إشراقات

معان نبيلة ودروس عظيمة

27 أبريل 2017
27 أبريل 2017

ناصر بن عبدالله الصوافي / واعظ بوزارة الاوقاف والشؤون الدينية -

يستذكر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها حادثة عظيمة ومعجزة جليلة كبيرة حدثت لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الا وهي معجزة الإسراء والمعراج وقد صرح القران تصريحا واضحا بليغا بالإسراء في بداية سورة الإسراء فقال جل شانه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وأما المعراج فقد جاء ذكره تلميحا وتضمينا في سورة النجم (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ).

وحيث ان سيرته صلى الله عليه وسلم نبراسا يضيء للامة مشاعل النور في دروب حياتها تستهدي بها في تصحيح حاضرها ومستقبلها فان هذه المعجزة تعتبر احدى تلك المشاعل والإضاءات التي يجب ان تستفيد منها الأمة ففيها من العبر والدروس ما لا يحصى ولا يستقصى ومن أهم معانيها الواضحة انها جاءت تكريما للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وتسلية له وتطمينا له بعدما لاقى من قومه الأذى والصدود والنكران والجحود وبلغ به الجهد منتهاه فرفع اكف الضراعة وابتهل الى ربه وناداه بعدما أغلقت في وجهه الأبواب وتنكرت له العقول وأغلقت القلوب عن قبول دعوته أو سماع حديثه فأصابه الهم والحزن فابتهل الى الله وناداه وطلب عونه وناجاه فكانت المنة العظمى والكرامة الكبرى بأن فتح له أبواب السماء وطاف به في ملكوت الأرض واراه من الآيات الكبرى والدلائل والمشاهد الغيبية ما أراه بأم عينيه ليكون بذلك أعظم مخلوق عند الله يفتح له أبواب السماء وتستقبله الملائكة والأنبياء ويريه من عوالم الغيب وتصريف الأقدار ما لم يطلع عليه أحد قبله ولا بعده وهذه كرامة ما بعدها كرامة وتشريف وأي تشريف وهذا يدلنا على مكانة الحبيب ومنزلته عند ربه .

ومن هنا نعلم أن نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل محبوب وأكرم مخلوق عند الله وهو كذلك عندنا فكان لزاما علينا أن نقتدي به في صبره وتحمله وفي تعامله مع الآخرين وكيف تصرف في المواقف الحرجة وكيف التجأ الى الله تعالى بعدما استنفذ الأسباب وهذا يعلمنا معنى التوكل على الله تعالى بأن نتخذ الأسباب البشرية ولكن لا نعتمد عليها بالكلية وإنما الاعتماد على رب الأسباب ومقدر الأقدار فهو سبحانه بيده كل شيء واليه يرجع أمر كل شيء إذا أراد شيئا كان وإذا لم يرده لم يكن . ومن المعاني العظيمة التي يمكن لنا ان نستلهما من هذه المعجزة ان الانتقام والتشفي والاعتداء ليس من خلق المؤمن ولا من طبيعته فالمؤمن يتخلق بأخلاق النبي القدوة وهو رحمة الله للعالمين وهو القائل لجبريل عندما جاءه مع ملك الجبال ليخسف بهم الأرض ويطبق عليهم الأخشبين قال له : لا يا أخي يا جبريل عسى الله أن يبعث من أصلابهم من يؤمن بالله ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم وهذا المنهج الحق الذي يجب أن نسير عليه في تعاملنا مع خصومنا ومع المكابرين والمعاندين فلا تضمر الشر والحقد والبغض لخصومك ولا تنتقم لنفسك وإنما أجعل عملك كله لله ومن أجل الله وأمنحهم الفرصة تلو الأخرى وعاملهم بالتي هي أحسن فذلك هو منهج الحق ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم ، كن في دعوتك ناصحا أمينا وشفيقا ورحيما هكذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولو كنا كما كان قدوتنا لما شاعت بيننا العداوة والبغضاء والفرقة والخصام والشحناء.

ومن المعاني النبيلة والدروس العظيمة لهذه المعجزة الباهرة انك أيها الإنسان لا تغتر بقوتك ولا بعقلك فمهما بلغت من قوة أو فهم أو علم فلن تصل الى قوة من خلقك وصنعك ، فالإنسان يخترع ويصنع الآلات التي تسارع الزمن وتناطح الكواكب وكل يوم يأتي باختراع جديد يزيد من سرعته ويعلو بفكرته وخبرته ولكنه عن إدراك قوة الخالق وصنع الصانع عاجز وضعيف مهما بلغت قوته ، الا ترون ان نيزكا من النيازك المكتشفة من قبل الإنسان سرعته تساوي 300 ألف كيلو متر في الساعة كما يقولون – فهذا مخلوق من مخلوقات الله تعالى يسر في هذا الكون وفق منظومته التي خلقه الله عليها ولم يبلغ الإنسان بعد هذه السرعة ولربما يبلغها أو لا العلم عند الله ولكن الا يعطينا هذا مثالا واضحا على قدرة الله الخالق الصانع لهذا الكون اذن لا مجال لأن ننكر هذه المعجزة أو نتساءل ونشكك كيف طوى الله تعالى تلك المسافات الشاسعة والطويلة والبعيدة في زمن قياسي بسيط ضئيل يقدر بثواني معدودة فإذا كنت انت أيها الإنسان اكتشفت بعضا من مخلوقات الله وهي النيازك بهذه السرعة وآمنت بها وصدقت وتأكدت من سرعتها أفلا تؤمن بأن الصانع لها يمكن أن يخلق ما هو أسرع منها وأقوى وأعظم ؟! فسبحان الله عما يصفون ...

