1011414
1011414
شرفات

ياسر عبداللطيف: فان جوخ أعادني إلى الكتاب المقدس

15 مايو 2017
15 مايو 2017

القاهرة – حسن عوض -

صاحب «قانون الوراثة»: أهدينا ترجمة رسائل الرسام الهولندي الشهير إلى علاء الديب لأنه كان متيما بها.

كندا أدخلت إلى حياتي لغة ثالثة وأتحدى نفسي بكتابة عن مدينة مملة وكتاب عن الحيوان ورواية وديوان.

حدث كبير تشهده القاهرة قريبا بصدور كتاب «المخلص دوما، فنسنت.. الجواهر من رسائل فان جوخ» في ثلاثة مجلدات مزودة بالرسوم والحواشي، عن دار الكتب خان.

أهمية الحدث أنها المرة الأولى التي يتم فيها ترجمة عدد ضخم من رسائل الفنان الهولندي الأشهر إلى العربية، حيث تضم المجلدات الثلاثة 265 رسالة من أصل 903. وهي المرة الأولى التي تُقدم فيها الرسائل الأصلية الموثَّقة والمحققة، من ترجمة وتحرير ياسر عبد اللطيف، بالاشتراك مع محمد مجدي.

يقول الروائي والمترجم ياسر عبداللطيف الذي تصدَّى للترجمة: «النص شهير، وذاع جدا بعد وفاة فنسنت فان جوخ عام 1890، وقد بدأ نشر بعض تلك الرسائل مجتزأة في صحف هولندا، ولكن حصدت شهرة قوية منذ أوائل القرن العشرين، وتُرجمت بعضها إلى العربية هنا وهناك».

يشير صاحب رواية «قانون الوراثة» إلى أنه من بين الرسائل المترجمة إلى العربية رسائل منتحلة، فهناك على سبيل المثال رسالة يتم الترويج لها على مدوَّنات الإنترنت باعتبارها الرسالة الأخيرة للفنان الهولندي، التي كتبها قبل انتحاره مباشرة. يعلِّق: «هذا ليس صحيحا بالقطع، بعد انتهائي من ترجمة الكتاب بصحبة الشاعر والمترجم محمد مجدي تأكدت أنها لا تمت بصلة إلى رسائل فان جوخ، وأنها دخيلة عليه. كنت واثقا من هذا؛ لأنها مكتوبة بلغة شاعرية لا تتناسب مع اللغة التي كان يكتب بها فان جوخ، لغة رومانتيكية، ويبدو أن صاحبها متأثر قليلا بخيال الشاعر الفلسطيني محمود درويش. لقد تمت الإحالة إليها كثيرا باعتبارها أهم رسائل فان جوخ، حتى أن الصحفي خالد منتصر بنى عليها موضوعا كبيرا يتعلق بالفنان الهولندي».

عبداللطيف يقول إنه تمت ترجمة بعض تلك الرسائل وصدرت في كتاب من 200 صفحة، بسوريا، منذ أكثر من 20 عاما، مشككا أيضا في تلك الرسائل التي تضمنها الكتاب، لأن النسخة المحققة الرسمية التي اعتمدها متحف ومعهد فان جوخ بأمستردام صدرت في 2009.

فكرة التصدي لترجمة النسخة الأصلية كانت مثيرة جدا، بالنسبة لياسر، يقول: «قرأت بعض الرسائل بالفرنسية في التسعينيات ووجدتها نصوصا ساحرة للغاية، كما أنني قرأت الرواية البديعة (فنسنت فان جوخ) للكاتب الأمريكي إيرفنج ستون، والتي صدرت ترجمتها إلى العربية منذ سنوات طويلة عن هيئة الكتاب المصرية. كنت مشدودا إلى سيرة الرسام الهولندي الشهير، ثم جاء التحدي حينما عرضت عليَّ كرم يوسف مديرة الكتب ان أترجم الرسائل كاملة، وافقت من دون تردد، ولكن لم أكن على علم بضخامة العمل، ولهذا استعنا بمحمد مجدي الذي أنجز ثلث الرسائل تقريبا. لقد اخترنا ترجمة 265 رسالة من الرسائل البالغ عددها 903، وراعينا أن تغطي مراحل حياته بالكامل».

ويضيف: «معظم الرسائل مكتوبة بالهولندية، وهي موجَّهة إلى أمه وشقيقتيه أما الرسائل المكتوبة بالفرنسية فهي الرسائل التي كتبها في آخر عامين من حياته وهي موجهة إلى شقيقه وأصدقائه. لقد اشترط متحف فان جوخ أن تكون الترجمة عن النسخة الإنجليزية من الرسائل، وأظن أن لديهم ثقة في دقتها، غير أني كنت أعود بالطبع إلى الفرنسية حينما كان يتعلق الأمر بالرسائل المكتوبة بالفرنسية إمعانا في الدقة».

التصدي لنص بهذه الكلاسيكية والأصالة شيء يعني الكثير له. يقول: «إنه نص في منتهى الأهمية، يبدو الأمر كما لو أنك تترجم عملا بأهمية أعمال شكسبير، وهو إضافة إلى تاريخك بالطبع. الصراع مع النص نفسه أضاف لي، لأن فان جوخ كانت لديه اضطرابات ذهنية وأصابته الهذيانات الدينية، كان يُضمِّن آيات من الإنجيل لنصوصه بدون أن يشير أو يحيل إليه، وكان الأمر بالنسبة لي كأن هناك شخصا آخر دخل على النص فجأة، بمرور الوقت صار الأمر أقرب إلى لعبة. حينما أقرأ تلك الآيات أضعها على جوجل، وهو يخبرني بالإصحاح والسِفر، ثم أعود إلى الكتاب المقدس وأنقلها مضبوطة. تعمدت أيضا أن أترك الآيات بالتشكيل، حتى يشعر القارئ بأنها مختلفة عما يكتبه فنسنت. لم أشر بدوري إلى الكتاب المقدس لكن التشكيل في رأيي يقول الكثير».

