1014824
1014824
المنوعات

سليم دولة: الإنسان العربي يقوم على تربية عاطفية أساسها الحب والعلم والعدل والمعرفة

17 مايو 2017
17 مايو 2017

في محاضرة فلسفية بالنادي الثقافي -

كتب - ماجد الندابي -

1014822

نظم النادي الثقافي أمس الأول أمسية فلسفية استضاف فيها المفكر التونسي سليم دولة حملت عنوان «الثقافة العربية وفلسفة العصر»، وذلك بمقر النادي بالقرم. في بداية الأمسية التي أدارها الكاتب والباحث خميس العدوي أشار فيها إلى التحولات التي تشهدها المنطقة والتي تظهر بشكل واضح لدى العرب والمسلمين، وذلك في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والدينية، معرجًا على السيرة الذاتية والعلمية للضيف وإسهاماته في مجال الفلسفة، مبينًا أن سليم دولة اجتمعت فيه الفلسفة والحرية، وعند اجتماع هذين الأمرين في شخص المشتغل فيهما فإنهما تشكلان المتاعب عند المنتج لهذه الثقافة.

بعدها ألقى دولة ورقته التي آثر أن ينطلق فيها بسجيته متخذًا من التلقائية والحرية سمة لها، وهو ما جعل المحاضرة حية ممتعة على الرغم من الأبعاد الفلسفية العميقة التي طرحتها، قائلا: إنه «سيقوم علم الوراثة وعلوم الدماغ والمجازية بتجديد إشكاليات السياسة والحرية والأخلاق والوعي، وسيكون على الفيلسوف أن يرسم الحدود بين الإنساني والحادث المصطنع، الفيلسوف واضع خرائط ووسيط ومخترع هدنات ومحرك سلام».

واستدل دولة بالقول القديم لهيراقليطس: «أقصر طريق للشهرة .. الحقيقية أن يكون الإنسان عادلا»، ولا يمكن له ذلك إذا لم يكن «عاشقًا» ولن يكون كذلك إلا إذا اعترف للآخرين، مطلق الأخيرين بفضلهم وأن ينقب في نفسه مؤكدا أنه لا حياة لمعني «الحب»، وقد ازداد عندنا حضاريا منسوب الكراهية عالميا، زمن حلمنا المشترك «بالعدل» وقد فاض علينا جاروف فائض العنف عربيًا.. والظلم كوكبيًا ضد الأرض «أمنا الأرض» وضد الكواكب والبيئة وسائر حيوات الأحياء وحتى قطعان السحب أربكنا انسيابها بثقافة التناحر والتقاذف بالشرر والتنابز بالألقاب والرتب والمراتب والأنساب؟ زمن «الصداقة» وقد تصحرت أو كادت علاقاتنا العاطفية بيننا وبين الآخر ..» الآخر الصغير و«الآخر الكبير» (الله والإنسان والأكوان)، تصحرت حتى علاقتنا بذواتنا نحن الفردية والجماعية.

وأضاف: تواريخ ضجت من متواليات غفلتنا، وجغرافيات جريجة، نحن جرحها بفعل غفلتنا التاريخية القاتلة عن الذود الحضاري عنها بحمايتها بما يكفي للحفاظ على وحدتها الجغرافية الكائنة والتعاقدية الثقافية الرمزية الممكنة إلى الحد الذي أصبح فيه الواحد منا يكره ذاته وصفاته حين تطبق عليه الحياة العربية المعاصرة بلوازمها فيتبرم «الإنسان المقهور» و«الإنسان المهدور» من سلالته ويلعن حتى «صدفة الميلاد» التي جعلته عربيا ومسلما ومتوسطيا وأفريقيا وشرقيا، (كما أن الصراع الوهمي بين المشرق والمغرب والاختلاف بين أهل المشرق وأهل المغرب اختلاف في «الطبيعة» وليس مجرد «اختلاف في الدرجة» كما ورد الأمر في مقدمة بن خلدون تشخيصا وتنديدا مثلا بهذا التصور، وصراع «الفلسفة والدين» و«الحكمة والشريعة» و«الرشدية والغزالية» و«المعرفة والعرفان». يا للمفاخرة.. وثقافة الذوات «الفشفاشة». «الكارايوكية» بالمعنى البياني التي تعنى «الاوركسترا الفارغة».

موضحًا أن الـمفاخرة قتلتنا «والمفاخرة كما ورد الأمر عند الجاحظ في كتاب في قصة النزاع والتخاصم في ما بين بني أمية وبني هاشم» لتقي الدين المقريزي إذ كتب صاحب «رسالة فضل السودان عن البيضان»: «ليس أدعى إلى الفساد ولا أجلب للشر من المفاخرة وليس على ظهرها إلا فخور..»، فهل من شك في أن الثقافة العربية المعاصرة في مسيس الحاجة إلى «كراهة» (علم الكراهية) لتشخيص استشفائي كلينيكي عيادي سريري ممكن لتجاوز هذا العائق الابستمولوجي النفسي مثلا بين «المشرق» و«المغرب» الذي يسكن سريا وصراحة حد الوقاحة لاوعينا العاطفي القلق والممزق بين «حميمية» الانتماء للكتلة الحضارية العربية الإسلامية ونزوع «الانفصال الاستئصالي» عنها والتنكر لها كما لدي بغض نخبنا الفاعلة .. والمكرمة أيـما تكريم من قبل أصحاب «السياسة الانعزالية «أو الإلحاقية» بالكتلة الحضارية الأوروبية.

