abdullah
abdullah
أعمدة

نوافـذ : باعة متجولون

30 أبريل 2017
30 أبريل 2017

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@ashouily -

صيف حار وشمس صاهدة بلا شك ولكنها لقمة العيش، كما يقول من وقف على قدميه طيلة نهاره أمام ناصية شارع يبيع خضارا أو فاكهة، يشوي لحما أو يبيع سمكا، يقلي ذرة صفراء أو يتاجر في خرداوات جمعها من هنا وهناك، هذا هو حاله وديدنه منذ أن تطلع شمسه وحتى قبل أو بعد أن تغرب، يأتي شخص ويذهب غيره والحال كما هو، مكان تعارف عليه العامة من الناس بأنه مكان بيع اقتطع من أرض هي ربما ملك لشخص أو جهة ولكنها توفر ملجأ ولقمة عيش كريمة لصاحبها وتوفر في ذات الوقت ثمنا أزهد لمشترٍ عجز عن ابتياع متاعه من باعة لا يرحمون.

هذا هو مشهد الباعة المتجولين والمشترين المتجولين، كلهم مخالفون للقانون والنظام، فلا الباعة ملتزمون بقواعد البيع والشراء والصحة والنظافة، ولا المشترين أيضا ملتزمون بقواعد الصحة والسلامة التي تكون على المحك عند شرائهم لمنتجات لم تخضع لفحوص أو إشراف من قبل جهات الإشراف، ولكن لن يتوقف الباعة وأيضا لن يتوقف المشترون فكل منهم له مصلحة كبرى في الكسب من الآخر وفي ذات الوقت لن تتوقف الجهات المناط بها الإشراف على هؤلاء عن مخالفتهم لارتكابهم جرم العمل بدون تصريح ومنافستهم للباعة الحقيقيين ممن يذهب نصف دخلهم على إيجار وفواتير ومستلزمات أخرى.

هذا الأمر لم أره بعيني هنا فقط، فهو منتشر في كل بلاد الله العربية منها والأعجمية، المسلمة منها والكافرة، هنالك باعة متجولون يسترزقون من القليل ومن عابري السبيل وممن يقصدهم في الليل والنهار وهنالك مشترون ممن لا يحلو لهم إلا الشراء من أولئك الباعة المتجولين لاعتقادهم بأن ما يعرضه هؤلاء للبيع له طعم خاص ومذاق شهي ورائحة زكية وقد لا يتوافر ما يبيعونه في أماكن كثيرة أخرى أرقى وأنظف فهي أماكن توصف بأنها شعبية وترتادها كل فئات الشعب المختلفة.

رأيت مدنا تقوم بتنظيم عمل هؤلاء الباعة وتعترف بهم وبعملهم وتسهل لهم طرق كسبه، ورأيت مدنا أخرى تحاربهم وتضيق عليهم الخناق وتحاول بكل قوة كسر شوكتهم، ورأيت مدنا ثالثة بين هذا وذاك تغض طرفها عن كل هذا ولا تحاول التدخل في أمر البيع والشراء جزما منها بأن هذا المنظر بات سمة من سمات مدينتهم ويميزها عن بقية المدن الأخرى، وبين كل هذا وذاك لن يتوقف الباعة عن بيعهم ولا المشترون عن شرائهم فالبيع والشراء مستمران منذ الأزل وسيبقيان إلى الأبد.

لدينا محاولات لتأطير هذا العمل ومهره بختم الوظيفة وإيجاد تعريف وتصنيف وترتيب له ولممتهنه، ووضع لوائح واشتراطات وضوابط وتسهيل الحصول على تمويل وقرض ميسر لمشتغله، ولدينا محاولات جادة من قبل جهات إشرافية لجعل هذا العمل حقيقيا للباحث عن عمل يمثل مصدرا له للدخل ولدينا أيضا سعي حثيث للاعتراف بشرعية عمل هؤلاء الباعة وشرعية العمل الذي يقومون به وضمان أن يبقى هذا العمل ملاذا آمنا لصاحبه يقيه عوز الدنيا ويفتح له أبواب الرزق التي شرعها الله في البيع والتجارة، ولدينا قبل هذا وذاك نية صادقة جادة في تنظيم هذه المهنة إيمانا منا بأنها مهنة قد تكون ذات جذب سياحي أولا إن طوعت لهذا الغرض كما سلكت بعض المدن هذا المسلك وأيضا هي مهنة ستسهم في توظيف عدد من أبنائنا وبناتنا وتوفر لهم سبل عيش كريمة بدلا من الاعتماد على مصدر أحادي للوظيفة ولدينا يقين بأن كل ما قيل آنفا كثير منه سيتحقق إن وجد المخلصون للوطن والمواطن وهذه مسألة وقت. علني أكون صائبا فيما ذهبت إليه.