992714
992714
شرفات

الطيب صالح وضعنا في مأزق.. وخرجت من السودان لأني لا أحسن التقدير

24 أبريل 2017
24 أبريل 2017

992720

الطيب صالح[/caption]

الروائي السوداني حمور زيادة في حوار مفتوح:-

أتمنى أن لا تكون «شوق الدرويش» سقفي .. والجوائز ليست سلة مهملات..

عاصم الشيدي -

فسر الروائي السوداني حمور زيادة مقولته أن الطيب صالح وضع الكتاب السودانيين في مأزق بالقول إن هذه المقولة ليست طعنا في الطيب صالح ولا في الكتّاب السودانيين أنفسهم، إنما هي مشكلة مجتمع ومتلقي أصبح يمدح كل كاتب جديد بأنه الطيب صالح الجديد، وهذا ما دفع بالبعض للابتعاد عن أجواء الطيب صالح بهدف أن يكون الكاتب نفسه لا نسخة من الطيب صالح.

وقال حمور زيادة في أمسية حوارية له في النادي الثقافي أدارها الكاتب هلال البادي إن هذا الأمر له مشاكل أهمها أن الناقد عندما يصف كاتبا ما بأنه الطيب صالح جديد يثير لديه ردة فعل سلبية فيحاول أن لا يكون الطيب صالح وهذا بحد ذاته مشكلة يعيشها الكاتب السوداني. وقال حمور لا بأس أن تأتي روايتك الأولى مشابهة لكتابات الطيب صالح وفي الثانية تبدأ تشكل أسلوبك الخاص وفي الرواية الثالثة سيكون أسلوبك الخاص واضحا جدا. لكن عندما تأتي القصدية منذ البداية أن يعيش الكاتب عقدة أن لا يكون الطيب صالح فهذه مشكلة، إذا كتب عن القرية فهو لا يكتب عنها حتى لا يكون الطيب صالح، وإذا كان الطيب صالح قد كتب عن موضوع فلا يقترب منه أحد حتى لا يوصف بأنه الطيب صالح أو يعيش في جلبابه.

وقال حمور في رواية جديدة لي لم تنشر بعد أتحدث عن مجموعة شباب مراهقين وقد نشرت مقطعا قصيرا منها على وسائل التواصل الاجتماعي ومباشرة قالوا هؤلاء «عصابة محجوب» مستدعين الطيب صالح. كان يمكن أن لا أكتب عن الشلة لو خضعت لمأزق الطيب صالح!!.

المشكلة الأخرى أن هذا الأمر جعل للطيب صالح سقفا.. وتساءل حمور لماذا عليّ أن أتحدى الطيب صالح؟ لماذا عليّ أن أثبت مثلا أنني أفضل منه، أو أن عليّ أن أخرج من جلبابه.. الطيب صالح قمة لا شك في ذلك ولكن عليّ أنا أن أكتب مشروعي وليس عليّ أن أكون أفضل من مشروع غيري.. من حقي أن اقرأ موسم الهجرة للشمال وتأتيني فكرة من الرواية، والأفكار مبذولة في الطريق لا يحتكرها أحد.

وتحدث حمور عن جائزة البوكر مشيرا أن الحراك الذي أحدثته الجائزة حراك جيد رغم ما يحيط بالأمر من سلبيات ومن نقاش لا نهاية له.

وقال إن الأمر أيضا تحوّل إلى مقامرة فالواحد يكتب رواية مهما كان مستواها فيبعث بها للجائزة.. وتحدث عن رئيس لجنة التحكيم في جائزة الملتقى بدولة الكويت عندما وقف وقال مخاطبا الكتاب إن الجائزة/‏الجوائز ليست سلة مهملات يمكن أن يلقى فيها أي شيء مهما كان مستواه.. مناديا بالتجويد في الكتابة. يقول حمور إن الكتّاب يكتبون ويقولون لعل وعسى، لعل هذا العمل أن يلقى اهتمام لجنة التحكيم ويفوز وإن لم يفز فلا خسارة!! وأشاد حمور زيادة بالتعديلات التي فرضتها لجنة البوكر في عام 2015 مشيرا أنها يمكن أن تحد من الاستسهال الحاصل الآن في معظم جوائز الرواية. وقال إن بعض المسابقات تتقدم لها 2000 رواية.. هذا عدد كبير جدا وغير معقول.