ويضيف: «واجهتني صعوبات كثيرة، ووجدت نفسي أمام تمرين لغوي كبير، وفي تقديري أنني أكبر المستفيدين. نعم أضافت تلك الترجمة الكثير إليَ. النص كان يحتاج إلى إلمام ثقافي كبير، وجعلني أقوم بالتنقيب في كثير من الكتابات، كما كنت دائم السؤال، وعلى سبيل المثال كانت بعض رسائله تشير إلى القرى التي يسلكها في هولندا، وانجلترا، وهكذا كنت أعود إلى أصدقاء هولنديين لأسألهم، وهم بدورهم فسَّروا لي بعض الرموز التي كانت مستعصية عليَّ في بعض الأحيان».

لماذا قام ياسر بمهمة تحرير الكتاب؟! يجيب: «محمد مجدي ينتمي إلى مدرسة لغوية وشعرية تختلف كليًا عن المدرسة التي أنتمي إليها، ولهذا كان لا بد أن أقوم بتحرير الترجمة حرصا على التجانس اللغوي وضبط المصطلحات، وعلى سبيل المثال ربما كان مجدي سينقل اسم رسام فرنسي إلى العربية بشكل معين يختلف عما سأنقله، وهكذا كان لا بد من مراعاة تلك الفروق».

وهل يترجم من أجل المال وهو الشاعر والروائي ؟ يقول: «الترجمة سلاح ذو حدين، أقوم أحيانا بها من أجل المال، وعلى سبيل المثال أترجم بعض الأبحاث السياسية التي لا تضيف إلي أو إلى مشروعي، حتى أنني لا أضع اسمي عليها، فالهدف كما ذكرت المقابل المادي فقط، إنما التصدي لترجمة مثل هذا العمل، أقصد رسائل فان جوخ فإن الأمر يتجاوز المال».

في بيان الناشر تمت الإشارة إلى إهداء العمل إلى روح علاء الديب فلماذا؟ يقول ياسر: «علاء الديب قرأ هذه الرسائل بالإنجليزية منذ فترة طويلة، وأذكر أنه قبل وفاته بشهور، وتحديدًا في 2015 التقيت به وكان يحثني على سرعة الانتهاء منها، طلب مني إنجازها ليراها قبل أن يرحل، ولكن للأسف لم يسعفنا الوقت، ولذلك قررنا أن نهدي الترجمة إليه».

وهل أضاف تواجده بكندا منذ سنوات إلى لغته الإنجليزية؟ يقول: «قبل سفري إلى كندا لم أكن أترجم إلى الإنجليزية، كان الأمر مقتصرًا على الفرنسية، ولكن وجودي في مقاطعة ألبرتا التي تتحدث الإنجليزية أجبرني على ذلك. أصبحت مطالبا بالتحدث بالإنجليزية في تعاملاتي اليومية، ثم أصبحت أقرأ كثيرًا بالإنجليزية، على عكس السابق، وهكذا دخلت إلى حياتي لغة ثالثة لم أكن أتعامل بها سابقا».

أصدر ياسر ديواني شعر هما «ناس وأحجار» و«جولة ليلية» بالإضافة إلى رواية «قانون الوراثة» ومجموعة «يونس في أحشاء الحوت» وكتاب «في الإقامة والترحال» فهل يعتبر نفسه مقلَّا؟ يجيب: «كنت أعتبر نفسي مقلا قبل استقراري في كندا، بعد 2009 ارتفع إيقاعي كثيرا، بدأت أكتب بشكل شبه يومي، ولكن المشكلة في أنني أعمل في أكثر من مشروع في وقت واحد، وعلى سبيل المثال أكتب نوفيلا حاليًا، كما انتهيت من مجموعة قصص بصدد تسليمها إلى ناشر، وأعمل على مشروع رواية، ومشروع ثالث عن مدينة إدمنتون التي أقطن بها في مقاطعة ألبرتا الكندية، أكتب من منطلق أن هذه المدينة ليس بها أي ملامح للجمال، هي مدينة تشبه كل مدن الغرب الأوسط، عادية جدًا، مدينة تعتمد على صناعة البترول، وبها تنوع عرقي كبير؛ لأنه يقطنها أشخاص ينتمون إلى مختلف دول العالم، وليس بها أي شيء مميز، لا تشبه مدنا مثل: شيكاغو أو باريس، أو حتى القاهرة، وهكذا أكتب عن مدينة مملة ومضجرة، التحدي بالنسبة لي ما الذي أنا قادر على قوله انطلاقا من هذا، أسرد من خلال حديثي عن تلك المدينة مشاهدات واختيارات تخصني، وأمورا كثيرة ليست لها علاقة بالمدينة ولكنني أحيل إليها من خلال السرد».

وينهي قائلا: «هناك أيضًا كتاب عن الحيوان أكتبه بالاشتراك مع هيثم الورداني، الحيوان في الثقافة والأدب والأسطورة، كتبنا جزءًا كبيرًا منه، ولكن توقفنا تقريبًا منذ عام بعد إنجاز الفصل الرابع لانشغالاتنا الأخرى، ولا تندهش إذا قلت لك أيضا إن هناك ديوانًا جديًدا، المشكلة فقط في تضارب المشاريع التي أكتبها في وقت واحد. أتمنى فقط أن يرى بعضها النور قريبًا».