أفكار وآراء

معجزة أمريكا بحاجة إلى معجزة

17 مايو 2017
17 مايو 2017

إيريك لاندر وإيريك شميدت - واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

لأكثر من نصف قرن ظلت الولايات المتحدة تتولى تشغيل ما يمكن أن يسمى « بالآلة المعجزة.» كانت هذه الآلة تستمد طاقتها من استثمارات الحكومة الفيدرالية في العلوم والتقنية ، وتنتج لنا ابتكارات مثيرة. لقد غيرت الآلة المعجزة طريقة عملنا وحياتنا وعززت الدفاع الوطني وأحدثت ثورة في الطب. كما أنجبت صناعاتٍ كاملة انتظمت حول الحواسيب والتقنية الحيوية والطاقة والاتصالات مما أوجد الملايين من الوظائف. وهي السبب في تحويل الولايات المتحدة إلى المركز العالمي لتقنيات المستقبل من شاكلة السيارات ذاتية القيادة وتحرير الجينوم (التدخل في صياغة نظام الشفرة الوراثية لإنتاج كائنات معدلة وراثيا- المترجم) والذكاء الاصطناعي والعلاج المناعي للسرطان والحواسيب الكمومية والمزيد من ذلك. فآلتنا المعجزة مثار حسد العالم. ولكن، في حين أن بلدانا أخرى مثل الصين تعمل بشدة لتطوير آلاتها المعجزة الخاصة بها نتجاهل نحن آلتنا المعجزة. وعلى الرغم من أن تمويل العلوم والتقنية يحظى بتوافق الحزبين إلا أنه ظل يتآكل بانتظام خلال العقد الماضي. أحد الأمثلة العديدة لذلك أن موازنة المعاهد الوطنية للصحة، وهي الوكالة الفيدرالية للأبحاث الطبية، تقلصت منذ عام 2003 بما يقرب من 25% (بعد حساب التضخم.) وإذا كانت إدارة ترامب وكذلك الكونجرس يريدان ضمان بقاء الولايات المتحدة البلدَ الأقوى في العالم سيكون عليهما قبول ودعم آلتنا المعجزة. ويمثل التشريع الإنفاقي المقترح الذي أجازه الكونجرس مؤخرا خطوة جيدة ولكن لا يزال المشوار طويلا لاستعادة ما فقدناه وتأمين قيادتنا (العلمية والتقنية.) يمكن تعقب تاريخ ظهور هذه الآلة المعجزة إلى تقرير صدر أثناء الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية بعنوان « العلم: تخوم لانهاية لها.» استبصر التقرير القوة التي يمكن أن تنشأ من عمل آلتين متشابكتين هما القطاعين العام والخاص للدفع بالتقدم والابتكار. تحظى الولايات المتحدة بقطاع خاص هو الأشد حيوية في العالم. فمؤسسات أعماله ومستثمروه وشركاته الكبيرة وأسواق رؤوس أمواله كلها متلهفة لحيازة تراخيص التقنية وإطلاق الشركات الناشئة. ولكن تلك الاستثمارات كثيرا ما تكون مدفوعة بتقنيات مصدرها الأبحاث الأساسية. وقليلة هي الشركات التي تتولى القيام بمثل هذه الأبحاث لأنه يصعب جدا في العادة التنبؤ بثمارها وتتأخر جدا عملية الاستفادة التجارية منها وكذلك استحقاقها لبراءة الاختراع. وهنا يأتي دور الحكومة. ففي حين أن الاستثمار في الأبحاث الأساسية ليس له معنى بالنسبة لمؤسسة الأعمال إلا أنه ظل إستراتيجية رابحة للولايات المتحدة . فعلى مدى 60 عاما استثمرت الحكومة الفيدرالية تقريبا سنتا واحدا في كل دولار من مخصصات الموازنة الفيدرالية في الأبحاث بالجامعات والمراكز البحثية. وبدورها أنتجت هذه المؤسسات سيلا منهمرا من الاكتشافات وأجيالا من المواهب العلمية المدربة مما أوجد شركات ووظائف جديدة. لقد حقق الاستثمار في الفضول (العلمي) إزاء