرواة كذلك بسبب ترك العادات والتقاليد فيهدف إلى غرس هذا التراث في نفوس الناشئة من أبناء المجتمع العماني ليظل يتداول جيلا بعد جيل.

ومن واقع ما جاء في هذا الكتاب من مادة علمية وثقافية وخبرية مروية يتضح مدى الجهد الذي بذله فريق عمل المشروع الشفوي وهو في الغالب يأخذ قسما كبيرا من الجهد في العمل الميداني، لأسباب من ضمنها صعوبة الوصول إلى الرواة، وطريقة محاورة الراوي واستخراج المعلومات منه، وهذا يتطلب فريقا متمرسا مدربا، لكن ووفق ما ذكره الدكتور سليم الهنائي بحداثة عهد القائمين على مثل هذه المشاريع كان الاعتماد على أنفسهم في تدريب الفريق أما مشكلة الفريق فهذا جانب آخر يتمثل في ترك بعض أفراد الفريق المشروع والانسحاب منه لأسباب مختلفة من ضمنها الجهد الذي يتطلبه العمل.

وهذه مشكلة بالنسبة لنا حيث نحتاج إلى ضم فرد جديد، وهذا بدوره يحتاج إلى تدريب وشرح وتعليم.

ويؤكد الهنائي أن القارئ لهذا الكتاب يجد تعدد مصادر توثيق تاريخ مسقط، حيث إن تلك المصادر تنوعت بين مصادر الجغرافيا الإسلامية وكتب رحلات العرب والمسلمين، وكتب الرحالة الغربيين، ومؤلفات قناصل الدول الأجنبية والمتاحف المتوفرة في مسقط، وجريدتي الوطن وعمان وتلفزيون سلطنة عمان وغيرها، وكل هذه المصادر بهدف سد الثغرات في الروايات الشفوية حتى تكتمل الرواية؛ لأن الكثير من الروايات تكون مبتورة بسبب نسيان الراوي أو عدم وجود راو يستطيع أن يفصل في ذلك الموضوع.

ويقول الدكتور سليم بن محمد الهنائي إن لكل عمل صعوبات وتحديات فإن هذا العمل قد نال ما نال من الصعوبات والتحديات في جمع مادة المشروع..

كما أن أغلب المشاريع البحثية الشفوية تشترك في المعوقات لكن التحديات التي واجهتها في مسقط تختلف بسبب خصوصية مسقط، ويمكن إجمال أبرز التحديات في التغييرات الكبيرة التي حدثت في مسقط منذ الستينات حتى نهاية السبعينات، وهذه التغييرات عملت على طمس كافة الملامح التي ميزت مسقط من خلال أسوارها وبواباتها ومبانيها إضافة إلى خروج معظم السكان خارج مدينة مسقط، حيث انتشروا في ضواحي العاصمة نحو السيب والعامرات وغيرها، وهذا الانتشار عمل على صعوبة التواصل معهم أو التعرف على من سكن في مدينة مسقط.

ومن بين التحديات أيضا أن نسبة كبيرة من السكان التي تقطن حاليا في مدينة مسقط وفدت إليها واستقرت منذ فترة قليلة لا تتجاوز العشرين سنة وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا مصدرا للرواية الشفوية نظرا لحداثة العهد بمسقط وخصوصيتها، ومن بقي من سكان مسقط فإنه توفاه الله أو لا يستطيع إجراء المقابلة بسبب كبر السن أو المرض والعجز.

أما عن أهم النتائج التي احتوى عليها الكتاب فقد بين الدكتور سليم بن محمد الهنائي أن البحث أظهر أن مسقط كانت محط أنظار الجغرافيين المسلمين كما أشاروا إلى أهمية مينائها الذي لعب دورا رئيسيا في حركة التجارة البحرية، ووضح البحث النشاط الاجتماعي الذي يتمتع به سكان مسقط، وهو في مجمله لا يخرج عما كان سائدا في المجتمع العماني ككل من حيث العادات والتقاليد..

كما عرض البحث الجوانب الاقتصادية وأهم الحرف والمهن التي مارسها سكان مسقط، مع تناول العوامل التي ساهمت في خروج الكثير من السكان للعمل خارج مسقط بحثا عن الرزق.

ولأن دراسة هذا الكتاب قد عايشت الواقع فلابد أن تكون هناك معلومات جديدة كشفت عنها الدراسة فقد وضح الهنائي أن هناك الكثير ممن سوف يقرأ البحث سيلاحظ ذلك، فقد أزاح الستار عن جانب اجتماعي مهم من ناحية طبيعة المجتمع المسقطي، ولعل سكان مسقط حظوا بنوع من التطور يسبق باقي مدن عمان، من ناحية الحرف التي تمارس في مسقط التي وصلت إلى حوالي ثلاثين حرفة.

ووضح البحث الجوانب المتعلقة بالناحية الصحية والعلاجية وأثر ذلك على السفر نحو مسقط من باقي محافظات السلطنة مع التأكيد على أن تاريخ ولاية مسقط بحاجة إلى مزيد من الدراسات فلا يمكن أن يغطيه بحث أو بحوث، وتظل دائما هناك جوانب عديدة بحاجة إلى دراسة وكشف مجاهلها، مثال ذلك التاريخ السياسي لمسقط الذي تناول الجوانب المتعقلة بالحكومة والإدارة.