983184
983184
إشراقات

د. كهلان: بلوغ درجة الخاشعين تتأتى بالتفكر والتدبر وإخلاء القلب من شواغل الدنيا وشهواتها

20 أبريل 2017
20 أبريل 2017

الصلاة ليست عادة يقلّد بها المرء الآباء والأجداد.. وإنما هي عقيدة راسخة ومبدأ أصيل -

الصلاة ليست مجرد انتماء جنسي أو سياسي أو اجتماعي، أو عادة أو عرفا يسير عليه الناشئ مقلدا لمن سبقه من آبائه وأجداده، وهي ليست إكراها اجتماعيا يضطر معه المسلم الى أن يجاري حالة المجتمع.. وإنما هي عقيدة راسخة وتعبير عن حب لله تبارك وتعالى ومبدأ يلتزم به المسلم.. وأن تعظيم الله عز وجل يستلزم تعظيم أمر الصلاة لأنها عمود الدين.. ذلك ما أوضحه فضيلة الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة في لقائه ببرنامج سؤال أهل الذكر من تلفزيون سلطنة عمان.

وأضاف: حينما يوقن المسلم أن في صدارة ما يحقق به معنى الإيمان في حياته أن يحافظ على الصلاة وأن الذي يقف بين يديه هو الذي بيده مقاليد كل شيء سيدرك حينها أهمية الصلاة وسينزلها في المنزلة اللائقة بها، وسيجعلها من أثمن ما يحافظ عليه في هذه الحياة، وحينئذ يمكن أن تتوارد إليه معانيها ولطائفها، لتزكو نفسه وتعرج في ملكوت السموات والأرض خشوعا وتبتلا واستحضارا لجلال الله تبارك وتعالى وهيبته وجماله وطمعا فيما عنده وخوفا من وعيده سبحانه.. مؤكدا أن هذا الجانب الاعتقادي النظري لابد أن يعزز بالعلم والتفقه في الدين وهذا يحصل بالاطلاع والقراءة.. المزيد نقرأه في الحلقة الثانية من هذا اللقاء:

 

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

الخشوع في الصلاة بين كونه فرضا وبين كونه خلعة ربانية ومنحة إلهية يفيضها الله تعالى على من يحبه من خلقه.. كيف نوفق بين الأمرين؟

لا شك أن الخشوع من الهداية التي ينعم الله بها على عباده، لكن هذا لا يعني انه لا يتحصل بالاكتساب والممارسة والمجاهدة وإلا كان ذلك لا يواتيه الخشوع في عذر، والصحيح غير ذلك، فعليه أن يجاهد نفسه وان يحمل قلبه على الخشوع والتفكر وأن يخلي قلبه من شواغل هذه الحياة الدنيا ومن شهواتها وأهوائها وأن يأخذ بالأسباب الظاهرة والباطنة التي تقدم بعضها، فكثيرا من الناس تجد انه حينما يذهب الى الصلاة لا يهتم بهيأته مع أن الله سبحانه وتعالى يأمرنا بذلك حيث يقول سبحانه: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) - والنهي عن الإسراف هنا عائد الى كل الأوامر والنواهي المتقدمة وليس مقتصرا على الأكل والشرب– مشيرا الى أن هذه الجوانب الظاهرة هي أيضا من الأسباب المفضية إلى الخشوع كما هو الحال بالنسبة الى حضور القلب، وإلى حضور العقل عند أداء هذه الصلاة، فباستجماع هذه الأسباب يتأتى بإذن الله تبارك وتعالى وفضله وتوفيقه بلوغ العبد درجة الخاشعين في صلاتهم، وهذا لا يعني لن تأتيه بعض الصوارف، فنحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهذا حاصل في كثير من الأحاديث الصحيحة عنه عليه الصلاة والسلام- انه كان يستعجل في صلاته أن سمع بكاء طفل، فهذا يعني انه أيضا يكون حاضر القلب والعقل مع خشوعه عليه الصلاة والسلام وهو اكثر الناس خشوعا لربهم واتقاهم له سبحانه وتعالى ومع ذلك فانه يعرف ما يدور حوله، فأنا أذكر ذلك لأن بعض الناس يصور أن الخشوع لا يتناسب معه أبدا أن يأتي المرء شيء من الفكر مما لا يتصل بالصلاة، ويصورون الخشوع مرتبة لا يمكن أن ينالها أحد من الناس اليوم، وإنما هي مختصة بالرعيل الأول وبالمشاهير من الزهاد والعبّاد، وهذه أيضا نظرة فيها من عدم الإنصاف ما لا يخفى. مضيفا القول: نحن نصلي وعيوننا مفتوحة لكنها الى موضع سجودنا لكننا واعون بما يدور من حولنا مع خشوعنا ومع انصرافنا الى ما نحن فيه من أمر الصلاة.. وأما أن تتوارد الخواطر والأفكار فلا يعرف ما الذي يقرأ وماذا يسبح به ولا يعظم مقام ربه جل وعلا في صلاته فهذا هو المحذور.

