abdallah
abdallah
أعمدة

هوامش .. ومـتون: رسائل عاجلة إلى السماء

22 أبريل 2017
22 أبريل 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

للأطفال عالمهم المطلق الذي لا تحدّه حدود، ولا يعترضه شيء للوصول إلى ما يتمنونه، لذا يعثرون ببساطة على مخارج لأي أزمة تواجههم، والإنسان معرّض للأزمات صغيرا كان أم كبيرا، ودائما المخرج يكون عند الله:

ولربّ نازلةٍ يضيق لها الفتى

ذرعا وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها

فرجت وكنت أظنها لا تفرج

وإذا كان باولو كويلهو في روايته «الخيميائي» يعتبر أن ما يحصل للبشر في الحياة هي رسائل بليغة من الله، ويتوجب علينا أن نفهم مغزى تلك الرسائل، فإن المخرج الإيراني مجيد مجيدي الذي يعد من أكثر المخرجين الإيرانيين شهرة، وحصولا على الجوائز، رشّح أحد أفلامه عام 2006 لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، فعل العكس، في فيلمه القصير «رسالة إلى الله»، كون الرسائل تأتي من الخالق، إلى خلقه، وتتجلى المفارقة في العنوان، بدءا، لكنه أراد أن يوصل رسالة ذات مغزى عميق في فيلم قصير من خلال حكاية الطفل (محسن) الذي يظهر في صف دراسي، يأتي إليه والده كي يودّعه، ويوصيه خيرا بأمه المريضة، وشقيقته (معصومة)، وجدّته، وشؤون البيت، ويخبره إنه ذاهب إلى المدينة لاستقراض المال اللازم لعلاج زوجته التي تحتاج إلى عملية مكلفة، ويبدو يائسا من المهمة، لكنه يمضي في طريقه، متوكّلا على الله، ممنيا النفس بالحصول على مبتغاه، وقبل أن يغادر يسأل (محسن) والده: هل تسمح لي بصيد البط؟ فيستغرب هذا الطلب، ثم يوافق على مضض، ويغادر، فيما يواصل (محسن) الدرس، وفي هذا المشهد تأسيس لأكثر من خط: الأول سفر الأب، الذي ينتهي دوره بهذا المشهد، وإعلام المتلقي بمرض الأم، وهو بؤرة الحدث الدرامي في الفيلم، والحديث عن صيد البط، فيلقي صانع الفيلم حمولته بهذا المشهد، وما إن يقرع الجرس حتى تظهر شقيقته (معصومة)، فيهرعان ركضا إلى البيت، وهناك يجد عددا من النسوة يعدن والدته، ويكثرن الدعاء، ومن القول أن الشفاء من الله، وأنه بمقدوره ذلك، وحين ينصرفن يطلب من والدته المريضة السماح له بصيد البط، تأكيد جديد على خط جانبي، فتظهر عدم قناعتها بالطلب لا سيما أنهم ليسوا بحاجة إلى البط، فيقنعها إنه يبيعها في السوق، للحصول على ثمنها الذي هم بحاجة إليه، وعندما تصل إلى هذه النتيجة تصمت، فيودّعها، ويركض ليلتحق بزملائه، وهناك يسمع العديد من الأحاديث من الصيادين حول ندرة البط، والضائقة التي يعيشونها ليس لها من يحلها سوى الله، ويصل إلى يقين أن الأمور كلها بيد الله، وحين يكون داخل الفصل الدراسي، يدخل ساعي البريد ليسلم المعلم رسالة، تخطر بباله فكرة، وبعد قرع الجرس، يذهب إلى الحانوت ليشتري مغلفا، وطابع بريد، ويعود مسرعا إلى البيت، لينكب على كتابة رسالة، وحين تسأله شقيقته عن الذي يكتب له الرسالة، يجيبها سأكتب رسالة إلى الله، أطلب بها أن يرسل من يحمل والدته بعربة إلى المستشفى، توافقه،ويكتبانها معا، ويذهب إلى صندوق البريد، ويسقطها به، وتتواصل أحداث الفيلم الذي عكس أجواء القرية الإيرانية، ومظاهر الفقر، واستعاضت أصوات الطبيعة عن الموسيقى، فتنتقل الكاميرا إلى دائرة البريد، فتتوقف عند فتاة تبدو مستغربة لوجود أزهار ملتصقة ببعض الرسائل لا تعرف مصدرها، ثم تكتشف المصدر، وهو رسالة مفتوحة، فتقرأها، وتجهش بالبكاء، لدرجة إنها تلفت أنظار العاملين إليها، فتتجمع العاملات حولها، وحين يعرف المدير السبب يقول لها «لم أشعر بوجود الله بشكل جلي، وواضح كما اليوم، ولم أكن أعلم أن الله قريب منا إلى هذا الحد، كي يرينا على لسان طفلين بريئين عظمته، وجلاله»، ثم يبلغها أن زملاءها قرروا البحث عن عنوان الطفلين، والقيام باللازم، والتكفل بمصاريف المستشفى،وحين تتحرك العربة باتجاه القرية التي جاءت منها الرسالة، تظهر الكاميرا الأطفال، وهم ينظرون في الفراغ،ويهمسون «جاؤوا»، ثم يسود صمت، ويتبين أن المقصود ليس عربة المنقذين، بل أسراب البط، فينصبون لها فخا، وينجحون باصطياد الكثير من البط، وتكون حصة (محسن) بطة يحملها مسرورا، وحين يرفع نظره للأعلى يشاهد أسراب البط محلقة في السماء، فما كان منه إلا أن يطلق البطة، وكأنها حملت رسالته تحت جنحيها إلى السماء، وهنا نفهم تركيز المخرج على خط البط في الفيلم، وحين تفرد جناحيها، كعلامة شكر على حسن صنيعه، ترتسم على وجهه المعفّر بالطين ابتسامة، وهو يحدق في السماء، وبهذه اللقطة المعبّرة، ينتهي الفيلم الذي أراد مخرجه أن يقول: إنّ الله قريب منّا أكثر مما نظن، قريب لدرجة إنه يقرأ رسائلنا، ويجيب بشكل عاجل!