وبين سليم دولة أن الإنسان العربي الجديد المحلوم به لا تقوم له قائمة ولا تأسس له قيومية وجود إلا على: «تربية عاطفية على الحب والعلم والعدل والمعرفة والحرية» باعتبارها معلقة يمكن للأجيال أن تتربي عليها حذقيا وتتمدرس عليها جماليا... فتكون هذه التربية على «الحب والعلم والعدل والمعرفة والحرية» هي الضامن الحضاري الأمين الذي يضمن السلامة الصحية والعاطفية والسياسية لأبناء الوطن والأمة الجامعة لئلا نعيش مرة أخرى وقتا كالمقت يمر مرًا ومريرًا على «أمة جنت فصولها». لا بد لنا من «ثورة بيداغوجية» في التفكير «للتفلسف المرح» المنطلق والمنشرح منذ الطفولة، برعاية تلك «الفلسفات العفوية لدى الأطفال» وفق عبارة عزيزة على كل من (كارل ياسبرس) و(أنطونيو جرامسي) الذي أمر الزعيم الفاشي موسوليني: «أن أوقفوا هذا العقل عن التفكير حالا». «إن ابتكار المعاني خطر» يقول حراس الأمن الفكري عند العرب ... فكان ما كان وما يجب أن يكون لدينا نحن عرب العصر إنما هو فن الإصغاء، الإصغاء النشيط» لفلسفة إنسانية تخصنا نحن، تقوم بالأساس على ما يمكن لي تسميته «التربية الأركسترالية»، «تربية أوبيرالية» على المواطنة الشاملة، بمعنى تربية جامعة لجميع الملكات الذهنية والجسدية والذوقية... قادرة على «نحت كيان» إنسان مقتنع عن وعي واردة وقصد أن «تحصيل السعادة» الحق بلغة الفارابي لا يمكن أن تكون على حساب «الآخر» المحلي .. الجهوي أو الكوني أو «الجنسي» وإنما معه لأمر بسيط لكونه أدرك فلسفيا حين تدرب على «التفكير بنفسه» وفق الدلالة الكانطية ومنذ الصغر، أن الآخر هو من كان يمكن أن أكون، كان يمكن أن أكون أنا «التونسي» «سوريا» أو «مصريا» أو «عراقيا» أو «سودانيا» أو «جزائريا» أو «عمانيا» أو «مغربيا» أو «تركيا» أو «طاجيكستانيا» أو «كرديا» ..«أسود».

وطرح سليم دولة تساؤلا عميقا يقول فيه: هل تخلصت العقول الحرة «المتفلسفة» في الثقافة العربية المعاصرة من أرثها الثقيل والمخجل... من اضطهاد الفلاسفة و«الفيلسوفوبيا» ذلك الخوف المرضي من الفلسفة؟ هل تخلص الفكر الحر من سلطة «المراقبة والمعاقبة» التي اضطرت الكثير من «الفلاسفة» و«الحكماء «والمتصوفة» إلى ممارسة «التقية»، التسمية الأخرى «للنفاق» أو «التواري عن الأنظار صونا للنفس» أو«التقدم بأقنعة» وفق عبارة صاحب كتاب «التأملات الميتافيزيقية» (روني ديكارت). حين هذا الحين أستحضر سيرتي الشخصية طوال سنوات تدريسي للفلسفة دون توقف عندها «لخجلي البدوي».. أمام أهلي. حين هذا الحين يقف ذهني عند «منشور» منصور بن أبي عامر وتلك الفتوى الشهيرة ضد الفلسفة والفلاسفة في الأندلس التي أصدرها حين نفي ابن رشد، ليتقرب تزلفا «للعامة» و«العوام»، وبقيت عارا في تاريخه الشخصي وفي تاريخ الثقافة العربية.

مضيفا أنه حكى صاحب «كتاب نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب» عن مقام العلوم في الأندلس قائلا: «وكل العلوم لها عندهم حظ واعتناء إلا الفلسفة والتنجيم فإن لهما حظا عظيما عند خواصهم ولا يتظاهر بها خوف العامة، فإنه كلما قيل: فلان يقرأ الفلسفة أو يشتغل بالتنجيم أطلقت عليه العامة اسم «زنديق»، وقيدت عليه أنفاسه. فإن زل في شبهة رجموه بالحجارة أو أحرقوه قبل أن يصل أمره للسلطان أو يقتله السلطان تقربا للعامة. وكثيرًا ما يأمر ملوكهم بإحراق أمثال هذه الكتب إذا وجدت. وبذلك تقرب المنصور بن بني عامر لقلوبهم أول نهوضه، وإن كان غير خال من الاشتغال بذلك في الباطن..».