أفكار وآراء

قمة مجموعة السبع الصناعية الكبرى .. تحديات واحتمالات !!

24 مايو 2017
24 مايو 2017

عبد العزيز محمود -

وسط تباين في وجهات النظر بشأن قضايا المناخ والهجرة والإصلاح المالي تبدأ القمة ٤٣ لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى أعمالها في تاورمينا بجزيرة صقلية جنوبي إيطاليا يومي ٢٦ و٢٧ مايو الجاري، في محاولة للتوصل إلى تفاهمات بشأن حزمة من القضايا السياسية والاقتصادية على رأسها كيفية تحقيق نمو اقتصادي إضافي عبر إصلاحات بحلول عام 2018 

وتبحث القمة، التي تعقد تحت شعار « إرساء قواعد ثقة متجددة»، سبل تعزيز التعاون المالي والتجارة البينية والشراكة والاستثمار عبر المحيطين الأطلسي والهادئ، وحل النزاعات وتقديم المساعدات للبلدان التي مزقتها الحرب في الشرق الأوسط وإفريقيا.

كما يشكل الإرهاب محورا رئيسيا في القمة، حيث تطالب الولايات المتحدة شركاءها في مجموعة السبع الصناعية الكبرى بدعم التعاون الأمني فيما بينها، لمواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه المالية، ومحاربة ملاذاته الآمنة، ومنع تدفق المقاتلين الأجانب الى مناطق النزاع في الشرق الأوسط.

لكن اهتمامات وأولويات مختلفة تبرز لدى اكثر من دولة من الدول السبع الصناعية الكبرى، قد تؤثر بشكل أو بآخر على نتائج الاجتماعات، التي تبدأ يوم الجمعة القادم، فبريطانيا على سبيل المثال تسعى الى دعمها في مواجهة النتائج الاقتصادية الناجمة عن خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتطالب كندا وألمانيا وفرنسا بالإسراع في تنفيذ اتفاقيات التجارة الحرة عبر الأطلسي والهادئ، بينما تركز اليابان على التهديدات التي تواجهها جراء إطلاق كوريا الشمالية للصواريخ الباليستية.

كما تأتي القمة وسط خلافات حول مشاركة روسيا، التي علقت عضويتها في المجموعة عام 2014، بعد احتلالها شبه جزيرة القرم، حيث تطالب إيطاليا بعودتها إلى مجموعة السبعة، بهدف التوصل إلى حلول سلمية للنزاع في أوكرانيا وسوريا، لكن ألمانيا تعارض الاقتراح بحجة أن أسباب تعليق العضوية مازال قائمة. وكانت المجموعة تسمى مجموعة الثماني أثناء عضوية روسيا بها .

من جانب آخر تتزامن قمة «تاورمينا » مع مفاوضات مرتقبة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي حول خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، ومفاوضات أخرى بين أمريكا والاتحاد الأوروبي لدعم الشراكة الحرة عبر المحيط الأطلسي، ومفاوضات بين أمريكا وكندا واليابان لدعم الشراكة الحرة عبر المحيط الهادئ.

وتكتسب القمة أهميتها كونها تستهدف التوصل إلى موقف موحد حول القضايا التي ستناقشها قمة مجموعة العشرين، والتي ستعقد في هامبورج بألمانيا يومي ٧و٨ يوليو المقبل، خاصة فيما يتعلق بتفادي كافة أشكال الحماية التجارية، ودعم اتفاق باريس لتغير المناخ، والعمل على تمويل مشروعات حماية البيئة، وإتباع نهج متعدد الأطراف للضرائب واللوائح المالية.

وعلى الصعيد الاقتصادي يبدو التحدي الأكبر الذي تواجهه الدول الصناعية الكبرى، هو عدم القدرة على تحقيق نمو اقتصادي إضافي بنحو 2% من خلال إصلاحات بحلول عام 2018 ، وهو ما يمكن في حالة نجاحه أن يضيف أكثر من تريليوني دولار للاقتصاد العالمي، ويوفر ملايين الوظائف.

يذكر أن مجموعة السبع الكبرى تأسست في نوفمبر١٩٧٥ تحت اسم مجموعة الـ6، ثم انضمت إليها كندا في عام ١٩٧٦ لتصبح مجموعة الـ7، ومُنح الاتحاد الأوروبي فيها مقعدا في عام ١٩٧٧، ثم انضمت لها روسيا في عام ١٩٩٤، ليصبح اسمها مجموعة الثمانية، وفي عام ٢٠١٤ علقت عضوية روسيا بعد احتلالها لشبه جزيرة القرم.

وتتألف المجموعة من كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وهي تمتلك ٦٤٪ من صافي الثروة عالميا (٢٦٣ تريليون دولار) و٣٢٪ من إجمالي الناتج المحلي العالمي الإجمالي، فضلا عن أكبر احتياطيات الذهب في العالم.

وتتعامل المجموعة مع إدارة الاقتصاد الكلي والتجارة الدولية والعلاقات مع البلدان النامية والعلاقات الاقتصادية بين الشرق والغرب والطاقة والإرهاب والهجرة واللجوء والعمالة وامتد نشاطها ليشمل قضايا البيئة والجريمة والمخدرات ومراقبة الأسلحة والأمن السيبراني.