لكن حمور قال إن البوكر أحدثت فعلا حراكا جيدا وخاصة على مستوى الترجمة، وما يترجم اليوم ليس فقط الرواية الفائزة بالمركز الأول، بل هناك أعمال يبدأ الحديث عن ترجمتها منذ إعلان القائمة الطويلة. وبشكل عام مجلس أمناء الجائزة يعتبر الأعمال الواصلة للقائمة القصيرة كلها فائزة بل إنني أعتبر الروايات الواصلة للقائمة الطويلة أيضا فائزة لأن الأنظار تبدأ تتجه نحوها منذ وقت مبكر وهذا في حد ذاته فوز. وقال حمور عندما استشارتني دار النشر حول رواية محمد عبدالنبي «في غرفة العنكبوت» قلت إن الرواية جيدة ولكنها شديدة الجرأة وموضوعها شديد الحساسية وهذا قد لا يشّد الجائزة، وعندما وصلت الرواية للقائمة الطويلة هنأت عبدالنبي ولكن قلت له لا تزعل فلن تتقدم الرواية أكثر من ذلك ولكنها وصلت للقائمة القصيرة، وتم فعلا توقيع اتفاق ترجمتها.

وانتقد حمور زيادة انتقاء الغرب للأعمال المترجمة مشيرا أنها لا تمثل معيار الجودة في الأدب العربي وهي غالبا ما تكون مما يثير المجتمع الغربي.

وتحدث حمور عن رواية علاء الأسواني نادي السيارات وقال إن بعد نشرها بأسبوع واحد فقط صرح إبراهيم المعلم مدير دار الشروق المصرية أن هناك 30 عرض ترجمة للرواية بعد الأسبوع الأول من صدورها وهذا في حد ذاته غير مقبول.. مضيفا أن أسبوعا واحدا غير كاف لقراءة رواية والاتصال بدار النشر لطلب الترجمة، لأن دور النشر الغربية تحتاج إلى ترجمة فصل من الرواية لتقرأه ثم تقرر ترجمتها كاملة، ولكني تخيلت «والحديث ما زال لحمور زيادة» أن علاء الأسوني قبل نشر الرواية كتب على ورقة وسجل فيها عبارات من مثل: رجل أسود، علاقة بين فحل شرقي وأنثى أوروبية، جمعية سرية مناهضة للحكم، امرأة تلبس عباءة، مخدرات، وأرسلها لعدة دور نشر فوافقوا فورا لأن هذه هي مقومات الرواية التي يريدونها.

وحول تناول النقاد لرواية واحدة من روايات الكتاب ليعرف بها الكاتب رغم أنه قد يكتب أفضل منها قال حمور زيادة، هذا ما ينطبق على الكثير من الروائيين فعلا، ولم ينجوا من الأمر في العالم العربي إلا نجيب محفوظ رغم أنه يُعرف بأنه صاحب الثلاثية. وهذا ليس في العالم العربي إنما حتى ماركيز يربطه الكثيرون برواية مائة عام من العزلة، ودوستويفسكي بالأخوة كارمازوف، وتولستوي بالحرب والسلام.. وأضاف إن ماركيز كان حزينا أن روايته خريف البطريرك لم تجد حظا مثل حظ رواية مائة عام من العزلة أو حتى الحب في زمن الكوليرا، رغم نجاح أغلب رواياته. وبابتسامة قال حمور «أتمنى أن لا تكون روايتي شوق الدرويش سقفي» مشيرا أن هذه الرواية طغت على عمل لي أفضل منها وهي مجموعة قصصية حملت عنوان «النوم عند قدمي الجبل» وهي وإن كانت مجموعة قصصية إلا أن القصص فيها طويلة جدا وتصل كل واحدة فيها إلى حدود 60 صفحة اي يمكن أن تكون رواية قصيرة.. وصدرت هذه المجموعة في نفس الأسبوع الذي صدرت فيه شوق الدرويش.

وردا على سؤال حول روايته شوق الدرويش التي تكشف أحداثها عن جانب من الصراع الاجتماعي بين الثقافة المسيحية والثقافة الصوفية الإسلامية في السودان، في ظل انهيار نموذج الدولة الدينية. وتطرح الرواية بقوة تأملات في الحب والدين والغدر والصراع السياسي. وتدور أحداثها في حقبة الإمامة المهدية.. وكان السؤال الذي وُوجه به حمور هو كيف يكتب عن فترة تاريخية لم يعشها؟

وكان رد حمور بالقول إن ماركيز كان ينصح الكتاب بأن يكتبوا عن مرحلة عايشوها وشيء عايشوه لأن القارئ يستطيع تخيل ذلك، ولكن أنا لا أعتقد أنني خالفت هذه الوصية، فأنا أظن نفسي عارفا بتاريخ السودان خاصة حقبة المهدية، وعارف بتاريخ السودان منذ نهاية القرن السابع عشر إلى بداية القرن التاسع عشر معرفة جيدة جدا أكثر من غيرها من الأزمنة. وقال قد لا أستطيع أن أكتب عن السودان عام 1920 لكن أستطيع الكتابة عن غيرها من الفترات. أما المرحلة السابقة وكأنني عشتها لأسباب مختلفة فأنا نشأت في أم درمان القديمة، وعلى نهاية الشارع الذي أسكن فيها كانت قبة الإمام المهدي التي قصفت لاحقا وتهدمت.

