أفكار وآراء

توازن الأنشطة البشرية .. ضرورة لضمان سلامة الموارد

30 أبريل 2017
30 أبريل 2017

عبد الله بن محمد المسن -

ومتابعة لما أشرنا إليه أن القلة في شيء يقابلها زيادة في شيء آخر، والنقص والزيادة هذه من تقويم البشر، ولم يدرك الكثير أنها لحكمة بالغة ألا وهي اتزان الكون وثباته. فهذه الثنائيات هي أنسب شيء للحياة، وسر استمرارها ، حددها له الله على الأرض، حينما استخلف الإنسان ليعمر لا ليدمر. ولابد أن ندرك أن الاستنزاف العشوائي يؤدي إلى خلل واضطراب باستمرار الحياة وتوازنها وثبات الكون، وربما يؤدي ذلك إلى قلب الموازين على سطح الأرض وهذا ما نراه الآن.

وجعل سبحانه وتعالى لكل عنصر من عناصر الحياة دورة محددة، فللهواء دورة، وللنبات دورة حتى الكائنات الحية الدقيقة لها دورة وجميع هذه الدورات تتداخل في شكل حلقات محكمة الترابط والتفاعل لتصنع دورة الحياة بشموليتها ودقتها وتوازنها، فالغاية منها التي ما زالت تمثل صورة حقيقية ومعبرة عن دورة الحياة بشكلها الأولى تعيش الحيوانات العشبية على النباتات المتوفرة بالغابة وهذه الحيوانات هي الغذاء الأول للحيوانات آكلة اللحوم والطيور الجارحة وبقايا الآخيرة تتحول إلى مواد خصبة للأرض في شكل سماد طبيعي حينما تتولى البكتيريا العضوية تحليلها وتحويلها إلى عناصر بديلة تعود للأرض لتسهم في نمو النبات مع دورة الماء والهواء وهكذا تستمر الحياة في توازنها.

أما الإنسان فكـــان في الماضي تعداده بسيطاً، وكـــان يعتمد فيه على الصيد وقطف الثمــار والفاكهة ثم اكتشف النار لتجهيز ما يصطاده من حيوانات صالحـــة للغذاء واكتشف أيضاً أن المخلفات الناتجـــة عن حرق الأخشاب والنباتات تحســـن من خصوبة التربة، كما أنه بفعل الرياح والحيوانات والطيور والحشرات كانت البذور تنتقل من مكان لآخر ومع توافر مياه الأمطار والمسطحات المائية كانت النباتات تنمو ثم بدأ الإنسان يعرف الزراعة فبدأ في إزالة المزيد من الأشجار والأعشاب ليستغل المساحة الجديدة في زراعة نوعيات معينة من النباتات بكميات وفيرة وهكذا انتشرت الزراعة وتحول المجتمع من بدائي أولي زراعي بسيط، ومع زيادة المساحات الخضراء بدأت ظاهرة الري وبدأ استئناس وترويض الكثير من الحيوانات.

وأخذت الزراعة تتطور لتوفير المحاصيل والغذاء اللازم لسد حاجات الأفراد المتزايدة وانتقل المجتمع البشري إلى مجتمع زراعي متطور، ومما لا شك فيه أنه كانت هناك تغيرات بيئية ومناخية كبيرة نتيجة إزالة الأشجار والنباتات حيث تحولت مساحات كبيرة إلى مساحات تكسوها الخضرة و أخرى تحولت إلى مساحات جدباء وتغيرت البيئة النباتية وكذلك كم ونوع الحيوانات الموجودة عليها، وهذه كانت بداية الاختلال في التوازن البيئي وبدأت حدة هذا الاختلال تزداد مع زيادة الكثافة السكانية، فمع زيادة السكان تزداد مطالبهم و احتياجاتهم من المواد الغذائية، ثم ازداد احتراق الأوراق وتزايدت الحاجة إلى قطع الأخشاب وإزالة الغابات والأشجار وصيد الحيوانات.

