998688
998688
إشراقات

د. كهلان: أداء الصلاة على وجهها المشروع تورث المسلمين محبة وتعاطفا وإيثارا للمصالح العليا للأمة

04 مايو 2017
04 مايو 2017

يجب أن يظهر أثرها وجوهرها في واقع حياتهم -

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

أوضح فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أن أداء الصلاة على وجهها المشروع تورث الفرد وجماعة المسلمين محبة وتعاطفا وتوادا وموالاة في ذات الله تبارك وتعالى، كما تورثهم إيثارا للمصالح العليا للأمة ونبذ أسباب الشقاق والنزاع والخصومة تحقيقا لمعاني الأخوة الإيمانية.. مشيرا إلى أن ما أصاب الأمة من نكبات وأسباب ضعف وهوان مؤشر على عدم انتفاعها من الشعائر التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليها وفي صدارتها الصلاة التي يجب أن يظهر أثرها وجوهرها في واقع حياتهم.

وأضاف: ان الله تبارك وتعالى جعل الصلاة للاستعانة بها على مواجهة لأواء الحياة وفتنها فهي تعين المسلم على مواجهة فتن الحياة وكروبها وأحزانها وغلوائها، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستريح بها حينما يقول لبلال: «ارحنا بها يا بلال» لأنه يجد فيها لذة المناجاة، وصفاء الروح، وإقبال النفس وانشراح الصدر، وعروج الروح الى ملكوت السموات والأرض فيناجي ربه جل وعلا بكل خضوع وتذلل وتواضع، فعلى المسلم أن يتزود منها زاد التقوى ليجد حلاوة الإيمان ولذة المناجاة.. مشيرا إلى أنه لا ينال ذلك من كان مضيعا لأركانها وشرائطها ولروحها الذي هو الخشوع.. جاء ذلك في لقائه ببرنامج سؤال أهل الذكر من تلفزيون سلطنة عمان.. وهنا الحلقة الثالثة والأخيرة من ذلك اللقاء الذي حمل عنوان: «الصلاة نور»:

لنأتي لما يقوله بعض الشباب: نريد ان نصلي وفي الوقت نفسه نريد ان نقضي بعض الوقت مع الزملاء والأصدقاء.. قد نخرج في رحلة مثلا، ويكون ذلك في وقت مبكر، تمر علينا مجموعة من الصلوات، هل يلزمنا ان نترك ما نحن فيه ونذهب لنصلي في المسجد، أم يمكننا ان نصلي حيث كنا ونقيم جماعتنا هناك لأن هناك بعض الأشياء التي تتعلق بلباسنا أو بهيئتنا.. كيف نؤدي في هذه الحالة؟

أجاب فضيلته قائلا: ليست القضية في هذه الأوضاع الاستثنائية الخاصة، وإنما القضية هي في عموم أحوال المصلين، فقد يتساءل الشاب ان معاني الصلاة لا تتحصل عنده في حين انه يصلي بملابس النوم ولا يتزين كما أمر الله تبارك وتعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).. حتى السواك، لا يستاك ولا يهيئ نفسه بدنيا ولا يسبغ الوضوء، ولا يستحضر تعظيم هذا المقام لأنك تجد انه يقول لصاحبه: في دقيقتين انهي صلاتي وآتيك، وكأنه إنما يعود الى اصله وما الصلاة إلا استثناء يريد ان ينتهي منه، لم يلحظ كيف ان الله تبارك تعالى جعل الصلاة للاستعانة بها على مواجهة لأواء هذه الحياة وفتنها حينما قال: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) فهي عون هذا المسلم على مواجهة فتن الحياة وكروبها وأحزانها ولأوائها وغلوائها، وكيف ان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يستريح بها حينما يقول لبلال: «ارحنا بها يا بلال» لأنه يجد فيها لذة المناجاة، ويجد فيها صفاء الروح، وإقبال النفس وانشراح الصدر، يجد فيها عروج هذه الروح الى ملكوت السموات والأرض فيناجي ربه -جل وعلا- بكل خضوع وتذلل وتواضع ويتدرج في التذلل وهو في أقصى درجات التذلل ليكون أقرب الى الله تبارك وتعالى حينما ينخفض أعاليه وترتفع أسافله يكون في ذلك الموضع اقرب الى الله تبارك وتعالى في قمة التذلل والخضوع له سبحانه وتعالى، إلا انه يتزود زاد التقوى ويكون بذلك معظما لربه سبحانه وتعالى وبتعظيمه له جل وعلا يعظم شعائر هذا الدين ويدرك حقيقة وجوده ويعرف هدفه ورسالته في هذه الحياة ولذلك نجد ان هذا التدرج أيضا ملحوظ، فالله تبارك وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) فبدأ بالركوع والتذلل فيه اقل، ثم قال: (وَاسْجُدُوا) وهو غاية التذلل، ثم عاد لما يمكن ان يكون بين الصلاة والصلاة الأخرى قال: (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وعادة مرة أخرى في الآية التي بعدها فقال في أخرها: (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ).

