أفكار وآراء

علاقات فتح وحماس تبنيها الشراكة وتهدمها الخلافات

23 أبريل 2017
23 أبريل 2017

د. عبد العاطي محمد -

على غير العادة حيث لم تكن الأنظار العربية مشغولة بما يجرى في غزة قدر انشغالها بمتابعة جديد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، اتجهت العلاقة بين قطبي الحركة الفلسطينية إلى صدام سياسي غير مسبوق وضع القطاع فوق سطح صفيح ساخن، وذلك على خلفية قرار من السلطة الفلسطينية تخفيض رواتب الموظفين والتهديد بقرارات أشد قسوة مما زاد من معاناة أبناء القطاع الذي يعيش تحت الحصار منذ عدة سنوات.

لم يتصور أحد أن تحتدم الخلافات وتقترن بالوعيد والتهديد المتبادل بين فتح وحماس ، على النحو الذي حدث على خلفية هذا القرار، ولا أن يتطور الانقسام الممتد منذ عشر سنوات إلى حد طرح مقولة الانفصال الغريبة على التراث السياسي الفلسطيني على ساحة النقاش وكأنه أمر هين أو بسيط. صحيح أن المصالحة مرت أحيانا بقدر من النجاح، وبقدر أكبر من الفشل أحيانا أخرى، وبالمد والجزر أحيانا ثالثة حتى ساد الانطباع بأنها تراوح مكانها، إلا أنها ظلت الإستراتيجية الوحيدة التي يتفق عليها الجميع للخروج من المأزق الذي نتج عن أحداث 2007. ومن الصحيح أيضا أن الأزمة الأخيرة لم تكن مفاجئة أو وليدة اللحظة، حيث ظهرت مؤشراتها منذ أكثر من شهرين مع تأخر صرف الرواتب والتراجع المتزايد في توفير الخدمات الرئيسية في القطاع وعدم مبالاة السلطة بذلك. حسبما تقول حماس، ووقتها رفضت السلطة ما طرح عليها بشأن حل مشكلات التمويل مقابل تفعيل المجلس التشريعي وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية مع تشكيل حكومة وحدة وطنية تحقق ذلك. ومع تعاظم الخلاف ، والشروط المتبادلة من الطرفين، بدا واضحا أن السلطة تريد تغيير المعادلة القديمة بينها وبين حماس في اتجاه إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 2007.على الأقل من وجهة نظر البعض .

جاءت بداية الأزمة الأخيرة بصدور قرار من حكومة الوفاق المشكلة منذ 2014 وبتعليمات من الرئيس محمود عباس بتخفيض رواتب موظفي السلطة في القطاع سواء كانوا من فتح أو حماس بنسبة تتراوح بين 30 و 50% (أكثر من 50 ألف موظف) والتهديد بقرارات أشد قسوة تتعلق بوقف الخدمات الضرورية من كهرباء وتعليم وصحة ودواء إن لم تستجب حماس لمطالب السلطة بتغيير معادلة العلاقة بينهما في القطاع . وكان من اللافت أن ذات القرار لم يتم تطبيقه بالمثل على موظفي السلطة في الضفة الغربية مما تم اعتباره لونا من ألوان التمييز بين الفلسطينيين!. وتم تبرير القرار بأن السلطة تعاني من أوضاع مالية واقتصادية صعبة، ثم قال مسؤولو السلطة إن القرار جاء ردا على قيام حماس بتشكيل لجنة لإدارة الحكم في القطاع ( اللجنة الإدارية ) مما يعتبر محاولة لتثبيت الانقسام وتحوله إلى انفصال عملي، وأشاروا إلى أن حكومة الوفاق لا تستطيع مزاولة سلطاتها في القطاع مع إصرار حماس على عدم تسليمها مؤسسات الحكم هناك. ومع استمرار اللجنة الإدارية التي تمسكت حماس بعدم حلها. وواصل مسؤولو الجانبين توجيه الاتهامات المتبادلة لبعضهما البعض ، في خطاب سياسي تصادمي لم تشهده العلاقات بين الجانبين حتى في أشد مراحل الخلافات التي مرت بها جهود المصالحة في سابق الزمان. قالت السلطة إن حماس اختطفت قطاع غزة من الوطن عمليا، ولم تتجاوب مع جهود عشر سنوات من التفاهمات والاتفاقات والحوارات حتى أن الانقسام بات يتحول إلى انفصال، وأشاروا إلى أن صبر الرئيس عباس بات ينفد وكذلك صبر الحكومات المتعاقبة التي أنفقت نحو 17 مليارا على القطاع خلال عشر سنوات دون أن تغير حماس شيئا من موقفها تجاه التعاون والمشاركة مع السلطة، وقد آن الأوان أن تتحمل حماس مسؤوليتها إذا أصرت على اختطاف القطاع واتخاذ الشعب هناك رهينة لمصالحها الضيقة على حد تعبيرهم.

