randa-s
randa-s
أعمدة

عطر: تعلموا مبدأ البوكا يوكا

24 مايو 2017
24 مايو 2017

رندة صادق -

[email protected] -

اليابان دولة نموذجية وهذا لم يحدث مصادفة، فتفوق اليابانيين لم يأت من فراغ، بل لأنهم يحترمون الوقت، لذلك هم يتعاملون معه بعقلانية متناهية وبمنطق فهم الغاية منه، من هنا هم لا يصارعونه بل ينظمونه. وقد أظهرت الدراسات تفوقهم العلمي المبهر، وخاصة عند الشباب في المرحلة الثانوية، حيث يتخرجون منها وهم على درجة عالية من إتقان مادتي الرياضيات والعلوم، وهذا يعود الى اعتنائهم بالتعليم، وهذا الاعتناء يترافق مع ترسيخ للقيم الإنسانية، فعلى سبيل المثال تعتمد سمعة المدرسة اليابانية على نتائج التحصيل الدراسي وعلى سلوك تلاميذها. حيث يعتبر المجتمع المدرسة مسؤولة عن كلا الجانبين معاً، ويتضح ذلك عند مخالفة أي تلميذ للقانون خارج المدرسة، حيث تستدعي الشرطة معلم الفصل، وجميع معلمي الصف الدراسي، وأم التلميذ ليعتذروا جميعاً سوياً عما بدر من التلميذ من سلوك.

من ناحية أخرى اليابان تدرك واقعها الجغرافي وما يحدث عندها من عواصف وزلازل وفقدانها للمواد الخام، من هنا كان تركيزها على تنمية الموارد البشرية، وحصنت كل هذا بخلق مبدأ مهم مبدأ العمل الجماعي، فالفرد وأنانيته غير موجودين، والفردية حالة منبوذة في المجتمع، فالجميع يعمل من أجل المجموعة، وكل هذا تحت راية “المعلم” فالقانون والنظام هما الإطار لكل عمل.

اليابانيون لا يقبلون بالخطأ غير المتعمد، لذا لديهم مبدأ في غاية الأهمية استوقفني اسمه (بوكا يوكا) حيث فرض علي مقاربة بين ما يحدث في مجتمعاتنا من أخطاء كبيرة وفادحة كان بالإمكان تفاديها، وبين أدائهم العالي الجودة. لو أننا فكرنا أن نتبع هذا المبدأ وهو مبدأ بوكا يوكا poka yoka وهذا مصطلح ياباني يعني ”منع الأخطاء غير المتعمدة والعمل على كشفها قبل وقوعها”، وأكثر المراحل تطبيقاً لهذا المبدأ مرحلة التصميم، سواء تصميم منتجات أو تصميم عمليات أخرى. القاعدة في هذا المبدأ بسيطة وثابتة، فهم يعتمدون التصاميم الجيدة والمتماسكة والقوية التي هي الركيزة الأساسية، لمنع حدوث المشاكل ولإمكانية اكتشافها في بدايتها ليسهل التخلص من عيوب أي منتج أو مشروع يُخطط له، وتعتبر شركة Toyota على يد المهندس شيجو شينجو من اوائل من تبنى هذا المبدأ، حيث يعتقد أن عيوب المنتجات ما هي إلا أخطاء للبشر يمكن تفاديها إذا تخلصنا من أسبابها، إذ يقول: تعود أسباب العيوب إلى أخطاء العامل، وبسبب إهمال هذه الإخطاء فإنها تتحول إلى عيوب عندما تصل إلى المستهلك.

ويتم الوصول لهذا الهدف باستخدام أدوات كثيرة بدءاً بالتصميم المتقن ومروراً بالتشغيل الجيد، وكل ذلك وفقا لقاعدة تقول: اذا لم تعالج الأخطاء بصورة جذرية، فإنها تؤدي الى نتائج سلبية منها: ضياع الوقت، خسارة في المال، فقدان الزبائن، زيادة في التكلفة، زيادة في الفاقد (الفاقد هو كل شيء نفعله، يتطلب تكلفة، ولا يضيف قيمة للمنتج)، تناقص الحصة السوقية للمؤسسة، خسارة المؤسسة وانتهاء أعمالها. وهم يربطون ذلك بمهارة العامل ورفع قدراته الذهنية والمهارات الأخرى، لذا ينمون إحساسه بالمسؤولية.

مبدأ قوي في دولة منتجة تعاظم دورها الإنتاجي لتصبح رقما صعبا في المعادلات الاقتصادية، قد يتساءل البعض وما الغاية من الحديث عن اليابان ومبادئها العامة؟ الغاية أن نقف جميعا كأمة تعمل بلا رؤية أو مبادئ عامة تقوي الترابط، لتحول شتاتنا الى قوة اقتصادية كبيرة تنافس القوى العالمية، فشئنا أم أبينا الاقتصاد يصنع حضورنا ويعزز وجودنا، والاقتصاد القوي يتحقق من خلال هذا المبدأ: تلافي الخطأ قبل وقوعه ودراسة احتمالاته، وكيفية التفوق على إمكانية حدوثه، من خلال العمل على رفع مستوى مهارات الإنسان والتزامه بالعمل وفق هذا المبدأ.