وأضاف: أما في الأوضاع التي رخص فيها الشارع كالسفر أو المرض أو غيرها من الأحوال، فلا ريب ان هذا الدين يسر وان الحرج فيه مرفوع لا ضيق فيه ولا مشقة، فحينئذ لا حرج عليهم في أدائهم لتلك الصلاة على ان يؤدوها جماعة وان يتذكروا هذه المعاني وان تكون هي الأساس في خروجهم وسفرهم وقضائهم لحوائجهم التي خرجوا إليها.

هوية المسلم

من يجد في نفسه قلة همة وقسوة عندما تحين الصلاة ويتلهى بالملهيات عندما يسمع المؤذن، فكيف يصلح من نفسه بوسائل عملية ويعظم أمر ربه؟

تقدم ذكر طائفة منها لكن لابد له من مشوقات والصلاة فيها حلاوة الإيمان ولذة المناجاة مما يعني ان عليه ان يوجد في نفسه الرغبة، فلا يصح ان يزعم احد انه يؤدي الصلاة ولكنه لا يجد هذه المعاني وهو في أدائه لصلاته مضيع لأركانها وشرائطها ولروحها الذي هو الخشوع، لكن عليه ان يحمل نفسه بوسائل عملية تبدأ من الرغبة الصادقة فلابد ان يكون راغبا متطلعا للحصول على عوائد الصلاة ومنافعها وان تكون مبعث هذه الرغبة مع الامتثال لأمر الله تبارك وتعالى انه يريد ان يستشعر حلاوة الإيمان وان يجد في صلاته تلك لذة عبوديته لله سبحانه وتعالى لأن كثيرا من العبادات يؤديها الناس اليوم -كما تقدم- على أنها عادات أو أعراف ويتغافلون على أنها اصل هوية المسلم وأساس بناء شخصيته ولذلك فان المسلم الصادق يجد في هذه الصلاة هذه المعاني، يجد فيها حلاوة الإيمان ولذة عبادة الله تبارك وتعالى فعليه ان يبتغيها وان يقصد إليها، ثم مع هذه الرغبة نحن إذا نظرنا في آيات الكتاب العزيز سنجد ان وصف المصلين يأتي مقترنا بصفات، فالله تبارك وتعالى يقول: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، وقد تقدم طرف من الحديث فيما يتعلق بالخشوع ومرد ذلك الى القلب، فالله سبحانه قد أغنانا عن كثرة البحث، فبعض الناس وبعض الفقهاء يصعّب الأمور على الناس فيوهمهم ان الخشوع مرتبة لا ينالها إلا كبار الزهاد والعبّاد وهذا جيل قد مضى، أما نحن اليوم فتكفينا هذه الظواهر ولعل نصيبنا من الصلاة ألا نؤاخذ، وهذا تثبيط وهو غير صحيح، هذا دين الله تبارك وتعالى.