وبالمقابل ردت حماس على هذه الاتهامات بنفس الحدة والقوة، فوصفت التبريرات من جانب السلطة بأنها قلب للحقائق وأكاذيب وتضليل للرأي العام - حسب زعمها - و أنها غير منطقية وفارغة من المضمون (في إشارة ضمنية لحقيقة الأموال التي أنفقتها السلطة على القطاع). وبخصوص اللجنة الإدارية قالت حماس إنها لجنة مؤقتة ينتهي عملها فور تنفيذ حكومة الوفاق بقيادة «الحمد الله « لما تم الاتفاق عليه عند تشكيلها في يونيو 2014. ومن جانبه قال فوزي إبراهيم الناطق باسم حركة حماس إن تهديدات عباس مرفوضة ودليل على أنه يريد صناعة الأزمات في غزة، وهي أزمات مفتعلة وبقرار سياسي وليس لها علاقة بالوضع المالي أو الاقتصادي. وذهب الناطق باسم حركة حماس إلى حد اتهام السلطة بأنها تتلاقى بهذا القرار وغيره مع خطة الاحتلال لعزل غزة وفصلها عن الوطن وضرب صمود أبناء غزة - حسب زعمه. وعلى جانب آخر فسر بعض الكتاب الفلسطينيين المحسوبين على حماس قرار خفض الرواتب والتصعيد الذي قاده الرئيس عباس في مواجهتها ضمن سياق التحركات التي تجريها الإدارة الأمريكية الجديدة لوضع تسوية نهائية للصراع العربي الإسرائيلي تتجاوز حل الدولتين إلى خيارات أخرى تقبلها إسرائيل وتقر بها الدول العربية المعنية بقضية السلام في الشرق الأوسط. وأشاروا في ذلك إلى ما يطرح من جانب بعض القوى السياسية الإسرائيلية وبتأييد من الإدارة الأمريكية لفصل غزة عن التسوية (التخلص من أعبائها) لتتحول إلى كيان مستقل مع إغراقه بمشروعات اقتصادية (مطار وميناء ومناطق صناعية) تجعله أشبه بسنغافورة!. ورأى هؤلاء أن عباس استغل ظروفا موضوعية وذاتية مستجدة لكي يضغط على حماس لإجبارها على؛ إما العودة بالقطاع إلى سلطته أو مواجهة مصير الانفصال لكي يبدو أمام الرئيس الأمريكي الجديد الزعامة الفلسطينية القوية التي يعتمد عليها. وفي هذا السياق تمت الإشارة إلى التحولات الجارية في المنطقة العربية بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض وجعلت عباس يتخلص من عديد من الضغوط العربية قياسا على الزمن السابق، مما فتح له الطريق للسيطرة على المجلس الوطني الفلسطيني وإعادة تشكيل منظمة التحرير، بما يعني أن وضعه الداخلي أصبح أقوى من ذي قبل، ولذلك تحرك في اتجاه الضغط على حماس. ومن ناحية أخرى استغل الوضع الاقتصادي المتأزم في القطاع مع استمرار إغلاق المعابر وتراجع الدعم الخارجي بهدف تحريض الشارع في غزة على رفض استمرار إدارة حماس للقطاع.

ودون التقليل من أهمية هذه التقديرات للمشهد الفلسطيني الراهن حيث لكل من الطرفين المتنافسين وجهة نظره في قراءة الصراع القائم بينهما، فإن اللافت هذه المرة هو أن الطرفين وضعا على الطاولة صراعهما على السلطة في القطاع بلغة واضحة غير مسبوقة وأن كل منهما يريد تغيير معادلة العلاقة القديمة خارج نطاق المصالحة المعروف. فالسلطة تقول الآن إنها لن تستمر في الإنفاق على القطاع بينما حماس هي التي تحكم، وعليها أن تختار بين أن تتولى الحكم في القطاع بصورة كاملة ثم تضطلع بكامل مسؤوليات الإنفاق عليه، وإما أن تتخلى عنه بصورة كاملة للسلطة الفلسطينية لكي تتحمل السلطة في هذه الحالة كامل مسؤولياتها، ولسان حال السلطة يقول لن نواصل تمويل انفصال القطاع عن بقية الوطن.في حين إن حماس تتمسك بالسيطرة والاستمرار في حكم غزة واستمرار اللجنة الإدارية التي ترفضها السلطة . القراءة الأولى للمشهد على ضوء التجاذب في المواقف تفتح الطريق أمام تقديرات بالغة التشاؤم ليس فقط على صعيد العلاقة بين قطبي الحركة الفلسطينية وإنما أيضا على صعيد مستقبل القضية الفلسطينية بأكملها، ولكن الخبرة التاريخية عن الخلافات بين الجانبين وهشاشة الحجج التي يستند إليها كل طرف بغرض التصعيد (على عكس ما يذهب مؤيدو كل منهما) تشير إلى ترجيح الحل الوسط برغم قسوة التعبير عن الخلاف الراهن. فما أكثر المناسبات التي احتدم فيها الخلاف ثم هدأ بين لحظة وأخرى وليس جديدا أن السلطة اليوم تنفق وحماس تحكم لأنه أمر معروف وقبلته السلطة واقعيا وتعاملت به لمدة عشر سنوات وتستطيع التعامل به لسنوات أخرى خصوصا أنها لا تريد أن تحتكم لمتطلبات الحل السياسي المعتاد، وهى تعلم جيدا أنها لا تستطيع أن تدير بإمكانياتها المحدودة شؤون قطاع يزيد عدد سكانه على 2 مليون نسمة بينما هي ذاتها تعاني من إدارة شؤون الضفة. وليس من صالح الرئيس عباس أن يذهب إلى واشنطن في ظل تعميق الانقسام على هذا النحو، بل على العكس من المفترض أن يذهب والمصالحة متحققة أو الانقسام في أضعف صوره على الأقل. وإذا كانت السلطة قد رفضت في السابق الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من غزة لكي تتخلى عن مسؤولياتها كدولة احتلال.

حكومة الوحدة الوطنية كاملة الصلاحيات هي الحل الأفضل للخروج من حالة الانقسام أو الترويج لتثبيتها تمهيدا لانفصال أقرب إلى الوهم. ولكن لهذه الخطوة متطلباتها وتنازلاتها المتبادلة، وهو ما يتعين على الأطراف العربية المعنية القيام به لا أن تقف موقف المتفرج.