sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: إلى صديقي نيتشه

24 مايو 2017
24 مايو 2017

شريفة بنت علي التوبية -

صديقي العزيز نيتشه.. أتفق معك كثيراً بأن الفلاسفة يولدون بعد موتهم، فها أنا أحياك بعد موتك في كل قراءة، ومع كل قراءة كنت أقترب من نفسي أكثر، وهذا ما كنت بحاجة إليه عند قراءة الكتب، والحقيقة يا صديقي أننا لم نختر أقدارنا ولكننا تقبلناها وأحببناها، فالحياة في حد ذاتها قدر جميل أصبنا به فتقبلناه بمحبة حتى وصلنا إلى درجة العشق، ربما حياتنا تشبه لوسالومي التي أحببتها وشقيت بحبها، وسنظل هكذا دائماً وأبداً نبحث عن الحقيقة التي تكون موجودة في أعماقنا ولكننا لا نراها، لأننا نعاني قصر النظر، وهي تلك الحقيقة العظيمة والوحيدة التي يجب أن نعترف بها.

نبحث عن الحرية ونخطئ في طرق البحث عنها وقد نصادفها في إحدى الطرق لكننا لا نعرفها، نلقي بأثقالنا وإحباطاتنا على شيء أسميناه الظروف، وقد نعلن إننا نكره من نحبهم ولا نعرف مقدار وعمق وعظيم محبتنا لهم إلا حينما نكون على وشك فقدهم أو نكون قد فقدناهم حقاً، نحاول كسر تلك العلاقة التي تربطنا مع الآخر لأننا نعتقد أن تلك العلاقة تسرق منا حريتنا التي نبحث عنها، لكن التحدي الأكبر لنا هو الاستمرار كعاشقين في حياة طويلة مقدسة، وأن نبقى بنفس الوهج والاشتعال الذي كنا عليه في اللقاء الأول ولا ننطفئ، ومع ذلك نتوق للعزلة التي تمنحنا القدرة على الإبداع، ولكن تلك الصفة الاجتماعية في نفوسنا تدفعنا إلى البحث عن شخص نركن إليه، فالإنسان مهما وصل من العبقرية والإبداع والتفوق يظل كائن اجتماعي لا يمكنه الحياة وحيداً .

نرفض في داخلنا تلك الحياة غير الحقيقية التي نظن بأننا نحياها لأنها في الحقيقة موت حي، كما قلت، ولكن كم بيننا من يعيشون هذا الموت ويسيرون على الأرض وهم أموات، وكم من الخيانات التي تعرضنا لها ونظن أنها ستكسرنا وستكون القاتلة، لكننا بعد كل خيانة ننهض كمن يبعث بعد موت، ومع الأيام نتغير وتتغير عواطفنا، لأن الحياة تجذبنا إليها وتداوي جرحنا (فالأموات وحدهم لا يتغيرون).

ابك يا نيتشه لعاطفة أرهقتك وفكرة أرّقتك، ابك ولنبك معك، فنحن نحتاج للبكاء و(لكنس المدخنة ) بعد موت عواطفنا واضمحلال أفكارنا، لقد جبنت عقولنا عن حماية أفكارها، فاستسلمنا لليقين المؤطر بأطر مجتمعية باهتة، حتى ضاعت الحقيقة منا، فما عدنا نعرف أين نحن منها؟ إذن كلنا بحاجة للبكاء يا نيتشه، لأن كل منا بحاجة لعاطفة صادقة وفكرة حقيقية تدله على وجوده.