أسئلة الجمهور

المريض إذا ألحّ عليه المرض.. هل له أن يتخفف من بعض الواجبات في الصلاة؟ وهل له أن يقصر أيضا من الصلاة؟

لا. ليس له أن يقصر وهو مقيم في حضره، وإنما ينظر في حالة مرضه فان كان لا يستطيع الإتيان إلا بأركان الصلاة فلا حرج عليه بإذن الله تعالى لأن المشقة تجلب التيسير، وهذه قاعدة عامة ولكن لابد أن ينظر في حالة هذا المريض لكن لا ينبغي للناس أيضا أن يتهاونوا بدعوى المرض ويعمدوا الى التخفيف والتيسير والإسقاط من الصلاة، وهم قادرون على الإتيان بها، ولذلك نجد أن المريض يعذر من القيام إذا كان لا يقوى على القيام فله أن يقعد، وان كان لا يستطيع القعود فله أن يجلس وان كان لا يستطيع أن يأتي بالركوع أو السجود فإنه يومئ قدر استطاعته، وكل أدرى بحال نفسه.

لماذا ينهى الإنسان عن تكرار آيات الفاتحة؟ هل هناك حكمة معينة؟

لأن هكذا علمها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه الكرام رضوان الله تعالى عليه وهكذا كان يقرأ وهكذا أخذ عنه المسلمون من بعده، لكن هذا إن لم يكن لسبب كحشرجة صوت، أو تحقيق النطق بكلمة ظن انه أتى بها خطأ، الحاصل انه ما لم يكن هناك سبب معتبر شرعا.

الصلاة عبادة وليست عادة

ما الذي يطالب به الشباب حتى تكون الصلاة مبدأ ثابتا وموقعا عزيزا في ظل الشبكات التواصلية المفتوحة؟

الذي يطالب به المسلم خصوصا الشباب في هذه العصور التي بلغت وسائل التواصل مبلغا من التطور والرقي وسعة الانتشار ما بلغت فان المسلم يطالب بأن يجعل من أمر الصلاة أمرا دينيا عقديا إيمانيا فالصلاة ليست مجرد انتماء جنسي أو سياسي أو اجتماعي، وهي ليست عادة أو عرفا يسير عليه الناشئ مقلدا لمن سبقه من آبائه وأجداده، وهي ليست إكراها اجتماعيا يضطر معه المسلم الى أن يجاري حالة المجتمع، وإنما هي عقيدة راسخة وتعبير عن حب لله تبارك وتعالى ومبدأ يلتزم به هذا المسلم فيجعل حياته دائرة على الصلاة، لا العكس لأن الذي يقع فيه الشباب وهم مأخوذون مأسورون بهذه الوسائل الحديثة انهم يدورون حول هذه الوسائل وينسون أمر الصلاة، بل يديرون الصلاة إن حصل ذلك منهم معه وسائل التسلية والترفيه والتواصل الاجتماعي هذه، بمعنى أن الأولوية والصدارة في حياتهم إنما هي لتلك الوسائل والأدوات وللتواصل مع الآخرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهذا لا يصح، فالذي فيه بقية منهم هو ذلك الذي يتذكر أمر الصلاة في آخر وقتها، فإذا أتى وقت الصلاة نقر ركعات لا يذكر فيه الله تعالى إلا قليلا، وأما غيره فانه ساه لاه وكأنما خلق للعبث والتسلية والترفيه وإشباع رغباته المادية في هذه المطالب الجسدية وإهمال ما يتعلق بالإيمان والروح والتزكية والعروج الى تمثل حقيقة الإيمان رغبة فيما عند الله تبارك ولذلك فان أول ما يطالب به الشباب خاصة والمسلمون عموما هو أن يعيدوا لهذا الدين بهاءه بتعظيم لله تبارك وتعالى، وتعظيم الله عز وجل يستلزم تعظيم أمر الصلاة لأنها عمود الدين، وربنا جل وعلا يقول: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)، فتكبير الله عز وجل الذي ينبعث من سويداء القلب يعني تعظيمه وإجلاله سبحانه وتعالى يعني حبه جلّ وعلا والتقرب إليه بما يرضيه، كما يعني الخشية منه وتجنب كل ما يسخطه سبحانه وتعالى، وحينما نأتي نحن لنفحص بعض الأدلة الشرعية نجد أن الله تبارك وتعالى في أول ما أوحاه الى كليمه موسى عليه السلام حينما أتاه الى الموعد الذي كان إيذانا بتحميله رسالة الدعوة الى دين الله تبارك وتعالى والى توحيده أول جملة تلقاها موسى عليه السلام، كما في كتاب الله عز وجل: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) فبعدما أمره سبحانه بخلع نعليه والاستماع الى ما سوف يوحى إليه قال له: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) ففي هذا الموقف المهيب الذي يتلقى فيه موسى عليه السلام أول وحي يأمره ربه جل وعلا به يؤمر بتوحيده سبحانه وتعالى وبعبادته وتخص الصلاة بالذكر وقبل ذلك سيدنا إسماعيل عليه السلام يأمره ربه بان يأمر أهله بالصلاة (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)، وحينما ترك إبراهيم الخليل ذريته في واد غير ذي زرع قال: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)، فالصلاة في الأصل إنها هوية لكن أساس هذه الهوية إنما هو الإيمان والمعتقد فلذلك فلابد من إحلال الصلاة في منزلتها اللائقة بها ويختص بها المسلم كأثمن ما يقتنيه في حياته هذه ليجعل الحياة كلها دائرة عليها، وهذا نفهمه من قوله سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) فبدأ سبحانه وتعالى بالصلاة وأضافها الى نفسه مما يعني الاختصاص ثم جعل هذه الصلاة وما سواها من النسك والمحيا والممات خالصا لوجه الله تبارك وتعالى في علامة على هوية هذه الأمة من إبراهيم الخليل الى أن تقوم الساعة.

