أفكار وآراء

أداء «حماية المستهلك» يَحدُّ من التضخم الموسمي للأسعار

20 مايو 2017
20 مايو 2017

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

وضعت الهيئة العامة لحماية المستهلك السلطنة بين الدول الأكثر تقدما في حماية المستهلك بالعالم من خلال شهادات دولية تثمينا لأدائها المتميز وعملها الدؤوب لأمن وسلامة أسواق السلطنة. وتأتي مبادرة معهودة من الهيئة بوضع «السلة الرمضانية» التي احتوت السلع الأكثر طلبا من المستهلك خلال شهر رمضان الفضيل وبأسعار تفضيلية تسهم في تخفيف الضغوط التضخمية التي تتعرض لها الأسواق في المواسم التي يتصاعد فيها الطلب على سلع محددة أكثر استهلاكا.

وبالرغم من أن الهيئة العامة لحماية المستهلك تعمل على مدار السنة بذات الجهد الحثيث لحماية المستهلك وأمنه الغذائي ومصالحه بنزاهة واقتدار، إلا أن حلول الشهر الفضيل من كل عام، تبادر فرق الرقابة التابعة للهيئة ببذل المزيد من الجهد وتكثيف الرقابة الميدانية على أسواق السلطنة بهدف تأمين أسواق تتميز تعاملاتها بالمصداقية والشفافية والعدالة، وتحفظ فيها حقوق جميع الأطراف والتأكد من عدم وجود أي تجاوزات تضر بالمستهلك، خصوصاً مع وجود قاعدة بيانات لأسعار مئات الآلاف من السلع لدى الهيئة وبالتالي فعند حدوث أي رفع غير مبرر لسعر أي سلعة أو خدمة سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة حياله وإحالة المتهم للجهات القضائية .

بصدور المرسومين الساميين (قانون حماية المستهلك 66/‏‏2014م) و(قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار 67/‏‏2014) فإن الهيئة العامة لحماية المستهلك تكون قد خطت باقتدار لتنفيذ مساعيها الحثيثة لتأمين الأسواق، ملبية لحاجات المستهلكين في إطار أحكام القوانين التي تعزز رؤية الهيئة ورسالتها وأهدافها.

فمنذ إنشاء الهيئة عام 2011 عملت بجهود استثنائية لتوعية المستهلك (المواطن والمقيم) على خدمة المجتمع العماني من خلال العمل على تعزيز وضع السوق وتنميته لتوفير خيارات أكثر للمستهلك بأقل الأسعار. والمتابعة المتواصلة لواقع أسواق السلطنة ومتغيراتها من خلال حملات التفتيش الدورية لمنافذ التوزيع والتأكد من التزامها بقوانين الحماية وتوفيرها للسلع بكميات مناسبة والتزامها بمعايير الجودة وبأسعار تنسجم مع متوسط الدخل الفردي للمواطنين.

كما عملت الهيئة على تجسيد مبادئ المنافسة العادلة ومكافحة الاحتكار، وإعداد الدراسات حول تنظيم السوق للحيلولة دون وقوع الاحتكار، بالإضافة إلى تشجيع المنافسة العادلة بين التجار، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية في الحكومة والقطاع الخاص فوضعت الخطط والبرامج اللازمة لتفعيل حماية المستهلك وتعزيزها في ضوء الدراسات الميدانية التي تجريها الهيئة على أسس علمية. وعملت الهيئة على تنفيذ السياسة العامة لحماية المستهلك في السلطنة وتطوير مضامينها وفق المستجدات في الأسواق بالتعاون مع بقية الوحدات الحكومية المختصة لتوحيد مسار العمل منعا لازدواجية تطبيقات معايير الحماية للوصول إلى أهدافها التي تتمحور حول إيجاد أفضل السبل لتنظيم النشاطات المرتبطة بحماية المستهلك.

وبصدر رحب وتفهم ومرونة تلقت الهيئة شكاوى المستهلكين والعمل على إنصاف المتضررين منهم في ضوء أحكام القانون . فكانت الصحف المحلية توثق يوما بيوم رد المظالم التي أعادتها الهيئة لمستحقيها من المستهلكين . وعملت الهيئة بحرفية عالية على رصد، ومحاربة الاحتيال والتلاعب الذي يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني وبالمواطن ووقفت بصلابة مع الحق في إنصاف المستهلك أمام أي جهة أغفلت أو تعمدت التجاوز على حقوق المستهلك.

