إشراقات

فتاوى لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة

27 أبريل 2017
27 أبريل 2017

الأمور الغيبية لا يتحدث عنها إلا بدليل قاطع يعتمد عليه -

ما حكم صوم يوم الإسراء والمعراج؟

هذا يوم كسائر الأيام، لم يأت بدليل بمسنونية صومه، ولم يأت دليل أيضًا بمنع صومه. فمن أراد أن يصوم هذا اليوم على أنه صيام عادي، صيام لم تدل عليه سنة ثابتة فلا حرج عليه؛ لأن الحديث الذي روي باستحباب صومه إنما هو حديث ضعيف، ولكن مع ذلك لم يأت أي دليل يمنع من صومه. فمن أراد أن يصومه على أنه كسائر الأيام، يصومه كما يصوم أي يوم يريد أن يصومه تقربًا إلى الله تبارك وتعالى فلا يقال بمنعه من هذا الصوم. وأما اعتقاده بأن ذلك سنة فهذا مما يتوقف على ثبوت مسنونية صيام هذا اليوم وذلك مما لم يثبت.

ما هي أوصاف دابة البراق؟

هذه الأوصاف إنما تتوقف على الأدلة الصحيحة الثابتة، وهذه أمور هي من الغيبيات التي نحن لم نكلف تفاصيلها، فلا داعي إلى التساؤل عنها أو الخوض فيها، إذ الإنسان في هذه الأمور الغيبية لا يتحدث عنها إلا بدليل قاطع يعتمد عليه، أما الأدلة الضعيفة بل حتى الأدلة الصحيحة التي هي غير قطعية لا يعوّل عليها في مثل هذه القضايا إنما يعوّل على الأدلة القطيعة لأنها أمور غيبية.

ما هو المعراج؟

المعراج يقصد به العروج إلى المقامات العلى، هذا هو المقصود، الأصل معراج مفعال، ومفعال يطلق على الآلة، ولكن يراد به هنا العروج.

ما هي وسيلة المعراج؟

نحن نعلم أن الله تعالى يصنع ما يشاء ويفعل ما يريد، الله تبارك وتعالى يدّبر هذا الكون كما يريده، ينقل الشمس من مكان إلى مكان كما يقول العلماء الآن بأنها تقطع في الثانية الواحدة اثني عشر ميلًا، والشمس هي أكبر من الأرض بمليون ضعف ومع ذلك تقطع هذه المسافة، ما هي الوسيلة؟ إنما هي قدرة الله تعالى التي أحاطت بكل شيء، فضلًا عن الأجرام الفلكية الأخرى التي هي أكبر من الشمس بكثير، وهي أسرع من الشمس بكثير، كل ذلك مما يدل على أن الله على كل شيء قدير.

فهل الله سبحانه وتعالى يعجزه أن يعرج بعبده ورسوله -صلى الله عليه وسلّم- من غير وسيلة، وهل هو بحاجة إلى الوسيلة، إنما علينا أن نسلّم الأمر لله تبارك وتعالى وأن لا نخوض في ذلك.

ما هي الدروس والعبر التي يمكن أن يستفيدها المسلم من خلال هذه المناسبة؟

حقيقة الأمر، المسلم يستفيد الكثير؛ لأن المسلم دائمًا يكون موصولًا بربه سبحانه وتعالى فإن واجهته شدة علم أن وراء هذه الشدة خيرًا له، إذ لا يضيّق عليه إلا لخير يريده الله تعالى به أو بسبب معصية اقترفها وأراد الله أن يعجل عليه العقوبة، فهو يحاسب نفسه إن كان هنالك ضيق عليه، مع كونه يعوّل على ربه سبحانه راجيًا من الله تعالى أن يفرّج كربته وينفّسها عنه، فهذا هو شأن المسلم.

وهناك أيضًا من جملة العبر ما يؤذن بأن الشدائد وإن ضاقت فإن انتظار الفرج عبادة. النبي -صلى الله عليه وسلّم- ضاقت به الشدائد، وهو كغيره من الرسل، الرسل جميعًا تمر بهم أزمة شديدة بسبب بما يلقونه من التحدي، فالله سبحانه وتعالى أخبر النبي صلى الله عليه وسلّم بأنباء الرسل ليثبت بذلك فؤاده (وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)، وعندما أمره الله سبحانه وتعالى أن يخبر عن سبيله بل وسبيل أتباعه وهو الدعوة إلى الله أتبع ذلك ما يثبت عزيمته مما قصه من أنباء من قبله من الرسل، فقد قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، ثم أتبع ذلك قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ * حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، فهكذا كان شأن المرسلين مع أقوامهم عندما تضيق بهم الأزمات بحيث يشارفون اليأس بسبب هول الموقف يأتيهم فرج الله تبارك وتعالى. فالمؤمن هكذا يتطلع إلى الفرج، يتطلع إلى النصر، يتطلع إلى اللطف الإلهي، يتطلع إلى الرحمات الربانية التي تغمره في كل موقف من المواقف. وبجانب هذا أيضًا المسلم يشعر دائمًا أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأنه سبحانه وتعالى أحاط بكل شيء علما فهو سبحانه سنّ سننا لهذا الكون، ولكن عندما يريد خرق هذه السنن فهو تعالى لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، هو على كل شيء قدير، يصرف الكون كما يشاء، يقول للشيء كن فيكون.