1012422
1012422
إشراقات

خطوات الاستعداد لاستقبال شهر رمضان الكريم.. «1»

18 مايو 2017
18 مايو 2017

نفحات من شهر البركات -

فوزي بن يونس بن حديد -

[email protected] -

على المسلمين أن يستعدّوا ويستنفروا قواهم ويستنفذوا الجهد لاستقبال هذا الضيف الكبير العزيز على نفوسهم جميعا، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يستقبل هذا الشهر ويمنحه من الوقت الكافي للاستعداد البدني والنفسي، استعدادا يتمثل حصرا في الطاعة لرب العالمين وحبس النفس على ما أمر المولى عز وجل قدر طاقتها بل أكثر من طاقتها، وعندما يُسأل رسولنا -صلى الله عليه- لماذا تفعل هذا وأنت من غفر الله لك جميع الذنوب يرد عليه الصلاة والسلام: «أفلا أكون عبدا شكورا» ليكون فعلا قدوة وأسوة كما ذكر القرآن الكريم «ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر»، كما أنه عليه الصلاة والسلام كان كثير الصيام في شهر شعبان حتى يستعد لرمضان وهو في أحسن حال.

في كل عام وعندما يحين وقت دخول شهر رمضان يستعد المسلمون أينما كانوا لاستقبال شهرٍ هو من أفضل الشهور على الإطلاق، شهرٍ ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وخصه بالذكر دون سائر الأشهر الأخرى عندما قال سبحانه وتعالى: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان» لبيان أهميته من حيث العطاء والأجر والثواب، فإضافة إلى أنه نزل فيه دستور المسلمين كلّفنا الله تبارك وتعالى بصيامه كاملا واجبا على كل مسلم ومسلمة بدليل قوله تعالى: «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» وهذا الأمر يفيد الوجوب ولا قرينة تصرفه عن ذلك، غير أن المولى تبارك وتعالى استثنى بعد هذه الآية الكريمة التي أوجبت على المسلمين صيام شهر رمضان أصحاب الأعذار من الرجال والنساء المكلفين حتى يتوافق هذا الاستثناء مع قوله عز وجل: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» وتتبين فلسفة الإسلام في مراعاة جميع الفئات من الناس، كيف لا وهو الخالق العالم بأمور العباد، وهو المشرّع الأساس لكل العبادات والفرائض والواجبات.

وأمام هذا التكليف العظيم من ربّ العالمين، يبقى على المسلمين أن يستعدّوا ويستنفروا قواهم ويستنفذوا الجهد لاستقبال هذا الضيف الكبير العزيز على نفوسهم جميعا، وعندما نلاحظ كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستقبل هذا الشهر ويمنحه من الوقت الكافي للاستعداد البدني والنفسي، استعدادا يتمثل حصرا في الطاعة لرب العالمين وحبس النفس على ما أمر المولى عز وجل قدر طاقتها بل أكثر من طاقتها، وعندما يُسأل رسولنا الكريم صلى الله عليه لماذا تفعل هذا وأنت من غفر الله لك جميع الذنوب قديمها وحديثها يرد عليه الصلاة والسلام: «أفلا أكون عبدا شكورا» ليكون فعلا قدوة وأسوة كما ذكر القرآن الكريم «ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر»، كما أنه عليه الصلاة والسلام كان كثير الصيام في شهر شعبان حتى يستعد لرمضان وهو في أحسن حال، لحديث عائشة رضي الله عنها التي قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا شهر رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان» وفي الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان»، وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله» فكل هذه الأدلة تعلم الأمة كيف تستقبل الشهر العظيم والاستعداد النفسي والبدني.

وعندما نرى أحوالنا اليوم، ومنذ بدايات الشهر العظيم نرى الشحوب باديا على الوجوه، وتعكّر المزاج واضحا على كثير من النفوس، وترى حالة من الامتعاض تجتاح القلوب لأن الشهر الكريم حرمها من كثير من الشهوات التي كانت تمارسها في غيره من الأيام، لأنها لم تستعد جيدا لحالة الصيام ولم تقرأ حسابها جيدا أنها ستواجه الظمأ والجوع خلال النهار وغض البصر ولجم اللسان عن كل السيئات، يجد المسلم نفسه كأنه محصور في فئة من الأعمال، قرآنٌ وصيامٌ وصلواتٌ، فينتفض لها في بداية الأيام ثم سرعان ما تخبو نفسه وتفتر في بقية الشهر العظيم، رغم أن آخره خيرٌ من أوله، فأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، غير أن هذه المفاهيم لا تدغدغ وجدانه ولا تلامس قلبه إلا بقدر أيامه الأولى، وهذا ما نراه في عالمنا الإسلامي مع الأسف الشديد.

