مرايا

ملك حفني ناصف.. باحـثــة الـبـاديــة

24 مايو 2017
24 مايو 2017

مَلَك حفني ناصف هي مثقفةٌ وأديبةٌ مصريّةٌ، وواحدةٌ من دعاة تحرير وإنصاف المرأة، والإصلاح الاجتماعي في بدايات القرن المنصرم. عاشت في قصر الباسل بالفيوم وهى إحدى ضواحي مركز إطسا، واتخذت اسم (باحثة البادية) اشتقاقاً من بادية الفيوم التي تأثرت بها، عرفت بثقافتها الواسعة وكتاباتها في العديد من الدوريات والمطبوعات وكانت تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية وتعرف شيئا من اللغات الأخرى.

كان لها دور رِيادي في مجال حقوق المرأة والإصلاح تمّ إطلاق اسمها على العديد من الشّوارع والمؤسّسات في مصر، فقد كانت أوّل امرأةٍ مصريّة جهرت بالدّعوة لتحرير المرأة ومساواتها بالرّجل، إضافةً إلى أنّها كانت أوّل فتاةٍ تحصل على الشهادة الابتدائيّة في مصر عام ألفٍ وتسعمائة، وقد حصلت لاحقاً على شهادةٍ في التّعليم العالي.

ولدت مَلَك عام ألفٍ وثمانمائةٍ وستةٍ وثمانين في حيّ الجماليّة في مدينة القاهرة، وقد كانت كُبرى أبناء الشّاعر المصري حفني ناصف القاضي، تلقت تعليمها في مدارس كانت أغلبها فرنسيّة، والتحقت بعدها بالمدرسةِ السنيّة التي حصلت منها على شهادتها الابتدائيّة، وهذا مكّنها من الانتقال إلى قسم المُعلمات في المدرسة ذاتها، وكانت أولى النّاجحاتِ فيها عام ألفٍ وتسعمائةٍ وثلاثة، وتلقت تدريباً عمليّاً على التدريس لمدة عامين لتحصل بعدها على الدّبلوم في عام ألفٍ وتسعمائةٍ وخمسة.

امتهنت مَلَك مهنة التدريس في المدرسة التي تلقت تعليمها بها لفترةٍ من الزّمن، وفي عام ألفٍ وتسعمائةٍ وسبعة تزوجت من أحد أعيان الفيّوم وانتقلت للعيش فيها، أثرت الحياة الجديدة في بادية الفيوم التي انتقلت إليها بعد زواجها عليها، حيث تعرّفت عن قرب على بؤس المرأةِ هناك وحياتها المتدنية. وتحولت مَلَك لأشهر فتاة في العقد الأوّل من القرن الماضي، وقد تلقت تشجيعها من أحمد لطفي السيّد للكتابة في جريدة (الجريدة) تحت عنوان نسائيّات، وفي تلك الفترة أطلق عليها لقب: باحثة البادية؛ بسبب توقيعها لمقالاتها بهذا الاسم في الصّحف التي كانت تكتب بها.

تميزت مَلَك بتوجهها الوطني وحسها الدّيني في جميع كتاباتها ومحاضراتها وندواتها، حيث كانت تُراعي الظروف الوطنيّة والقوميّة، وتقتبس بحرصٍ كبير من الحضارة الغربيّة، وتحولت بعدها إلى أديبةٍ وصحفيّةٍ وشاعرة، وقد ساهم حسها الدّيني في تجنب انزلاقها في خصوماتٍ مع الرّجال، وذلك من خلال مجاهرتها بالدّعوة لحريّة المرأة، كما كان لتوجهها الوطني الأثر الكبير في انحيازها لقضايا الرّجل وحريّة الشّعب، حيث إنّها قد ورثت توجهها هذا عن والدها الذي كان مُناصراً لسعد باشا زغلول.

ذكرت مَلَك أنّ الوعي السياسي عند المرأة لا يقل عما عند الرّجل، ونظمت قصيدة ملتهبة هاجمت فيها قانون المطبوعات، لتتحوّل لأول المناضلات في سبيل قضايا المرأة، وتأثرت مَلَك بالحركة الفكريّة التي ظهرت في مطلع القرن الماضي تحت قيادة الشيخ محمد عبده، وسعد زغلول، وقاسم أمين، وأحمد لطفي السيّد، وفي عام ألفٍ وتسعمائةٍ وأحد عشر، شكلت مَلَك جمعيّةً تشبه إلى حدٍ كبير جمعيّة الهلال الأحمر، وذلك إبان اعتداء إيطاليا على طرابلس الغرب، الأمر الذي جعل مصر تهبّ لنصرتها، وكان من مهمات الجمعيّة التي شكلتها إرسال المعونات من أغطية، وملابس، وأدوية، ومعونات ماليّة، لضحايا هذا العدوان.

كتبت الأديبة مي زيادة كتاباً تتحدث فيه عن ملك، أما الدكتورة بنت الشاطئ فقد نشرت دراسةً عنها، وتناولت سيرة مَلَك الكاتبة الإنجليزيّة شارلوت كامرون في كتابها شتاء امرأةٍ في إفريقيا. لها مقالات نشرتها في جريدة الجريدة ثم جمعتها في كتاب أسمته النسائيات يقع في جزأين، ولها كتاب آخر بعنوان (حقوق النساء) حالت وفاتها دون إنجازه، ومعظم أعمالها تدور حول تربية البنات وتوجيه النساء ومشاكل الأسرة .

أصيبت بمرض الحمى الإسبانية وتوفيت 1918 عن سن 32 سنة في الفيوم التي عاشت فيها حتى وفاتها، ودفنت في مقابر أسرتها في الإمام الشافعي ورثاها حافظ إبراهيم وخليل مطران بقصيدتين، وكذلك الأديبة اللبنانية مي زيادة، وتم إطلاق اسمها على عديد المؤسسات والشوارع في مصر تقديرا لدورها في مجال حقوق المرأة.

كانت ملك حفني ناصف تنطلق في أفكارها الإصلاحية من الشرع الإسلامي والالتزام بأحكامه وكانت ترى ضرورة تعليم البنات الدين الإسلامي الصحيح، وجعل التعليم الأولي لهن إجباريا وتخصيص عدد من البنات لتعلم الطب بأكمله، وكذلك علوم التربية وفن التدريس، حتى يقمن بكفاية النساء في مصر من هاتين الناحيتين، وكانت ترى إطلاق الحرية في تعلم غير ذلك من العلوم لمن تريد.

ودعت باحثة البادية إلى اتباع الطريقة الشرعية في الخِطْبة والزواج والالتزام بالحجاب، وأيدت عمل المرأة على ألا يتعارض ذلك مع رسالتها الأولى كأم وزوجة.