1006178
1006178
إشراقات

العيسري: العودة إلى القرآن ليس بحفظه فقط.. بل بفهمه وتأمل آياته والعمل به

11 مايو 2017
11 مايو 2017

حلقات الفجر وتوفير المراجع والاهتمام بالعربية وآدابها.. أبرز الخطوات -

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

1006181

أكّد فضيلة الشيخ عبدالله بن عامر العيسري أن هناك خطوات عملية يجب أن تطبق حتى تتحقق العودة إلى القرآن الكريم أهمها المحافظة على حلقات الفجر في المساجد تلاوة وتدبرا وتوفير المراجع التي تعين على فهم القرآن وكذلك الاهتمام باللغة العربية وآدابها.. مؤكدا أن العودة إلى القرآن الكريم هو المخرج الوحيد لعودة المسلمين إلى عزهم وقوتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ولا يكون ذلك بحفظه فقط دون تأمل، بل بفهم ما فيه من آيات وأحكام وأسرار.

وأشار في محاضرة له إلى أن الصحابة والتابعين عرفوا كيف يتعاملون مع القرآن الكريم فابن مسعود ـ رضي الله عنه- يقول: كنا نأتي إلى عشر آيات نتدارسها فنعرف ما فيها من أحكام ومن عظات وعبر، ولا نتجاوزها حتى نقيم ما فيها، وكذلك كان التابعين من بعدهم أخذوا يبحثون حول بلاغة القرآن، وإعجازه أين يكمن في بحوث قيمة ومثيرة، ومن أجل ذلك نشأ جيل من الناس عز بهم القرآن ولم يكونوا عربا.. نقرأ المزيد في المحاضرة التالية تحت عنوان: «هل من عودة إلى القرآن».

الصحابة والتابعون عرفوا كيف يتعاملون مع القرآن فتعرفوا على  ما فيه من أحكام وعظات وعبر -

قال فضيلته في مستهل محاضرته: إن الموضوعات التي تشغل بال المسلم هذه الأيام لا حدّ لها ولا حصر، وكل واحد منا وهو يرى هذه الأحداث التي يموج بها العالم، والاضطرابات التي لا أول لها ولا آخر يتساءل ما هو المخلص؟ وكيف المخرج؟ فإذا جاء ليسأل أهل العلم أو ليرجع إلى الكتب أو يستمع إلى الأشرطة أو ليجلس مع أخوانه، قيل له: (إن المخرج هو القرآن الكريم)، وهذه العبارة دائما ما تُردد بأن رجوع الأمة إلى القرآن هو سبيل الخلاص، مشيرا الى أن السؤال الذي يُلِحُّ على الفرد المسلم باستمرار كيف أعود إلى القرآن؟ وهل العودة إلى القرآن بأن أنكبَّ على قراءته ليل نهار؟! وهل العودة إلى القرآن بأن كل فرد من أفراد الأمة المسلمة ينبغي أن يكون مفسراً كابن جرير الطبري أو هود بن محكم الهواري أو الشيخ محمد بن يوسف أطفيش أو غيرهم من العلماء؟! وهل العودة إلى القرآن تعني بأن لا أدع كتابا في التفسير إلا وقرأته؟ وما هي طبيعة هذه العودة إلى القرآن؟ وكيف تعاملت الأمة مع القرآن في الوقت الذي كان فيه المسلم عزيزا محترما له وزنه والآخرون يحسبون له كل حساب، ولم يكن وضعه كما هو اليوم أرخص الدماء دماء المسلمين في الأرض على الإطلاق.