كما تعمل على تعزيز قيم الديمقراطية والحرية الفردية والتقدم الاجتماعي، وهي قيم تتعرض للانتهاك في بلدان عديدة حول العالم، وفي مواجهة التهديدات من جانب الشعبوية والقومية والحمائية التي يغذيها شعور بالحرمان الاقتصادي والاجتماعي من الشرائح الأكثر فقرا، ويشارك في قمة مجموعة السبع المقبلة في «تاورمينا» رؤساء دول وحكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان فضلا عن رئيس المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي ورؤساء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وأمين عام الأمم المتحدة، كما يشارك فيها رؤساء خمس دول إفريقية هي تونس ونيجيريا والنيجر وكينيا وإثيوبيا وممثلون للاتحاد الإفريقي وبنك التنمية الإفريقي.

وتمثل قضية الهجرة محورا رئيسيا في القمة، حيث تؤكد تقديرات معهد أمريكان انتربرايز الأمريكي أن أوروبا استقبلت نحو 1.5 مليون مهاجر خلال عامي ٢٠١٥ و ٢٠١٦، مما يستلزم وضع سياسة موحدة تراعي أعداد ومعايير المهاجرين الذين يمكن قبولهم، وكيفية توزيعهم بطريقة عادلة.

وتحتل قضية الطاقة الترتيب الثاني في الأهمية، حيث تسعى مجموعة الـ٧ لإنهاء الدعم غير الفعال للوقود الصخري بحلول عام ٢٠٢٥، وهو ما تعارضه الإدارة الأمريكية، التي تهدد بالانسحاب من اتفاق باريس للتغير المناخي، بسبب عدم التزام دول أخرى بسداد التزاماتها المالية.

ويأتي النمو الاقتصادي العالمي في الترتيب الثالث، وسط محاولات من جانب مجموعة السبع الصناعية الكبرى للتوصل إلى سياسة موحدة بشأن القضايا المرتبطة بالدين العالمي، ودعم سياسات الإصلاح الهيكلي، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وسط مخاوف من تكرار الأزمة المالية التي حدثت في عام ٢٠٠٨.

حيث يبحثون اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ مصارف أوروبية كبرى من الانهيار، ومنها بنك مونتي دي باشي دي سيينا، ثالث اكبر وأقدم بنك في إيطاليا، وسط مطالبات بإنشاء اتحاد مصرفي.

وتظل التجارة هي القضية الأهم، حيث يبحث القادة مستقبل التجارة العالمية والاستثمار وسبل تسوية المنازعات بين الدول والمستثمرين، ودعم الاستثمار عبر البحر المتوسط وشمال إفريقيا والشرق الأوسط في مجالات الطاقة والبنية الأساسية، وكذلك خطة التنمية المستدامة مع إفريقيا وأفغانستان.

وعلى الصعيد السياسي يحاول قادة الدول السبع الصناعية التوصل إلى تفاهمات بشأن النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية في أوكرانيا وسوريا والعراق وليبيا ونيجيريا ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى، والملفات النووية لإيران وكوريا الشمالية، وعملية السلام في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى المجاعات الناجمة عن الجفاف وتغير المناخ في إفريقيا، وسط تقديرات بان عدد سكان العالم الذين يعانون من الجوع سوف يصل الى ٧٠٠ مليون نسمة بحلول عام ٢٠٣٠

كما يدرس القادة مدى إمكانية زيادة المساعدات المالية الميسرة للبلدان الأكثر فقرا ودمج أهداف التنمية المستدامة العالمية في السياسات الوطنية، وزيادة مساهمات الدول الكبرى في مؤسسة التنمية الدولية، باعتبارها الهيئة المانحة لمجموعة البنك الدولي، مع إعطاء أولوية للتنمية في إفريقيا.

وتواجه قمة مجموعة السبع انتقادات من قبل منظمات المجتمع المدني المناهضة للعولمة، والتي ترى أن مجموعة الـ٧ تتجاهل قضايا الفقر وعدم المساواة الاجتماعية في العالم، مما يتطلب اهتماما من جانبها بمكافحة الفقر أسوة بمكافحة الإرهاب والتهريب والهجرة غير الشرعية.

ووسط تساؤلات عن الشرعية التي تتمتع بها المجموعة لاتخاذ قرارات يمكن أن تؤثر على العالم بأسره، تتواصل الخلافات بينها حول الهجرة واستمرار العقوبات المفروضة على روسيا، والموقف من الديون اليونانية، وسبل حل النزاع في أوكرانيا وسوريا، وقضايا المناخ، والشراكة عبر الأطلسي.

وقد عقدت المجموعة 42 مؤتمرا لها حتى الآن، كان أولها في باريس عام 1975 لمناقشة أزمة الطاقة، وآخرها في آيس شيما باليابان في عام 2016، لمناقشة التحديات التي تواجه نمو الاقتصاد العالمي، ومن المقرر أن تعقد القمة 44 في كندا في مايو 2018.

ويظل السؤال قائما هل تنجح قمة مجموعة السبع في التوصل إلى تفاهمات بشأن القضايا المطروحة، أم أن التحديات أكبر من محاولات تقريب وجهات النظر؟