يعزز بالعلم

أمامنا نموذجان.. نموذج يحافظ على الصلاة إذا أذن المؤذن شعر أن مسؤولية قد وقعت عليه، ونموذج آخر يرى أن الصلاة هي آخر ما يفكر فيه أو يجعلها في آخر اهتماماته.. هنا المسألة هل تعود على التربية الإيمانية أم التربية على النظام أم تعود الى موضوع عدم إدراك أهمية الصلاة؟.

تعود على كل ذلك.. إلا أن في صدارتها ما يتعلق بالجانب الإيماني، جانب الاعتقاد فحينما يوقن المسلم أن في صدارة ما يحقق به معنى الإيمان في حياته أن يحافظ على الصلاة ويجعل حياته بعد ذلك تبعا لهذا المبدأ فالذي يقف بين يديه هو الذي بيده مقاليد كل شيء، هو الذي بيده القبض والبسط، الإبرام والنقض، هو الذي يفرج كل كربة، ويقضي كل حاجة، هو قيوم السموات والأرض، هو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، فحينما يتمثل هذه المعاني سيدرك أهمية الصلاة وسينزلها في المنزلة اللائقة بها، وسيجعلها من أثمن ما يحافظ عليه في هذه الحياة، وحينئذ يمكن أن تتوارد إليه معانيها ولطائفها، وحينئذ تزكو نفسه وتعرج في ملكوت السموات والأرض خشوعا وتبتلا واستحضارا لجلال الله تبارك وتعالى وهيبته وجماله وطمعا في ما عنده وخوفا من وعيده سبحانه وتعالى، لكن هذا الجانب الاعتقادي النظري لا بد أن يعزز بالعلم أيضا، والتفقه في الدين وهذا يتحصل بالاطلاع والقراءة، ومن اللطيف في ما يتعلق بأمر الصلاة إن المسلم كيفما قرأ في شأن الصلاة فان ذلك يعزز من مكانتها في قلبه ويورثه مزيدا من الرغبة والإقبال عليها، فان قرأ في أهمية الصلاة لدى الأنبياء والمرسلين، أو قرأ في مكانتها في هذا الدين أو قرأ في آثارها وكيف يجد لذتها وحلاوتها حينما يؤديها ابتغاء لوجه الله تبارك وتعالى أو قرأ في فقهها وسير الصالحين فيها فانه في كل هذه الجوانب يتحصل له من الزاد الذي يبين له ما يحتاج إليه فيما يتعلق بأمر صلاته وترتيب أولوياته في هذه الحياة، وحتى لا يكون كلامنا كلاما نظريا لننظر في وصف ربنا جل وعلا لنبينا صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام كيف أن الصلاة تمثل المحور في واقع حياتهم، يقول سبحانه وتعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) فقد ذكر أول ما ذكر (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) ثم قال: (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) ثم أضاف مرة أخرى فيما يتعلق بأمر الصلاة: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).