وكان منزل الخليفة عبدالله التعايشي يبعد عن بيتنا 150 مترا فقط، وكل البيوت حولنا لها قصة مع المهدية.. الميدان الذي كنا نلعب فيه كرة القدم كان فيه مدفع من المدافع التي جاء بها الجيش الإنجليزي. وقع المدفع هناك وهم يقصفون الميدان.

ويضيف حمور زيادة أنا نشأت في تلك المنطقة بكل ثقافتها وكل حكاياتها وأشعارها، وجدتي لأمي كانت قد أدركت المهدية وأذكر بعض أغانيها التي كانت تتغنى بها، ووالدتي أيضا حفظت بعضا منها وكانت تهدهدني بها وأنا طفل صغير. ولذلك لا أستطيع القول أنني كتبت عن مرحلة لا أعرفها بل عن معرفة وشبه ارتباط.

وحول سؤال كيف يمكن للكاتب أن يتخلى عن سطوة التاريخ ويتحرر منه وهو يكتب عملا يتكئ على أحداث تاريخية حقيقية يقول حمور زيادة الشرط من وجهة نظري الهرب من الشخصيات الحقيقية.. أنا في روايتي لم أكتب عن الأمام المهدي أو التعايشي أو الأمير يعقوب وهذه شخصيات حقيقية مؤثرة صنعت تاريخ تلك المرحلة، ولكن كتبت عن شخصية هامشية يمكن أن تكون موجودة ويمكن أن لا تكون موجودة أبدا.

وعندما لامني البعض من أبناء الطوائف لأن الرجل الوحيد الذي آمن في الرواية بالمهدية جعلته في آخر الرواية يتشكك بها دافعت عن نفسي بالقول إن هذا حدث، وإن لم يحدث فمن حقي كروائي أن أتخيل حدوثه، أن أتخيل شخص واحد من الجيش قد شك به أو خاف منه. ألا يمكن أن يكون واحد من بين عشرة آلاف فرد قد خامره الخوف والشك.

وقال حمور إن كتابة التاريخ كما هو غير جذاب من الناحية الدرامية أبدا، والكاتب يجري وراء ولع شهوة الحكاية الجميلة.. الطيب صالح زار قريته بعد انقطاع طويل فسأله الناس هناك: يقال أنك أصبحت كاتبا كبيرا فماذا كتبت؟ فأخرج رواية عرس الزين وأخذ يقرأ لهم فردوا عليه هذه حكاياتنا لكنك أدخلت عليها بعض الحركات.. فقال هذه الحركات هي الأدب.

أيضا ماركيز كان في مائة عام من العزلة يكتب حكاياته ولكن الحركات التي أضافها للرواية حتى تصبح أدبا موضوع الفتاة التي هربت مع عشيقها ولكن أهلها حتى لا يفتضح أمرها قالوا صعدت للسماء مع المسيح.!! كانت الفتاة تنشر الغسيل وفجأة أخذت تصعد للسماء مع الملاءات التي كانت تنشرها وبقيت عمتها تتذكر المشهد بحسرة لأن ملاءاتها طارت ولم تعد لها.

وردا على سؤال حول لماذا ترك السودان قال حمور إنه خروجه كان بسبب خلافه مع الجماعات الإسلامية.. مشيرا أنا لست سياسي منتمي لحزب معين، أنا مجرد رجل يقول رأيه.. لكن حمور قال أيضا أنا سيء جدا في تقدير الأشياء وفي تقدير ما أكتب.

ويضيف لقد تسبب ما كتبته بمشاكل مع النظام وكنت أتساءل لماذا يهتم هذا النظام بي؟ ما قيمة ما أكتب حتى يهتم كل هذا الإهتمام. ما قيمة ما اكتب بالنسبة للجماعات المتشددة، لماذا يهتمون بي ويهددوني..

لذلك كما ترون أنا لا أحسن تقدير العواقب وهذا أمر أيضا جعلني أخرج من السودان.

وأضاف بسبب ما أكتبه قامت أمي في نصف الليل ووجدت النار تحيط بنا من كل مكان.. لقد أحرقوا بيتي وسحبت أمي إلى خارج البيت وهي تصرخ وتطلب النجدة من الجيران... لكل هذه الأسباب تركت السودان. بسبب ما أكتب قامت أمي ووجدت نفسها محاطة بالنيران عندما حرقوا بيتي وسحبتها للخارج وهي تصرخ وتستنجد بالجيران كل ذلك بسبب ما كنت أكتبه ولا أحسن تقديره.