تجدر الإشارة إلى أن الهيئة العامة لحماية المستهلك ستكون أكثر اقتدارا وتوسعا في تغطية أسواق السلطنة كافة في عملها الدؤوب لرصد ومتابعة تقديم خدمات الحماية بكافة مضامينها بتعاون المواطن والمقيم ومنافذ التسويق كافة مع الهيئة في إدراك طبيعة عملها ونبل أهدافها في السعي لحماية المستهلك من أي انحراف عن مبادئ الحماية التي تعامل كافة الأطراف بنزاهة وتجرد. من خلال متابعة تطور أسعار السلع في مراكز التسويق الكبرى في السلطنة فإن إدارات تلك المراكز خبرت أساليب التعامل والمناورة في تسعير السلع الأكثر طلبا في المواسم الدينية والاجتماعية كما هو الحال في شهر رمضان وعيد الفطر وغيرها من المناسبات، إذ ترفع الأسعار تدريجيا قبل حلول تلك المواسم وبنسب تصاعدية غير محسوسة ، وعند حلول المناسبة تكون أسعار تلك السلع قد استقرت على مستويات عليا من الأسعار.

فبحلول الشهر الفضيل كل عام ترتفع السلع الاستهلاكية الغذائية الأكثر طلبا من سنة لأخرى ، وتحديدا تلك المستوردة منها ، وحجة منافذ التسويق بالتجزئة الكبرى ارتفاع تلك السلع من مناشئها. تواصل الهيئة العامة لحماية المستهلك تنفيذ برامج توعية للمستهلك وذلك يأتي في سياق سعي من الهيئة وحرصها على مراقبة أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية والأكثر طلبا، ومحاولة إيجاد العديد من الوسائل للتشجيع على تناسب أسعارها مع متوسط الدخل لأوسع شرائح المجتمع العماني. كما أن الهيئة صارت تعمل بقوة القانون في تعاملها مع كل مخالفة تضر بالمستهلك سواء في أسعار السلع والخدمات أو في نوعيتها.

وبالرغم من الجهود الحثيثة للهيئة فإن المستهلك تعوّد على سلوك يحتاج إلى المزيد من الوعي في ترشيد الإنفاق عند التسوق. فطالما يدخل المستهلك السوق لشراء حاجة ما فيخرج بشراء سلع ربما لا يحتاجها آنيا. وينطبق ذلك السلوك على معظم الناس.

فهناك من يتصرف وفق حاجته الآنية فيشتريها دون غيرها. وقد وجدت الدراسات في سلوك الأفراد في التبضع أن النساء أكثر من الرجال تأثرا بقانون «العرض يخلق الطلب».

فما هي الأسباب التي تدفع المستهلك لشراء سلع لا يحتاجها آنيا؟

•اليُسْرُ المالي: من المؤكد أن المستهلك الذي يقصد بشح ماله. وهنا السوق لا يتوقع أن ينفق إلا بقدر ما يتوفر لديه من المال فالميسور أوسع رحابة في سلوك إنفاقه، والمعْوَز محكوم بشح ماله. وهنا وجب التذكير بالآية القرآنية الكريمة من سورة الإسراء «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسوراً» كما نقرأ من سورة الأنعام «… ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» ومن سورة الإسراء «و لا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين»، ومن سورة المائدة نقرأ «إن الله يحب المقسطين».

•حب التملك في السلوك الفردي: وجدت الدراسات في علم النفس أن هناك ميلا طبيعيا لدى الفرد كسلوك طبيعي. فإن شراء ما لا يحتاجه المستهلك يعتبر سلوكا دافعه حب التملك. وقد تكون هناك استثناءات في هذا السلوك يمكن تفسيره بأن بعض الأفراد يلجأون إلى شراء ما لا يحتاجونه آنيا اقتصادا وتوفيرا لرخص سعره، أو للحاجة الموسمية المؤجلة.

• الدعاية والإعلان التجاري: عدد قليل من المستهلكين لا تؤثر الدعاية والإعلان التجاري في سلوكهم عند التسوق، فمعظم المستهلكين يستجيبون للإعلان عن المنتجات التي تُعرض بأساليب مشوقة .

تنبهت الشركات الإنتاجية في النظم الرأسمالية لتلك الحقيقة السلوكية لدى المستهلكين فأوجدت ما يعرف بالإعلان التجاري (الدعاية والإعلان) للمنتجات من السلع والخدمات، واليوم فإن معظم شركات وسائل الإعلام في العالم المرئية منها والمقروءة والمسموعة قائمة على الدعاية والإعلان . وما يجب أن نعرفه هو أن المستهلك يساهم في أرباح شركات الإعلان التجاري وشركات وسائل الإعلام عند شرائه السلع التي يشاهدها أو يقرأ عنها أو يسمعها ، ويكفي أن يعرف المستهلك أن نسبة تكلفة الإعلان وأرباحه في سعر السلعة التي يشتريها المستهلك قد تصل إلى أكثر من 50% من جملة تكلفة إنتاجها وتسويقها.