منهج الصحابة والتابعين

وبيّن فضيلته منهج الصحابة والتابعين في التعامل مع القرآن الكريم فالصحابة رضوان الله عليهم عرفوا كيف يتعاملون مع القرآن الكريم فابن مسعود ـ رضي الله عنه- يقول: كنا نأتي إلى عشر آيات نتدارسها فنعرف ما فيها من أحكام ومن عظات وعبر، ولا نتجاوزها حتى نقيم ما فيها، بعد ذلك انتهت حقبة الصحابة الكرام- رضوان الله عليهم ـ وكلما جاء جيل من المسلمين اختلفت طريقته وتعامله مع القرآن الكريم. أما منهج التابعين في التعامل مع القرآن الكريم بعد أن اتسعت رقعة العالم الإسلامي، وزاد عدد المسلمين، فكان من منهجهم في ذلك الوقت أن أخذوا يبحثون حول بلاغة القرآن، وإعجازه أين يكمن في بحوث قيمة ومثيرة، ومن أجل ذلك نشأ جيل من الناس عرَّبهم القرآن ولم يكونوا عربا، فتجد اشهر علماء التفسير الزمخشري وهو ليس بعربي ولكن أصبح لسانا عربيا ناطقا، ومن علماء النحو سيبويه ونفطويه وابن خالويه وأبو السعادات ابن الشجري وغيرهم من العلماء الذين كانوا في الأصل لا يعرفون من العربية كلمة واحدة، ولكن حتى يفهموا القرآن اضطروا أن يهاجروا من مسافات بعيدة، ويلزم الواحد منهم الدرس فيدرس اللغة العربية نحوا وبلاغة وصرفا وغير ذلك من أجل أن يتلذذ بالقرآن ويدرك معانيه. فلو سألت من تشاء من العلماء ما هو الكتاب الذي يمكنني أن أعرف من خلاله شيئا من بلاغة القرآن وأسراره اللغوية يقال لك: الكشاف للزمخشري وهو ليس بعربي، فالحاصل في عصر التابعين كان هناك اهتمام في جانب من الجوانب مع ما اعترى كتب التفسير في تلك الحقب من دخيل كالقصص الإسرائيلية ونحو ذلك.

وأضاف: ثم لما قدَّر للعالم الإسلامي أن يرقد رقدته الطويلة اختلف منهج التعامل مع القرآن 180 درجة فقد أصبحت كثير من بقاع العالم الإسلامي لا يهتم فيها بالقرآن قدر اهتمامهم بجوانب أخرى، حيث أصبح الاهتمام في عالمنا الإسلامي في هذه الأيام ينصب على إيجاد نسخ جديدة من القرآن الكريم لكنها نسخ بشرية، يحفظ الطفل القرآن الكريم منذ نعومة أظافره، وفي الحقيقة هذا في حد ذاته مغنم، وكلنا ندعو إلى حفظ القرآن، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا ممن يحاولون أن يحفظوا القرآن ويحفظوا أبناءهم القرآن، فحفظ القرآن الكريم كرامة من الله تعالى وغنيمة ما بعدها من غنيمة، وحفظه عن ظهر قلب هو الذي جعل المسلمين في الاتحاد السوفييتي قبل أن ينهار وفي غيرها من الدول التي دمرت فيها المساجد وقـتّل فيها المسلمون هو الذي حفظ لهم دينهم لأنهم إذا أرادوا من يحفظهم سورة الفاتحة أو بعض السور التي يصلون بها يجدون على الأقل ولكن يطرح السؤال نفسه؟ فالله سبحانه وتعالى دلنا فقال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) وقال: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)، هذه الآيات وغيرها تطالبنا بالحفظ أم تطالبنا بالفهم؟!.

الحفظ مع الفهم

وأوضح قائلا: لو رجعنا إلى منهج ابن مسعود ومنهج غيره من الصحابة لوجدنا بأن قلة من الصحابة كانوا يحفظون القرآن الكريم كاملاً، لكن الكثرة كانت تسأل عن أحكامه، وتحاول أن تتعامل معه، وأن تفهم ما فيه من آيات وأحكام ومن أسرار، فالحل إذا ليس في أن يتجه العالم الإسلامي إلى الحفظ فقط دون تأمل، فتجد كثيراً من حفظة القرآن الكريم، لكن اسأل واحداً منهم: هل تستطيع أن تستخرج الدروس والعظات أو العبر من قصص القرآن الكريم؟! تجده لا يعرف، لأن التنافس أصبح في الحفظ وليس في الفهم، فمنذ صغر سنه تأتي أمه تسأله وأبوه يسأله وإمام المسجد يسأله والناس كلها تسأله: كم تحفظ من القرآن الكريم؟ لكن هل سأله أحد منه: هل تفهم القرآن الكريم؟ بل هل حاولت أصلاً أن تفهم ما في القرآن الكريم؟.