وفيما يتعلق بالخشوع، الله تبارك وتعالى يقول: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) فمحل ذلك القلب، ان يخشع قلبه لذكر الله تبارك وتعالى ولما نزل من الحق، وما الذي نزل من الحق هو القرآن الذي يتلوه هذا المصلي أو ينصت إليه في صلاته لاسيما إذا كان في جماعة، فهذه خصلة من الخصلات التي وصف الله تبارك وتعالى بها عباده المفلحين، أيضا قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) إذن المداومة على الصلاة، وأيضا لفظة حافظوا على الصلاة في قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فالمحافظة وكأنها أمانة يتعهدها بالرعاية وحسن الصيانة عند أوقاتها، وكذلك الحال في قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) نجد ان الله تبارك وتعالى يصف المصلين بأنهم: دائمون، خاشعون، مقيمون لصلاتهم، فإقامة الصلاة تختلف عن أدائها، وإقامتها يعني الإتيان بها على احسن ما يستطيعه من توفيتها لأركانها وشروطها، وعلينا ان نتمثل هذه المعاني وهذه الشرائط في إقامتنا لصلواتنا ونأخذ بنصيبنا منها ونحمل انفسنا مجاهدة على هذه المعاني فقد لا نستطيع ان نحصل على ما نبتغيه من اثر الصلاة، لكن هذا لا يصح ان يكون أيضا مثبطا لنا بل علينا ان نجتهد وان نحاول، والله تبارك وتعالى ذو فضل عظيم متى ما وجد الإقبال من عباده فانه يفتح لهم من فتوحات رحمته وألطافه سبحانه وتعالى.

إيثار ومحبة

ذكرتم فضيلة الشيخ عن أثر الصلاة على الفرد حيث إنها تنظم حياته وتهذب سلوكه؟ فما اثر الصلاة على الأمة المتكونة من أفراد وجماعات.. فهناك من المصلين من يصلي مع إخوانه ثم يخرج بعد الصلاة يدعو الى تفرقها وتمزقها وتصنيفها، هل معنى ذلك ان الصلاة لم تؤت أثرها على الأمة وإنما بقي أثرها على الفرد؟

نعم، مثل هذا مؤشر على ان الصلاة عند هؤلاء لم تؤت ثمارها لأن الله تبارك وتعالى حينما نصب الصلاة عمودا لهذا الدين إنما أراد لها ان تكون سببا لتأليف قلوب المؤمنين، فهم يتجهون الى قبلة واحدة ويعبدون ربا واحدا ويتأسون بخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويصطفون بقلوب وجلة راجية لما عند الله تبارك وتعالى مشفقة من عذابه، تتراص صفوفهم يبتغون فضل الله تبارك وتعالى لا فرق بين شريفهم وضعيفهم ولا بين غنيهم وفقيرهم، ولا بين أبيضهم وأسودهم، كلهم سواسية أمام الله تبارك وتعالى لا فرق بينهم إلا بالتقوى، فالصلاة حينئذ تورث جماعة المسلمين وأمة الإسلام كما تورث الفرد انتهاء عن الفحشاء والمنكر، تورثهم محبة وتعاطفا وتوادا وموالاة في ذات الله تبارك وتعالى، وتورثهم إيثارا للمصالح العليا لهذه الأمة ونبذا لأسباب الشقاق والنزاع والخصومة، تورثهم حسن منطق وجميل أدب وسمو نفس وتآلف قلوب وسعيا لمصالح بعضهم البعض وتحقيقا لمعاني الأخوة الإيمانية فان لم يظهر هذا الأثر في المسلمين أو في بعضهم فان هذا يعني ان هناك خللا لدى هؤلاء لأنهم يزكون انفسهم على الله تبارك وتعالى ولا يفقهون حقيقة الصلاة وجوهرها ولا اثرها في واقع نفوسهم ولا في واقعهم أمتهم وما أصاب هذه الأمة من نكبات ومن أسباب ضعف وهوان إلا لأنها لم تنتفع من الشعائر التي فرضها الله تبارك وتعالى عليها وفي صدارتها الصلاة وإلا فإنهم يرون حينما تنتظم صفوفهم يبدأون بأنفسهم فيصلحون أحوال انفسهم فإذا بهم كالجسد الواحد فكيف يفوتون هذه المصلحة العظمى، وكيف يفرطون في ذلك لأسباب واهية ضعيفة تمزق وحدة هذه الأمة وتفري أوداجها وتبعث فيها الذلة والمهانة والضعف في نفسها وأمام أعدائها، فكيف يتركون كل ذلك وينبذونه وراء ظهورهم ويسعون في هذه الأمة تشتيتا لشملها وتفريقا لكلمتها وبعثا لأسباب هوانها وضعفها، لكن الذي يثلج الصدر ويشرح النفوس هو ان شباب هذه الأمة اليوم اصبحوا بحمد الله تبارك وتعالى مترفعين على أمثال دعاة الفتن هؤلاء، يدركون مغازي هذه الدعوات المضللة التي تمزق هذه الأمة وتفرق كلمتها وتصدع وحدتها، اصبح شبابنا اليوم بحمد الله تبارك وتعالى واعين مدركين لأمثال هذه الدعوات الزائفة، ولذلك تجد أنهم يحذرونها ويحذرون منها، تجدهم أنهم يردونها على أصحابها بالحجة والدليل.