العالم الطبيعي عائدات مذهلة. فاستكشاف البكتيريا التي تزدهر في السهول الملحية أو ينابيع المياه الحارة قادت إلى ابتكار أدوات تشكل اختراقا ويمكنها إنتاج ملايين النسخ من جزيئات الحمض النووي وتقويم التحوُّرَات المسببة للأمراض في الخلايا الحية واستخدام نبضات الضوء لتشغيل الخلايا العصبية. وقادت الدراسات التي أجريت على أَجِنَّة ذبابة الفاكهة إلى اكتشاف أدوية تعالج سرطان الجلد. كما أن الأفكار الأكاديمية التي أوحت بها الخلايا العصبية قادت إلى ثورة الذكاء الاصطناعي التي تحدث تحولا في الصناعة اليوم. كما اتضح أيضا أن تجهيزَ أدواتٍ قوية دون الانشغال بكيفية استخدامها على نحو دقيق يمثل استراتيجية عظيمة للاستثمار العام (الحكومي). فدراسات الفيزياء الأساسية الممولة بالاستثمار العام منحتنا معجلات الجزئيات عالية الطاقة التي تشكل الآن دعامة مهمة لتطوير العقاقير الصيدلانية والساعات الذرية التي تمكن من تشغيل نظام تحديد الموقع على الكرة الأرضية. وهو النظام الذي يرشد المسافرين إلى الأماكن التي يقصدونها. لقد شهدنا كيف أن إيجاد واقتسام «جبال» البيانات العلمية يمكنهما أن يشكلا قوة دافعة للاستكشاف العلمي والتوظيف التجاري. فاستثمار معاهد الصحة الوطنية لمبلغ 4 بلايين دولار في مشروع الجينوم البشري الذي شارك في قيادته أحدنا( لاندر) عجَّل بطريقة درامية من فهمنا للمرض البشري وأدي إلى ضخ تريليون دولار تقريبا في النشاط الاقتصادي. وهذا يماثل نموَّ 5 دولارات في حساب ادخار إلى 1250 دولارا. وأخيرا، لقد أرست معالجة التحديات الهندسية الجديدة الأساس لنشوء صناعات جديدة. فالمنح التي قدمتها الحكومة الفيدرالية للجامعات لدراسة موضوع تمرير الرسائل بين الحواسيب قادت في أواخر الستينات إلى الإنترنت مباشرة. كما أن منحة بقيمة 4.5 مليون دولار قدمتها مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية لجامعة ستانفورد لاستكشاف فكرة المكتبات الرقمية ساهمت بعد خمسة أعوام لاحقا في إيجاد جوجل. واليوم فإن الضرائب الأمريكية التي يتم سدادها كل عام بواسطة هذه الشركة وأكثر من 40 ألفا من موظفيها المحليين تصل في مجملها إلى بلايين الدولارات. وهو مبلغ يشكل جزءا كبيرا من الموازنة السنوية لمؤسسة العلوم الوطنية البالغة 7 بلايين دولار. المهم أنه حين تفرخ الاختراقات العلمية صناعاتٍ ووظائفَ جديدة تتحقق هذه الفوائد هنا في الولايات المتحدة لأن الشركات تريد البقاء قريبا من تيار الاكتشافات الجديدة ومن العمال المتمرسين. فالآلة المعجزة ظلت ناجحة إلى حد مذهل. والمشكلة أن قلة قليلة في الحكومة ومن عامة الناس هي التي تعرف الكيفية التي تعمل بها هذه الآلة وكنتيجة لذلك نحن نهملها ونتركها تعطب. إذا لم نغير المسار الذي نسير فيه ونستثمر في البحث العلمي سنخاطر بفقدان واحدة من أعظم ميزات أمريكا. وقد نصحو يوما كي نجد أن ريادة الجيل التالي للتقنيات والصناعات والأدوية والتسليح انتقلت إلى مكانٍ آخر.

• الكاتبان لاندر، رئيس ومدير معهد برود بمعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد.

• شميدت، الرئيس التنفيذي لألفابيت، الشركة الأم لجوجل.