abdallah
abdallah
أعمدة

هوامش .. ومـتون : الحياة، وشعلتها المتوهّجة

06 مايو 2017
06 مايو 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

شاهدتُ،قبل أيّام، مقطع فيديو يتحدّث عن معمّرة تركيّة بلغت من العمر 111 سنة، لها 120 حفيدا، لم تذهب طوال حياتها للطبيب، وحين سألوها عن السرّ في ذلك، أجابت إنه الضحك، فـ«الضحك بصوت عالٍ واحد من الأسرار التي تمنح صاحبها طول العمر».

وهذا ليس بالغريب، فالضحك يوسّع الرئتين، وينشط الدورة الدموية، ويمنع التجاعيد، وبفضل التقدّم العلمي في عصرنا، والتطوّر الذي حصل في حقل الطب، والنماء الاقتصادي، ارتفعت نسبة متوسط الأعمار، وصار من الممكن للإنسان،إذا ما التزم بنظام غذائي صحي، ومارس الرياضة، وأقام في بيئة صحية مناسبة أن يضيف إلى عمره سنوات يكون خلالها نشيطا،قادرا على العطاء، لا قعيد السرير، والمستشفيات، فريسة للأدوية !

وهذا لا يتقاطع مع إيماننا بأن «الأعمار بيد الله»

وقد شاهدت حلقة من برنامج «خواطر» لأحمد الشقيري عرض فيها ثلاثة نماذج لمعمّرين من أماكن مختلفة هي: اليابان،أمريكا، مصر، أطولهم عمرا الأمريكي الذي بلغ102 تليه اليابانيّة، وتبلغ من العمر96،والمصري وعمره92 سنة.

الثلاثة يجمعهم حب الحياة، والعمل، وتجنّب التدخين، والكحوليّات،واتباع نظام غذائي صحّي،وهذا النظام هو الذي جعل السيدة اليابانيّة ما تزال تعمل في حديقة المنزل، تهتم بنباتاتها التي تصعد إليها، وهي في العمر درجتين إذا كانت في مكان مرتفع،وتأسف لأنها صارت لن تتمكّن من العمل يوميّا أكثر من ثلاث ساعات، أما المعمّر الأمريكي، فهو يقود سيّارته، ويذهب يوميّا إلى أحد النوادي الرياضيّة راميا أعوامه الــ102 وراء ظهره!

وظهر المعمّر المصري بين رفيقيه شابّا كونه يصغرهما بسنوات، مواظبا على رياضة المشي، وكان الأكثر نشاطا، وحيويّة، وقال إنّه يدين بطول عمره إلى الآية الكريمة«خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» وهي آية تدعو إلى حسن الخلق في التعامل مع الناس والتجاوز عن الأخطاء،وكذلك الأمريكي الذي قال إن الإيمان بالله جعله يحافظ على صحّته فقد نشأ في أحضان الكنيسة، وعاش حياة مستقرّة هادئة لم يعكّرها سوى وفاة زوجته،قبل سنوات،وكانت آخر كلمة سمعها منها هي «أحبك « قالتها ثلاث مرّات بعدها لفظت أنفاسها الأخيرة، واختزلت المعمّرة اليابانيّة تجربتها بكلمة واحدة هي «حب العمل»، والحرص عليه،وهي اليوم تعمل، وتعدّ طعامها بنفسها.

وفي نهاية الحلقة لخّص الشقيري خمسة أسباب تجعل الإنسان يحافظ على حيويّته، وصحّته، وشبابه مهما تقدّم به العمر، وهي:الحركة، والإيمان، والنظام الغذائي الصحّي، والمحيط الاجتماعي،واعتبر العامل الأخير مهمّا جدا،فمن المحيط الاجتماعي يستمدّ الإنسان شعورا بالانتماء، والفخر، والتواصل،وهو يعطيه إحساسا بالقيمة الاجتماعيّة، فالمعمّر الأمريكي محاط باهتمام، ورعاية المحيطين به، فظهر كأنه نجم،وهذا يقوّي شعوره بالفخر، والرضا عن النفس،وقد يغمر هذا الإحساس كل ّ شخص يؤدّي عملا يخدم المجتمع، كما يفعل الفقير البلغاري دوبري دوبريف الذي يبلغ عمره ٩٨ سنة،كما قرأت عنه، فهو يمضي يومه في التسوّل، لتسديد فواتير الكهرباء، والماء لملجأ أيتام، بينما يصل الإنسان إلى مرحلة اليأس والإحباط، وهو في عز ّ شبابه، ويصاب بالاكتئاب بسبب فقدانه الشعور بأنّه يقدّم خدمة للمجتمع.

ولكي يحافظ الإنسان على بنائه الجسماني، والنفسي يضع د.إبراهيم الفقي أركانا سبعة،جعل في مقدّمتها:الركن الروحي (العلاقة بالله، والتسامح )، يليه الصحي (الأفكار الصحية، والأكل الصحي، وتحرّكات الجسم)، والشخصي (التقدير الذاتي، والصورة الذاتية، والإنجاز الذاتي لتحديد الاتصال مع العالم الخارجي)، والعائلي ( العلاقة الزوجية، وعلاقة الآباء بالأبناء، والعلاقة مع العائلة)،والاجتماعي (علاقات الفرد مع الأصدقاء، والأقارب)، والمهني (الرغبة في التميز)، والمادي (القدرة على خلق نوع من أنواع التوازن بين الاحتياجات، والموجودات لاتّقاء تطلع النفس إلى أشياء تفوق الإمكانات، وينصح الفقي بأن ينمّي الإنسان مهارات أخرى إلى جانب مهارته في تخصّصه لكي يستعين بها مستقبلا حين يحال إلى التقاعد ومن كلّ هذا نرى أنّ استمرار الإنسان بالعمل، ومداومته على العبادات، والضحك، كلّها كفيلة بمدّ الإنسان بالنشاط، وهي وقود شعلة الحياة التي تجعلها متوهّجة مثل المعمّرة التركيّة الضاحكة.