وأضاف: المسلم مطالب إذا قرأ القرآن وفتح المصحف يحاول أن يفهم على قدر استطاعته، وإذا استعصى عليه شيء، فالحمد لله الآن السبل ميسرة وأهل العلم موجودون، عليه أن يسأل لماذا هذه الآية جاءت كذا؟ ويحاول أن يرجع إلى ما لديه من كتب التفسير الموثوقة مثل تيسير التفسير وهميان الزاد وتفسير هود بن محكم الهواري وجواهر التفسير لسماحة الشيخ الخليلي- يحفظه الله تعالى-، ويحاول أن يتزود بشيء من الزاد اللغوي حتى يستطع أن يفهم القرآن الكريم.

خطوات نحو الحل

وأشار العيسري الى أن هناك بعض الخطوات أحسب- والعلم عند الله تعالى- أن المسلمين إذا أخذوا بها فإن تعاملنا مع القرآن الكريم سيتغير. الخطوة الأولى: حلقات الفجر فكل مسجد من المساجد ينبغي أن تعاد إليه حلقات الفجر، وهذه العادة كانت موجودة في عمان لا تكاد تدخل مسجداً أو تمر على مسجد بعد صلاة الفجر إلا وتجد كل المساجد فيها حلقات للقرآن الكريم، هذا الوضع بدأ يتغير خاصة بعد وجود مدارس القرآن والمدارس النظامية، فيقول الأب: الولد سيتعلم في المدرسة النظامية وفي مدارس القرآن، لكن هذا لا ينبغي، فينبغي أن تقام الحلقات، والحلقات ليست للأطفال فقط وإنما للبُلَّغ قبل الأطفال، فالقرآن لم ينزل لكي يقرأه الصغار فقط، وهذه واحدة من مآسينا فعندما يقال فلان يتعلم القرآن، فما الذي يرسخ في ذهن السامع في البداية إنه طفل أو بالغ؟ إنه طفل؛ لأن تعلم القرآن أصبح حكراً على الأطفال، وكأنه عار على الكبير أن يتعلم القرآن الكريم، فهذا الوضع لا بد أن يصحح.

وأضاف: لو كل واحد قرر أن يقيم حلقة للقرآن الكريم بعد صلاة الفجر لمدة عشر دقائق، فمع الأيام ستجد أن أولئك الناس بدأت ألسنتهم تتحول تدريجياً وتصبح قادرة على نطق القرآن الكريم، ونطق الحروف من مخارجها الصحيحة صغاراً وكباراً على السواء، وهذه طريقة مجربة وقد زرت أكثر من ولاية من ولايات السلطنة، فوجدت بأن المساجد التي تقام فيها هذه الحلقات يختلف أطفالها وشيبها وشبابها عن المساجد التي لا تقام فيه أمثال هذه الحلقات، فإقامة هذه الحلقات أمر لا غنى عنه .والرسول- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حضنا عليها بل القرآن الكريم قال: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)، وإن كان بعض العلماء قال : إن قرآن الفجر هو صلاة الفجر ولكن مع ذلك فالقرآن الذي يتلى بعد صلاة الفجر لا يبعد أن يكون مندرجاً في عموم هذه الآية .