لقد كانت هذه المعجزة بين مسجدين عظيمين ولهما من المكانة الكبرى والحظوة العظمى في قلوب المسلمين وهما المسجد الحرام أول مسجد بني في الأرض لعبادة الله والمسجد الأقصى وهو ثالث الحرمين بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وقد بين نبينا ورسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام مكانة هذه المساجد في حديثه حيث قال لا تشد الرحال الا لثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى .. والربط بين المسجدين في هذه الرحلة له دلالة عظيمة على ان الإسلام هو الدين القيم والوارث لكل الديانات السابقة وهو الناسخ لها فلا يقبل الله من احد غير دين الإسلام لأنه خاتم الديانات ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ولذلك صلى بالأنبياء إماما في المسجد الأقصى ، وان الأمم مهما اختلفت دياناتها وتباعدت ديارها فان الإسلام يجمعها ويوحدها وكلها تنضوي تحت راية الإسلام ومن هنا وجب على المسلمين ان يعوا هذه الدلالة وان يحافظوا على مقدساتهم ويستشعروا عظمة تلك الأماكن المقدسة ويحيطوها بالجلال والاحترام والتقدير وان يوحدوا صفوفهم ويجمعوا كلمتهم على غاية واحدة وهدف واحد وهو تحرير المسجد الأقصى وارجاعه الى حوزة الإسلام ومهما حصل من فرقة وشتات بين أبناء الأمة فإننا نظل متمسكين بالأمل على عودته وتحريره الا أن ذلك يحتاج منا جهدا كبيرا وعملا شاقا وصبرا جميلا فلا نصر بدون وحدة واتفاق ومحبة ومودة بين الرفاق فان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ونصر الله يحتم علينا ان ننصره في انفسنا وان ننقاد لطاعته وان نعمل على مرضاته ونترك الأطماع الدنيوية والنزاعات القبلية والخلافات المذهبية ولنكن أخوة متعاونين متحابين كما قال جل شانه انما المؤمنون أخوة ... ان من اعظم المنح الربانية واجل الفرائض التعبدية والتي فرضت في ليلة المعراج هي الصلاة فرضت في السماء دليل على رفعتها ومكانتها عند الله فهي صلة بين العبد وربه واقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فما اعظمها من كرامة وما اجلها من عبادة ولو فقهنا معاني الصلاة وقيمتها لاستقامت حياتنا وصلحت أحوالنا لأن الصلاة تنهى عن كل فحشاء وكل منكر سواء في القول أو الفعل ومن يظن أن الصلاة مجرد حركات تعبدية لا روح فيها ولا حياة لها فهذا لا يزداد بصلاته الا بعدا من الله لان الصلاة وضعها الله تعالى ميزان للعبد فكلما اتقن المسلم صلاته كلما صلح حاله واستقامت جوارحه واقترب بها من الله اكثر والعكس صحيح فلا تستقيم صلاة بلا صلة ولا تواصل ولا محبة ولا توافق ومن عظيم فضلها وجميل دلالاتها ان جميع الأمة تتجه لقبلة واحدة وتصلي في اليوم خمس صلوات في أوقات معلومة محددة لا يختلف عليها اثنان وان الصلاة تجمع المختلفين والمتفاوتين في صف واحد وفي مكان واحد وفي زمن واحد كلهم يقفون بين يدي الله لا فرق بينهم الا بالتقوى وهذا دليل واضح وبيان عملي بأن الصلاة تجمع الأمة وتوحد صفوفها ان لو استقامت وأقامت هذه الشعيرة وفق معانيها السامية ومبانيها العالية الرفيعة ولكن أين نحن اليوم من الصلاة ضاعت الصلاة واتبعنا الشهوات فاصبحنا أجسادا تتلاحم في الصفوف ولكن القلوب تتلاعن وتتباغض في السرائر والضمائر ولذلك لا ترى للصلاة أثرا ولا واقعا ملموسا ولا تأثيرا في السلوك والمعاملة رغم كثرة المساجد وزيادة عدد المصلين، وقد عد الإسلام الصلاة عمود الدين لأنها أساسه المتين وركنه الشديد القويم فمن أقامها وأصلحها فقد أقام الدين وأصلح شأنه مع ربه ومع الخلق أجمعين ومن ضيعها ضاعت معها حياته وساءت أحواله وخسر الدنيا والآخرة وذلك مصداقا لقول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وان فسدت فسد سائر عمله أو كما قال صلى الله عليه وسلم..