ورغم التنبيهات المتكرّرة والتوجيهات المتعدّدة والمتنوّعة من العلماء والعقلاء والحكماء والفقهاء أن هذا الشهر كله خير من أوله إلى آخره، وآخره خير من أوله، إلا أن بعض المسلمين يرتكبون الأخطاء نفسها في كل رمضان، ويكررونها بلا مبالاة ولا تحمل مسؤولية، هبّة في بدايته وعزوف تامّ في آخره، تجد المساجد تكتظ بالمصلين في أول رمضان وكأنّ على رؤوسهم الطير لا يسبقهم أحد إلى المكان، ويحاولون أن يستفيدوا من الشهر الكريم وخيراته، ولكن بعد أيام لن تجد منهم أحدا إلا قليلا ممن فقِه قيمة الشهر واستمر في كسر هوى النفس وتوطينها على الطاعة، والسبب هو عدم تشبّع هذه النفس بروحانيات الشهر ونفحاته واستعجالها ثمرة رمضان قبل أوانها، فالإنسان كما قال عز وجل «خلق الإنسان من عجل» يتعجل الأمور ولا يتحمل الأذى لأنه لم يعوّد نفسه على تقبل الألم النفسي والبدني، وإن كنا نفسر الصوم بأنه عقاب وألم للنفس والبدن وحصرها على فعل الخير والابتعاد عن المنكر بجملة من الأفعال الجبرية التي لا خيار فيها للمسلم، فإن ذلك ظاهر وما تجنيه النفس من وراء ما تقوم به من جهاد عظيم خير كبير لا يعلمه إلا الله عز وجل لذلك جاء في الحديث القدس: «الصوم لي وأنا أجزي به».

أحوال أخرى وأفعال يقوم بها المسلمون وتتنافى مع حقيقة الصيام وجوهره، كالسهر طوال الليل فيما لا يفيد، والنوم طوال النهار حدّ التخمة، والتكاسل في العمل، والإسراف في الأكل والشرب دون مبالاة، فأكثر الناس يصرفون في رمضان أضعاف ما يصرفون في غيره من الشهور رغم الاقتصار على وجبتين فقط وهما الفطور والسحور، والثرثرة في الليل والنهار، وانتهاك حرمة الشهر في ليل رمضان كإتيان الدخان والشيشة وغيرها، بل إن بعضهم يفطر على الدخان، وهذه مصيبة من مصائب هذا الدهر، بل يأتي للمسجد لأداء الصلاة ورائحته تفوح بالدخان ولا يهمه ذلك وهو مقبل على الله تبارك وتعالى. ومن الأخطاء الجسيمة التي يقع فيها المسلمون اهتمامهم الشديد بالتراويح دون الفرائض والصلوات، فأيهما أوجب الفرض أم التراويح؟ فتجدهم يقبلون على التراويح بأعداد كبيرة جدا بينما بقية الفرائض تكون أعدادهم ناقصة، ولكل ظروفه ولكن الاهتمام بالفريضة يكون أوجب.

مفاهيم تبدلت وتغيرت خلال الشهر الكريم، حريّ بالمسلمين أن ينظروا فيها وأن لا يصرّوا على تفعيلها في كل سنة عندما يحلّ علينا شهر القرآن والصيام، فهم يعتقدون أن الشهر عادة من العادات الإسلامية يحتفل بها المسلمون كل سنة وتمرّ كالأعياد الأخرى، ولهذا كان تأثير الصيام في النفوس قليلا لا يرقى إلى مستوى التأثّر بهذه الفريضة العظيمة التي لا بد أن تترك أثرا في النفس، ولا يخرج المسلم من هذه المدرسة خاويا على عروشه أو بخفي حنين كما يقال، فالعبرة بمن حصل على الجائزة التي تصرف في نهايته، والجائزة عظيمة وغالية وليس من السهل الحصول عليها إنها الجنّة الغالية في الآخرة والقبول التام في الدنيا، ويظهر أثر ذلك بعد رمضان، فهل يبقي المسلم على ما كان عليه قبله أم يتغير ولو قليلا، هل يرتقي في معاملاته وأخلاقه وعباداته أم يبقى في الخط نفسه ولم يستفد من روحانيات الشهر العظيم ونفحاته.

وإذا لم تحدث هزّة أو رجّة في نفس المسلم أثناء عبادته في هذا الشهر الكريم لا سيما في العشر الأواخر التي يغفل عنها كثير من الناس ظنا منهم أن الشهر انتهى فتتوق نفسه إلى الرجوع إلى الهوى، فإنه فعلا يخرج كما دخل، ولا يستفيد مما فعله أبدا سوى أنه جاع وعطش لأيام وأتعب نفسه بلا فائدة تذكر، لذلك لا بد أن يرى المسلم نفسه في شهر رمضان ويحاسبها ويزكيها وينميها وذلك بالإقبال الشديد على الطاعة من أول الشهر إلى آخر الشهر وبنسق تدريجي، يربيها ويوطّنها ولا يكرهها على فعل هي ترفضه قطعا من أصله، فالتربية والتزكية تأتي بالتوافق والرغبة لا بالإجبار والإكراه، لذلك كان الاستعداد من شهر شعبان أولوية كبرى للحفاظ على ذلك النسق التدريجي واكتساب الثقة مع النفس التي دأبت على الأكل والشرب على طرق معينة طوال أحد عشر شهرا من السنة.

هذه تنبيهات مهمة لجميع المسلمين حتى يكونوا على أهبة الاستعداد لاستقبال الضيف العزيز، ومن الآداب التي تدفع المسلم لهذا الاستعداد أن الضيف الآتي عزيز ويحمل معه كل الخير رغم أنه يبقى ثلاثين يوما وليس ثلاثة أيام، وعلى المستضيف أن يستعد جيدا لهذه الإقامة التي ستكلفه جهدا كبيرا واستنفارا عظيما طوال هذه المدة دون تذمّر أو امتعاض، بل يقبل عليه وهو في أتمّ استعداد لخدمته في الليل والنهار محتسبا الأجر الكبير والجزاء الوفير.