1014958
1014958
إشراقات

الصوافي: رمضان مدرسة لتجديد الإيمان وتهذيب الأخلاق.. وفرصة لغفران الذنوب

25 مايو 2017
25 مايو 2017

لا يستقبل بالإسراف والسهر في اللهو واللعب -

متابعة - سالم بن حمدان الحسيني -

أوضح فضيلة الشيخ حمود بن حميد الصوافي أن المسلم العاقل الكيس الفطن لجدير به أن يستقبل شهر رمضان على أنه مدرسة لتجديد الإيمان، وتهذيب الأخلاق، وتقوية الروح، فيستقبل بالعبادة، وبأنواع الطاعات وصنوف القربات؛ لأنه فرصة لو أفلتت من العبد كانت عليه حسرة يا لها من حسرة، فهو شهر المغفرة، ومن حرم المغفرة في رمضان عظمت مصيبته، وطالت حسرته، ولا يُستقبل شهرُ رمضان بالتأفف والتبرم والاستثقال؛ فإن ذلك شأن من لم يستشعر في قرارة نفسه عظمة رمضان، ولا يستقبل شهر رمضان بالإسراف في إعداد الموائد الزاخرة بألوان من الطعام والشراب، وبالسهر في اللهو واللعب ومشاهدة ما لا تحمد عقباه إلى طلوع الفجر، وبالنوم العميق إلى غروب الشمس؛ فإن ذلك شأن الغافلين، ولا يستقبل بالتحلل من صومه، والترخص في فطره من غير عذر شرعي أباح الله سبحانه وتعالى به الفطر لأهل الأعذار.

وبيّن فضيلته: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان، ويحضهم على الإكثار فيه من عمل الخير، ويرغبهم في ذلك، ويخبرهم أن الله سبحانه وتعالى ينظر فيه إلى تنافسهم، ويباهي بهم ملائكته، وان السلف الصالح -رضوان الله عليهم- قد أدركوا ما في الصوم من حكم وفوائد، فكانوا مثالًا أعلى في الأخلاق الكريمة، وفي احترامهم لرمضان، وكانوا يحنّون إليه حنينًا، يتضرعون إلى الله عز وجل أن يبلغهم إياه، يرددون: «اللهم سلّمنا لرمضان، وسلّم رمضان لنا ن وتسلّمه منا متقبلًا».

وإذا منّ الله عليهم بلقائه فرحوا به فرح الظمآن الوارد والعقيم الوالد، فصاموه إيمانا واحتسابا، وعرفوا حدوده، وكفوا جوارحهم عن محارم الله.. جاء ذلك في خطبة ألقاها فضيلته بمناسبة قدوم شهر رمضان الفضيل.. وهنا نص الخطبة كاملة:

من حرم المغفرة في رمضان عظمت مصيبته وطالت حسرته -

النبي الكريم كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان ويحضهم على الإكثار فيه من الطاعات -

بادئ ذي بدء استهل فضيلته هذه الخطبة قائلا: إذا كان لبلوغ الآمال فرحة، وللظفر بالمطلوب متعة وبهجة؛ فإن من حق المسلمين جميعًا أن يستشعروا بالنعمة، وأن تكون لهم أعظم متعة وبهجة ببلوغ شهر رمضان المبارك، شهر الإيمان والقرآن، شهر الغفران والرضوان، شهر الخيرات والبركات، شهر المنح والهبات؛ فإن بلوغ شهر رمضان فرحة عظمى، ونعمة كبرى، تقع في حساب من أحياه الله سبحانه وتعالى بعد طي شهور العام؛ حتى بلغ هذا الشهر العظيم (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، (وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).

شهر المكارم

وأضاف: ولشهر رمضان من المكارم والفضائل والمزايا والنفحات ما لا يقع في الحسبان، ولا يحده بيان، «جعل الله سبحانه وتعالى صيامه فريضة، وقيامه تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضةً فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، شهر يزاد فيه رزق المؤمن، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار»، تحط فيه الخطايا، ويستجاب فيه الدعاء، وتفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم.. (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت»، ويقول عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ولو علمتم ما في فضل رمضان لتمنيتم أن يكون سنة»، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنان، وغلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين»، وجاء أيضًا: «إذا كان أول يوم من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر»، ولله عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة، وقد ورد أن لله سبحانه وتعالى في كل يوم من شهر رمضان عند طلوع الشمس وعند وقت الإفطار عتقاء يعتقهم من النار عبيدًا وإماءً، وملك ينادي من تحت العرش: هل من تائب يتاب عليه؟! هل من داع يستجاب له؟! هل من مظلوم ينصره الله؟! هل من مستغفر يغفر له؟! هل من سائل يعطى سؤاله؟!.

