fawzi
fawzi
أعمدة

أمواج: هل الأشياء في أماكنها؟

26 أبريل 2017
26 أبريل 2017

فوزي بن يونس بن حديد -

[email protected] -

يجد الإنسان نفسه في مأزق حينما تغتاله أفكار خارجية يكون قد تأثّر بها نتيجة عوامل بشرية ربما وأخرى نفسية أو حتى اجتماعية أو اقتصادية، فيأتي بفكر جديد مصبوغ بصبغة الحداثة التي أهلكت الحرث والنسل وجعلت أتباعها في غوغائية وفي صراع داخلي هو أقرب إلى الصراع النفسي، فالشخص الذي نشأ وترعرع في بيئة لها قيم ومبادئ ورثها عن الجد والأب أصبح متمردا على كل ما هو قيمي بدعوى التطور والتقدم والثورة الصناعية التي لم يفهم البعض كيف يتعامل معها ويستفيد من إيجابياتها، فأسقط كل ما تعلّمه بفهم أو بدون فهم على واقعنا المختلف كليا مما تسبب في شرخ في الفكر وانفصام في الشخصية وازدواجية في التعامل، وأصبح يظن أن الأشياء ليست في أماكنها، وأن الواقع يجب أن يتغير مدخلا بعض الألفاظ الغريبة التي لم نألفها في قاموسنا العربي.

القيم والمبادئ والأخلاق هي إرث سلفنا الصالح، وهي كتل صلبة لا تتغير ولا تتبدل بتغير الزمان ولا بتبدل المكان، ونعجب ممن يتمرد على هذه القيم وهو الذي عاش في أحضانها سعيدا فتلوثت عراجين فكره بعد أن هبّت عليها رياح السموم، وتداخلت المفاهيم واضطرب العقل وانحرف الخلق نحو الأسوأ وظن الواهم أنه في سعادة، ولكن عندما يصطدم بالواقع يتألم ويتحسر ويشمئز لأنه لا يدري ماذا يفعل؟ هل يساير الموضة والجديد أم يبقى في جحره، وهو بهذا ينظر إلى الأشياء فلا يجدها في مكانها، فيبحث عن أشياء أخرى بديلة لعلها تجبر خاطره وتخرجه من الأزمة التي يعيشها.

أفكار غريبة وحديثة وجديدة جاء بها مفكرونا الحداثيون الذين تمردوا على القيم والمبادئ، ظنوا أنهم يأتون بالجديد وإذا بهم يقفون تائهين في بحر المجتمع لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، مذبذبين في أفكارهم، يقلدون غيرهم ويقلدون كل من ثار على إرث ظل صامدا قرونا فكيف يأتي صاحب الفكر السعداوي وينقلنا فجأة إلى مجتمع آخر لا تاريخ له ولا مستقبل، فالمسلم الذي تربى على الوسطية والاعتدال لا يقبل بأي حال من الأحوال أن يقلب الصفحة البيضاء فيدنّسها بشتى أنواع الأفكار الدخيلة مما يثير المجتمع برمّته فيحدث الاصطدام وربما يحدث ما لا يحمد عقباه.

هذا الفكر الهدام فعلا، يمكن أن يثير زعزعة في المجتمع ويحدث جرحا عميقا في العلاقات، فقد يفقد الزوج زوجته والأب أبناءه والأخ أخاه، فكيف نرضى أن نبلع سموما جاءتنا من الخارج لتضع على لباسنا بقعا داكنة لا ينظّفها أي مسحوق مهما كانت فاعليته، نخاف فعلا أن يتسرب هذا الفكر في أوساط مجتمعنا، نخاف أن يتأثر أبناؤنا بما يسمى الموضة والجديد والحديث، فيغيّر أماكن الأشياء وتصبح العادات شكليّات وأداء العبادات وثنيّات كما قالت الدكتورة نوال السعداوي وغيرها في كتاباتها الثورية والانقلابية على القيم والمبادئ عدّها بعضهم إبداعا فنالت من المدح والثناء من الكثير من اتبع فكرها في ظل غياب حقيقي للرقابة وانهيار تام للضمير والوازع الديني، كل ذلك بزعم الحضارة والحداثة التي أفسدت كل ثمين في الحياة وقضت على كل جميل، ولوّثت كل نظيف، ومع هذا الانهيار تنهار المجتمعات وتنخر من الداخل حتى إذا وقع الفأس في الرأس كما يقال نرفع أصواتنا ونتهم هذا وذاك. معذرة لمن يقرأ هذا المقال، أقول له إن الأشياء في أماكنها والحمد لله، ومن في عينه عور أو حول لا ينظر إليها، ولا يحاول إسقاط الأجنبي عليها بدعوى قبول الآخر، فلماذا نقبل الآخر والآخر لا يقبلنا بل يشتمنا ويفجر قنابله في وجوهنا.