مواقف مشرفة

وأضاف: وفي هذا السياق لعله من غير الخافي ما حصل من أمر محاولة من هذا النوع من المحاولات التي تسعى إلى تفريق هذه الأمة وإلى بعث الفتن فيها فإذا بهم يتناولون أهل الإسلام وأهل القبلة ومذاهب المسلمين بالطعن والتجريح، لكن الذي نحمد الله تبارك وتعالى عليه هو الموقف المشرّف الذي اظهره أهل هذه البلاد وأهل غيرها من العقلاء الناصحين الغيورين على مصالح الأمة في وقفة مشرفة تتناسب مع ما يدعو إليه هذا الدين من نبذ أسباب الفرقة ومن إسكات أصوات هؤلاء الذين يسعون بألسنة حداد وقلوب غلاظ الى فري أوداج وحدة المسلمين وجسد هذه الأمة بنصال السوء والنفاق والباطل، فكم رأينا من وقف نبيل مشرف من أهل عمان ومن غير أهل عمان إزاء أمثال هذه الفتن التي يسكتونها بصوت الحق ويدفعونها بالحجة والدليل، ونحن نسأل الله تبارك وتعالى ان يهدي هؤلاء الى الصراط المستقيم وان يكف أيديهم وألسنتهم عن أهل الإسلام جميعا، وأن يرد كيدهم في نحورهم وأن يعز أهل هذا الدين وان يمكّن لهم في الأرض وان يحفظ لهم دينهم بما يشتمل عليه من يسر ونفي للحرج وما يشتمل عليه أيضا من سماحة في عقيدته وفي شريعته وفي أخلاقه، ومن مقاصد معتبرة شرعا تدعو الى ألفة المسلمين وإلى تحقيق معاني الأخوة الصادقة فيهم وإلى بعث روح الموالاة الحقيقية الصادقة والرجاء في الله تبارك وتعالى كبير لأن هذه البشائر التي رأيناها تبعث حقيقة على مزيد من التفاؤل والطموح مع وجود أمثال هذه الأصوات، فان أمثال هذه الأصوات لن تخلو منها فترة من الفترات أو وقت من الأوقات لكن الذي يرد هذه المكائد على أصحابها الوعي العام الذي يوجد لدى عموم المسلمين والحذر من أمثال هذه الفتن والتنبّه لمثل هذه المكائد وردها على أهلها والمضي قدما في ما يرضي الله تبارك وتعالى من تآلف وإخاء في هذه البلاد وفي سائر بلاد المسلمين.