حسن الاستقبال

وأوضح قائلًا: إن المسلم العاقل الكيس الفطن الذي يحب الخير لنفسه لجدير به أن يستقبل شهر رمضان على أنه مدرسة لتجديد الإيمان، وتهذيب الأخلاق، وتقوية الروح، واستئناف حياة أفضل وأكمل، يستقبل شهر رمضان بالعبادة، بأنواع الطاعات وصنوف القربات؛ لأن شهر رمضان فرصة لو أفلتت من العبد كانت عليه حسرة يا لها من حسرة، فشهر رمضان هو شهر المغفرة، وجميع أسباب المغفرة متوفرة فيه، ومن حرم المغفرة في رمضان عظمت مصيبته، وطالت حسرته، ولا يُستقبل شهرُ رمضان بالتأفف والتبرم والاستثقال؛ فإن ذلك شأن من لم يستشعر في قرارة نفسه عظمة رمضان، ولا يستقبل شهر رمضان بالإسراف في إعداد الموائد الزاخرة بألوان من الطعام والشراب، وبالسهر في اللهو واللعب ومشاهدة ما لا تحمد عقباه إلى طلوع الفجر، وبالنوم العميق إلى غروب الشمس؛ فإن ذلك شأن الغافلين، ولا يستقبل شهر رمضان بالتحلل من صومه، والترخص في فطره من غير عذر شرعي أباح الله سبحانه وتعالى به الفطر لأهل الأعذار، وهم المريض والمسافر والحائض والنفساء والشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا عجزًا عن الصوم والحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما، أما عدا هؤلاء فالفطر بالنسبة لهم جناية واستهتار بالعقوبة، وجرأة على الملك الديان بالتحلل من هذه الفريضة التي شرعها الله سبحانه وتعالى؛ لمصلحة عباده؛ وليعدّهم بها إلى مدارج التقوى، والتقوى خير زاد للعباد، يقطعون بها مرحلة هذه الحياة، ثم يصيرون للمعاد إلى خير مهاد.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ، أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

وأوضح إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان، ويحضهم على الإكثار فيه من عمل الخير، ويرغبهم في ذلك، ويخبرهم أن الله سبحانه وتعالى ينظر فيه إلى تنافسهم، ويباهي بهم ملائكته، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاكم رمضان، شهر مبارك، تحط فيه الخطايا، ويستجاب فيه الدعاء، وينظر الله فيه إلى تنافسكم، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا؛ فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل».

دعاء رمضان

وبيّن الصوافي أن السلف الصالح -رضوان الله عليهم- قد أدركوا ما في الصوم من حكم وفوائد، فكانوا مثالًا أعلى في الأخلاق الكريمة، وكانوا مثالًا أعلى في احترامهم لرمضان، وعلامة ذلك أنهم كانوا يحنّون إليه حنينا، يتضرعون إلى الله عز وجل أن يبلغهم إياه، يرددون: «اللهم سلّمنا لرمضان، وسلّم رمضان لنا وتسلّمه منا متقبلا، وإذا منّ الله عليهم بلقائه فرحوا به فرح الظمآن الوارد والعقيم الوالد، فصاموه إيمانا واحتسابا، وعرفوا حدوده، وتحفظوا مما ينبغي أن يتحفظ منه، وكفوا جوارحهم عن محارم الله، حتى إذا ما أذّن المؤذن لصلاة المغرب أفطروا على الحلال من الطعام والشراب، وأشركوا معهم إخوانهم من الفقراء والمساكين، ثم اتجهوا إلى بيوت الله، فعمروها بالذكر والصلاة والدعاء والاستغفار، وهكذا كان نهارهم طاعة وصياما، وكان ليلهم تهجدا وقياما، فلا يكاد ينسلخ الشهر إلا وقد صفت أرواحهم، وقوي إيمانهم، وقرب غنيهم من فقيرهم، وأحب فقيرهم غنيهم، فرضي الله عنهم وأرضاهم.

فاتقوا الله يا عباد الله، وصوموا شهركم إيمانا واحتسابا، واعرفوا حدوده، وتحفظوا مما ينبغي أن يتحفظ منه، وكفوا جوارحكم عن محارم الله، واعمروا أوقات رمضان بالأعمال الصالحة التي تقربكم إلى الله عز وجل في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.. (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).. (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)..) وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).