وهذه كانت بداية المعركة المستمرة بين الإنسان والبيئة بهدف الوصول إلى تحقيق التوازن، وبدأت البيئة تعاني من استنزاف مواردها الطبيعية ليحصل الإنسان على الغذاء وإيجاد مواد للصناعة، وأجهدت الأرض وتدهورت التربة نتيجة لإجهادها بزراعة المحاصيل المختلفة واستخراج ما في باطنها من معادن ووقود، والإنسان رغم قوته وسيطرته وما حققه بالعلم من انتصارات كبيرة إلا إنه لم يتمكن من إيجاد بديل لحاجته للغذاء حيث النبات هو المنتج الوحيد كغذاء مباشر أو غذاء للحيوانات التي يربيها من أجل لحومها كغذاء بروتيني له.

واذا كانت مساحة الأرض تقدر حسب تقديرات المختصين بنحو 500 مليون كيلو متر مربع فإن أكثر من ثلثي هذه المساحة عبارة عن بحار ومحيطات ومساحة إلـ 170 مليون كيلومتر الباقية توجد بها مساحة كبيرة تشغلها الثلوج والجبال والصحراء وهي لا تصلح بطبيعتها لحياة الإنسان أو سكناه، وفي ضوء ذلك لا يتبقى من سطح الأرض سوى 8/‏‏1 مساحتها هي الصالحة لحياة البشر.

مما سبق نرى أن العلاقة وثيقة بين عناصر الطبيعة من مـــاء وهواء وتربة ونبات وحيوان ويحكمها توازن دقيق محكم ولكن الأنشطة البشرية للإنســــان لســـد حاجاته جعلته يتصور أن هذه العناصر جميعاً ملكــاً خاصـــاً له وإنها غير قابلة للنقص أو النضوب يأخذ منها مايريد دون أن يحاسبه أحد ودون أن يدرك أنه بما وهبه الله من آية العقل والتدبر عليه أن يعي تماما إنه ليس الكـــــائن الوحيد في هذا العالم ثم راح يستنزف مــــــوارد الطبيعية ويستكشف مجالات التصنيع مخلفاً كما هائلاً من الملوثات مثل الأتربة المتطـــايرة أثناء العمليات الزراعية المختلفة والغازات المتنوعة الناتجة عن حـــرق الأشجـــار الغابات التي تم تدميرها منها على مستوى العالم سنوياً بمساحة سويسرا.

مثلاً كان الهدف من إزالة الغابات هو توفير مساحــات من الأرض للرعــي كما في امريكا الوسطى بينما في مناطق أخرى بجنوب شرق آسيا أدت إزالـــة الغابات مثلاً إلى تدهور التربة بسبب تزايد الفيضانات والسيول كمـا في بنجلاديش مثلاً ويتطلب الأمـــر ملايين الدولارات لإعادة زراعـــة الغابات التي أزيلت أمــــام إقامـــة المستوطنات البشرية والمشاريع الصناعية لمواجهة الانفجار السكاني وبهذا المعدل يتوقع الخبراء اختفــاء الغابات تدريجياً، وقد أكدت كافة البحوث والدراسات أن أي إخلال بالتوازن البيئي يهدد مختلف أشكال الحياة على الأرض لذلك على البشر يدركوا أن كل شيء مقدر ومقنن، ولقد اشرنا الى تأثير الانفجار السكاني الذي يشهده العالم وبخاصة في الدول النامية على كفاءة وفعاليات الخدمات التي تقدمها حكومات هذه الدول لتوفير الحياة الآمنة المستقرة لمواطنيها هذا إلى جانب الآثار السلبية على أوضاع البشر من صحة وتعليم ورعاية اجتماعية وتنمية اقتصادية ، كل ذلك نتيجة لعدم الالتزام بالتوازن المطلوب بين الأنشطة البشرية وضمان سلامة الموارد الطبيعية وتجددها واستمرارها . لذلك فإن الضرورة تحتم علينا أن نراعي التوازن البيئي ، والالتزام بالأنظمة والقوانين البيئية حتى نتمكن من تجنب أي إخلال في التوازن البيئي .. والله الموفق.