987707
987707
إشراقات

الأوقـاف المجتمعــيـة .. أبعاد حضارية

20 أبريل 2017
20 أبريل 2017

دوره في التنمية العلمية -

أحمد بن سيف الشعيلي - خبير وعظ وإرشاد -

جاء الإسلام بدعوة العلم قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، وقد استجابت الأمة العمانية لنداء العلم، فانطلق منها المعلمون والمتعلمون في شتى بقاع الأرض، كالإمام جابر بن زيد وحملة العلم الخمسة الذي أخذوا العلم من مدارس الفكر الناصع في البصرة، وإيمانا من الأمة العمانية قيادة وشعبا بأهمية العلم، حرص الجميع عليه منذ وقت مبكر، فهذا الإمام الجلندى بن مسعود رضي الله عنه في أوائل القرن الثاني الهجري جعل على كل عشرة من أصحابه معلما يعلمهم أمور دينهم ويفقههم، ونشأت المدارس العلمية في عمان منذ وقت مبكر.

ولكي تستمر عمليه التعليم ويكتب لها الدوام البشري تنبه العمانيون إلى ضرورة رفدها بما تحتاج إليه من مادة علمية وموارد مالية، فسارت جهودهم في هذين الجانبين بالتوازي، فظهرت المؤلفات العلمية في وقت مبكر كديوان الإمام جابر «ت 93هـ» والجامع الصحيح للإمام الربيع بن حبيب في أوائل القرن الثاني الهجري، وبموازاة ذلك ظهرت الأوقاف الموقوفة على تنمية الحركة العلمية لرفدها بالمال الضروري لاستمرار الإنفاق على المعلمين والمتعلمين والمدارس العلمية، وقد تنوّعت أشكال هذه الأوقاف على صور متعددة منها:

(1) مباني المدارس العلمية الموقوفة لوجه الله تعالى، كمدرسة الإمام أبي محمد عبد الله بن محمد بن بركة السليمي في بهلا في القرن الرابع الهجري والتي كانت على أحدث الطرز والأنظمة وكان بها سكن داخلي ضم عشرات الطلبة من دول المغرب العربي، وجعلت لها أوقاف قائمة.

وفي عهد اليعاربة أسس الإمام بلعرب بن سلطان حصن جبرين بولاية بهلا ليكون جامعة علمية لشتى فنون العلم، وفي عهد الإمام الخليلي أسست مدرسة في سمائل.

(2) الأوقاف الخاصة بالنفقة على المعلمين في المساجد ومدارس القرآن الكريم.

(3) الأوقاف الخاصة بالعناية بكتابة المصاحف والنفقة على القراء، والمراجع العلمية.

(4) الأوقاف الخاصة بالنفقة على المتعلمين والطلبة.

(5) الأوقاف الخاصة بالنفقة على تعليم القرآن الكريم خاصة

وغير ذلك من الأوقاف المعنية بالتنمية العلمية في السلطنة، وذلك مساهمة من أهل الخير وطالبي الأجر المستمر والحريصين على الصدقة الجارية، مساهمة منهم في الرقي بالمستوى العلمي للمواطنين وذلك وفق معطيات الزمان والمكان للواقف، وتأتي اليوم فكرة المؤسسات الوقفية كمنهج عصري وطريقة حديثة لتنمية الخير الوقفي والرقي بالاستثمار فيه بما يتواكب مع معطيات العصر لتكون هذه المؤسسات روافد عطاء وسواعد بناء في مجالات التنمية كافة، وتنمية العلم والفكر أهم كل هذه الجوانب التي يمكن الرقي بمساهمة أهل الخير فيه بالصدقة الجارية، لتكون جهودهم المالية أرصدة أجر يقدمونها إلى الدار الآخرة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، فمن خلال هذه المؤسسات يمكن بناء المدارس العصرية والمتخصصة، كإنشاء وقف لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة أو وقف للدراسة الجامعية لذوي الدخل المحدود أو وقف للتعليم التقني والمهني كالطب ونحوه، ويمكن من خلال هذه المؤسسات كذلك إنشاء المطابع التي تخرج التراث الفكري، ومن خلال هذه المؤسسات يمكن الارتقاء بالبحوث العلمية المتخصصة في شتى فنون العلم من خلال الإنفاق على تأسيسها والإنفاق على الباحثين المتخصصين ومجالات البحث المختلفة، كما يمكن أن تؤسس الجامعات الوقفية والكليات المتخصصة التي ينفق عليها من هذه المؤسسات الوقفية، وبذلك تتحقق الاستجابة لقول الحق تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} والحديث المروي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) وتأسيس المؤسسات الوقفية المعنية بالتنمية العلمية تحقق لأصحابها كل هذه الأعمال الثلاث فهي صدقة جارية وهي علم ينتفع به وبها يتحقق صلاح الأولاد.

كما تحقق هذه المؤسسات أرقى صور التعاون بين جهود الحكومات والأفراد في الرقي بمستوى الخدمات العلمية المعنية ببناء الإنسان الذي هو العمود الفقري للتنمية والبناء الحضاري.