أما الخطوة الثانية: والأمر الثاني أن تلك الحلقة بعد مرور أيام أو أشهر أصبح بعدها الناس يتقنون التلاوة، يضاف يوم من الأسبوع لا يكون للتلاوة وإنما للتأمل والتدبر، ولنبدأ مثلا بسورة الكهف، فهذه السورة فيها الكثير من القصص؛ بل كلها قصص وبينها فواصل، فكل واحد يقال له: أنت اقرأ وتأمل، لا نقول لك أن تفـتي ولكن على قدر استطاعتك، فإذا قرأت شيئاً من التيسير أو في الهميان والكشاف للزمخشري، ويوم الجمعة ستناقش في هذه القصة، وإذا كان أحد عنده كتاب قرأ فيه قصة من القصص من سورة الكهف، يفيدنا ببعض الدروس المستفادة ونحو ذلك، فمع الأيام ستجد أن أصحاب ذلك المسجد بدأوا يدركون كيف يتدبرون القرآن الكريم ويتأملونه. والخطوة الثالثة: الاهتمام باللغة العربية.. فلابد أن تعاد اللغة العربية إلى المساجد، والاهتمام باللغة العربية يتطلب وجود شخص في المسجد يعرف مبادئ النحو، فيدرس الناس ولكن بشرط أن يكون تدريس النحو مربوطاً مع القرآن الكريم من أول لحظة، لما نأتي إلى التمثيل مثلاً لعلامات الفعل من ضمنها السين، لا نقول: سيضرب زيد عمرا، وإنما قل: (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ)، (َسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون)، فتكون الأمثلة كلها من القرآن الكريم، فهذه الطريقة تعين الناس على تعلم النحو وتعينهم على فهم القرآن الكريم، ومع الأيام ستجد أن الناس إذا أدركوا أسرار اللغة العربية ومبادئها ومعانيها سيتذوقون حلاوة القرآن، قد يقول شخص: إن النحو صعب، لا إن النحو ليس بصعب، ولو كان النحو العربي صعباً لأنزل القرآن الكريم بلغة أخرى، الله تعالى يقول: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)، وإذا كان القرآن ببلاغته وقراءته ميسرا، فالنحو أيضا ميسر ولكن يحتاج إلى طريقة معينة لتدريسه، فبعض العلماء من أمثال الشيخ سعيد بن عبدالله بن غابش- رحمه الله- كان يدرس النحو في شهر واحد، ولكن نحتاج للأخوة الذين أكرمهم الله تعالى بالمعرفة في اللغة العربية إلى اهتمام بإيجاد حلقة للنحو في المساجد مع حلقة القرآن، وبذلك سترى أن الناس قد بدأوا يفهمون القرآن الكريم. والخطوة الرابعة: توفر المراجع التي تعين على فهم القرآن.. فالمساجد ينبغي أن تزود بكل ما له علاقة بالقرآن الكريم، ليس المصحف فقط هو مهم بل هو الأصل، لكن هناك كتب وأدوات تعين حتى إذا طرأت مسألة وأخذ الناس يتناقشون حولها، فكل واحد يستطيع أن يرجع إلى تلك المراجع، وأخص بالذكر في ظلال القرآن لسيد قطب والكشاف للزمخشري وجواهر التفسير لسماحة الشيخ الخليلي- حفظه الله تعالى- بالإضافة إلى معجم من معاجم اللغة كمختار الصحاح، فتكون هذه الكتب بمثابة المرجع الموجود في المسجد .

أما الخطوة الخامسة: تأمل الآيات الكريمة والغوص في أعماق دلالاتها.. فلو أن كل إنسان وهو يقرأ إذا كان يحس بأن التأمل مع الصمت سيجديه أكثر من التأمل مع القراءة الجهرية، فليخصص أوقاتا للتلاوة السرية يتأمل ويتملى، سيجد في كل يوم تساؤلات تدور في ذهنه يناقش الناس الذين يجدهم حواليه، ثم بعد ذلك ما لم يستطع أن يجده في كتب أهل العلم، فيمكن أن يسأل عنه العلماء الموجودين، فلا بد من هذه الأمور بالإضافة إلى التأمل والتملي الذاتي، ثم بعد ذلك سنجد أن القرآن يسري في نفوسنا ويحكم حياتنا، سواء في البنيان أو الاجتماع أو في الدعوة وفي غيرها من الأمور، أما لو ظلت الأمور أن تتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار ولكن دون تأمل أو تدبر فذلك لن يقدم أو يؤخر.