أفكار وآراء

ترامـب يرفـع الرهـان فـي ســـوريا

21 أبريل 2017
21 أبريل 2017

دينيس روس - ترجمة قاسم مكي -

نيويورك تايمز -

كان قرار الرئيس ترامب بإطلاق ما يقرب من 60 صاروخا من طراز كروز توماهوك على قاعدة الشعيرات الجوية السورية سريعا وله معنى. وهي القاعدة التي انطلقت منها طائرات سلاح الجو السوري لإسقاط أسلحة كيماوية على بلدة خان شيخون – حسب الرواية الأمريكية . لا ريب أن الطبيعة المرعبة للهجوم أثرت فيه. ولكن من الواضح أن رد الولايات المتحدة يتعلق بإرسال رسائل إلى الرئيس بشار الأسد وحلفائه وكذلك إلى المجتمع الدولي. فحوى هذه الرسائل أن استخدام الأسلحة الكيماوية لن يمر دون عقاب. ومن المؤكد أن هذه الضربة الأمريكية التي قصد منها إحداث دمار كبير في قاعدة جوية واحدة في سوريا وصممت بناء على ذلك ستبعث أيضا إلى الإيرانيين والكوريين الشماليين برسالة مفادها أن من الأفضل لهم أخذ ما تقوله هذه الإدارة بجدية. وربما أن وقوع الضربة في أثناء تواجد الزعيم الصيني شي جين بينج، أهم راع لكوريا الشمالية، في فلوريدا للقاء ترامب لا يخلو من دلالة. وفي حين سيلاحظ خصومنا بلا شك أن ردود الولايات المتحدة لن تقتصر على الكلام عندما يتم تخطي العتبات أو حين لا يلقى بال إلى التحذيرات الأمريكية إلا أن أصدقاءنا في الشرق الأوسط (عربا وإسرائيليين على السواء) بالتأكيد سيبتهجون بهذه الضربة. ففي أثناء إدارة أوباما كانوا قد اقتنعوا سواء عن حق أم لا بأن الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة ومن مسؤولياتها هناك. وخشوا من أن الرئيس كان ينظر إلى إيران كجزء من حل مشاكل المنطقة. سيتعامل هؤلاء الحلفاء الإقليميون أيضا مع أقوال الإدارة بجدية أكثر وربما سيكونون أكثر استجابة لرغبات أمريكا. إذن سيكون لهذا العمل أثر سواء على الأصدقاء أو الأعداء، خصوصا إذا بدا ناجحا وأثر على التصرفات السورية والإيرانية والروسية. وسنعلم عما قريب إذا كان الأسد سيختار اختبار الولايات المتحدة بشن هجوم كيماوي آخر. إذا فعل ذلك فسيخاطر بفقدان المزيد من قواته الجوية والميزة الكبري التي تتيحها له في مواجهة المعارضة . بالطبع يمكن للأسد أن يقرر عدم استخدام الأسلحة الكيماوية وأن يلجأ بدلا عن ذلك إلى التوسع في استخدام القنابل البرميلية لترويع السكان في محافظة إدلب. وقد يحسب أن ذلك لن يؤدي إلى رد ، وفي ذات الوقت يمكنه من الحصول على المزيد من الأراضي في منطقة توجد بها قوى المعارضة. ولكن تمدد انتشار القوات البرية التابعة للنظام يقلل من فعاليتها. ويعتمد حصولها على المزيد من الأراضي على المليشيات التي جلبتها إيران إلى سوريا من أماكن بعيدة تصل إلى أفغانستان. هل الإيرانيون على استعداد لرفع الرهان في سوريا ردا على هذا التحرك الأمريكي؟ لقد استثمروا الكثير جدا لإبقاء الأسد في السلطة. ولكن هل هم على استعداد لإنفاق المزيد، خصوصا عندما يكون الأسد هو من تسبب باستخدامه للأسلحة الكيماوية في هذا التحول في السياسة الأمريكية الذي حدث بعد أيام من تصريح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بأن «مستقبل الأسد سيتقرر بواسطة الشعب السوري.» إن إبقاء الأسد في السلطة شيء ومحاولة استعادة « كل بوصة»، حسب تعبير الأسد، شيء آخر. لدى إيران خيارات أخرى إذا رغبت في أن تدفع الولايات المتحدة ثمنا مقابل شن هذا الهجوم. فهي يمكنها استخدام وكلائها من المليشيات الشيعية لمهاجمة القوات الأمريكية إما في سوريا أو العراق. ولكن قبل أن يفعل قادة إيران ذلك من المرجح أن يفكروا فيما إذا كانوا يرغبون حقا في تقويض وإضعاف المجهود الأمريكي ضد داعش، وهي عدو يهدد مباشرة الإيرانيين والعراقيين الشيعة. وماذا بشأن الروس؟ هل سيبعثون بالمزيد من القوات إلى سوريا لزيادة تكلفة أي تصعيد للتحرك الأمريكي أم سيقررون أن الوقت قد حان كي يوضحوا للأسد أنهم لن يستمروا في توفير الحماية له؟ ويبدو أن الرد الأولي للروسي بإدانة الضربة بدعوى أن الأسلحة الكيماوية تخص المعارضة وليس الحكومة السورية وتعليق ترتيبات تنسيق العمليات الجوية الروسية والأمريكية في سوريا يضاعف من رهانهم على الأسد. ولكن ربما أن الأقرب إلى ذلك هو رغبة الرئيس فلاديمير بوتين في أن يبدو الاستخدام الأمريكي للقوة حاسما. لقد حقق بوتين الكثير مما يريده في سوريا من تأمين للنظام والحصول على قاعدة جوية وتوسيع المنشأة البحرية وتحوله إلى حَكَم في تقرير أية نتيجة (للصراع السوري.) وهذا وقت البحث عن طريقة لتعزيز هذه المكاسب وليس زيادة تكاليف التدخل الروسي. لايزال الوقت مبكرا لمعرفة ما إذا كان أي من هذه الأطراف سيختبر الإدارة الأمريكية. ولكن على الرئيس ترامب وإدارته عدم الركون إلى السلبية وانتظار ما سيحدث. عليهما إبلاغ الروس والإيرانيين والسوريين سرا بألا يختبروا ترامب وإدارته وألا يلعبوا بالنار. وبالنسبة لروسيا خصوصا يجب أن تكون الرسالة هي أن «الثورة ضد الأسد لن تنتهي. لذلك إذا لم تكونوا راغبين في عدم القدرة على الخروج من سوريا في وقت يشهد ارتفاعا في (كلفة التدخل) فنحن مستعدون للعمل معكم لتطبيق المبادئ المضمنة في عملية جنيف للسلام.» إن الدبلوماسية كثيرا ما تكون في حاجة إلى دعم بواسطة عنصر قهري. وقد تقدم الضربة العسكرية إلى الروس ذلك الحافز الذي يفتقرون إليه لتطبيق المبادئ التي ساندوها في قراري مجلس الأمن رقم 2254 ورقم 2268 حول وقف العدائيات وإنهاء أوضاع الحصار وتوصيل المساعدات الإنسانية دون عراقيل وفترة انتقال سياسي تستغرق 18 شهرا. من الممكن أن تكون الضربة الأمريكية قد غيرت الدينامية في سوريا وأوجدت إمكانية جديدة. ولكن لسوء الحظ يمكن جدا، في صراع تسبب في كارثة إنسانية، أن تكون مجرد خطوة أخرى في حرب قد لا تنتهي قبل إنهاك كل الأطراف. وعلى الرغم من ذلك فقد بعثت الولايات المتحدة برسالة قوية فحواها أن استخدام الأسلحة الكيماوية له ثمن. إنها رسالة من الواجب إرسالها.

• الكاتب مستشار سابق للرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط وزميل بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.